محتويات
العفّة في الإسلام
الإسلام دينٌ، وشريعةٌ، وعقيدةٌ، وأخلاقٌ، ومن أعظم الأخلاق الإسلاميّة خُلق العِفّة التي عُرِّفت بأنّها: كَبْح النفس عن الشهوات، واجتناب الإسراف في المَلذّات، والاكتفاء بما يحفظ صحّة الجسد، ويُقيم الصُّلب، وهي تُعرَّف أيضاً بأنّها: حالةٌ مُتوسّطةٌ بين الإسراف والتسريف، وضبط النفس عن الشهوات، ويُمكن تعريفها أيضاً بأنّها: ضبط النفس عن كلّ ما يُلوّثها ويُبعدها عن الله -تعالى-، وقد حثّ الإسلام على العِفّة، وأمر الله -تعالى- بها المؤمنين والمؤمنات في القرآن الكريم؛ إذ قال -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)،[١] وقال في موضعٍ آخر: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ)،[٢] وبهذا أمرَ الله -تعالى- المؤمنين في الآيات الكريمة بالعِفّة، ووعدَهم بالغِنى؛ جزاءً لهم، وقد فسَّر أهل العلم الاستعفاف ب: طَلَب العِفّة عن الزنا والحرام للذين لا يجدون مالاً ليتزوّجوا إلى أن يُوسِّع الله عليهم من فَضْله، ولا تقتصر العِفّة عن الحرام فقط؛ بل قد تكون العِفّة عن الطلب وسؤال الناس أيضاً، كما جاء في قَوْل الله -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا)،[٣] ويُشار إلى أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بُعِث ليُتمّمَ مكارم الأخلاق، ومنها العفّة؛ لِما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- من أنّه قال: (ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونهم: المجاهدُ في سبيلِ اللهِ، والْمُكَاتَبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ)،[٤] ومن صُور العفّة عِفةّ الفَرج؛ وذلك بأن يَصون المسلم والمسلمة نفسيهما عن الوقوع فيما حَرَّمه الله -تعالى- من الزنا، والرذيلة.[٥]
حُكم العادة السريّة
تُعرَّف العادة السريّة، أو الاستمناء ب: تعمُّد إنزال المَني بشهوةٍ من غير مباشرة الزوجة؛ سواء كان ذلك باستخدام اليَد، أو أيّ شيءٍ آخر من الجمادات،[٦] وقد اختلف أهل العلم في حُكم العادة السريّة، وبيان ما ذهب إليه كلٌّ منهم فيما يأتي:[٧]
- ممارسة العادة السريّة لغير المُضطر: قال كلٌّ من الشافعيّة، والحنابلة، والمالكيّة بحُرمة ممارسة العادة السرّية دون خشية الوقوع في الزنا، أو الخوف من ذلك؛ استدلالاً بِقَوْل الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)،[٨] وقال الحنفيّة بكراهة العادة السرّية تحريماً لغير المُضطر.
- ممارسة العادة السريّة اضطراراً وخوفاً من الوقوع في الزنا: قال كلٌّ من الحنفيّة، والحنابلة في المذهب بإباحة العادة السرّية؛ خوفاً من الوقوع في الزنا؛ فقد قال الحنفيّة: "الرجاء ألّا يُعاقَب"، وقال مُجاهد في ذلك: "كَانُوا يَأْمُرُونَ فِتْيَانَهُمْ أَنْ يَسْتَغْنُوا بِالاِسْتِمْنَاءِ"، وقال المرداوي: " لَوْ قِيل بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَكَانَ وَجْهٌ كَالْمُضْطَرِّ، بَل أَوْلَى لأَِنَّهُ أَخَفُّ"، أمّا المالكيّة، والشافعيّة، فقد ذهبوا إلى حُرمة العادة السرّية، حتى وإن خَشِي المُكلَّف على نفسه من الزنا؛ لأنّ الشرع لم يُبح الفَرج عند الضرورة، وأمر الذين لا يستطيعون النكاح بالصيام، أمّا إن كان الاستمناء هو الوسيلة الوحيدة للخلاص من الزنا، فقد أباحها كلٌّ من الشافعيّة، والحنابلة، والحنفيّة، أمّا المالكيّة فقالوا بالحُرمة، إلّا إن تعرّض المُكلّف لموقفٍ لم يستطع فيه دَفع الزنا عن نفسه إلّا بالاستمناء، فإنّه يفعل ذلك؛ لأنّه أخفّ المَفسدتَين، ومن الأدلّة على تحريم الاستمناء قَوْل الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).[٩]
- استمناء الرجل بِيَد زوجته: قال المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة بجواز الاستمناء بِيَد الزوجة، أمّا الحنفيّة فقالوا بالكراهة التنزيهيّة كما بيّن ذلك ابن عابدين الحنفيّ.
الآثار المُترتّبة على العادة السرّية
أثر العادة السرّية في الطهارة
قال الشافعيّة بوجوب الاغتسال عند الاستمناء، حتى وإن لم يخرج المَني عن لذّةٍ ودَفْقٍ، وذهب كلٌّ من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة إلى القول بعدم وجوب الاغتسال إلّا في حال خروج المَني عن لذّةٍ ودَفْقٍ، وهو ما عليه جمهور الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد قال جمهور أهل العلم من الشافعيّة، والحنفيّة، والمالكيّة إنّ مُجرّد الشعور بانتقال المَني، وعدم خروجه، وعدم العِلم بخروجه بعد ذلك، لا يُوجِب الاغتسال؛ لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- علّق الاغتسال على الرؤية، وذهب الإمام أحمد -رحمه الله- إلى وجوب الاغتسال حتى في حالة عدم رؤية المَني؛ لأنّه لا يُتصوَّر رجوع المَني، كما أنّ الجنابة في حقيقتها انتقالٌ للمَني عن مكانه، وقد وقع ذلك، بالإضافة إلى أنّ وقوع الشهوة يُؤخَذ بعَين الاعتبار لوجوب الاغتسال، وعند انتقال المَني تحدث الشهوة، حتى وإن لم يظهر، فإن سكنت الشهوة، ثمّ نزل المَني فيما بعد، وَجَب الاغتسال.[١٠]
أثر العادة السرّية في الصيام
بيّن أهل العلم أثر العادة السرّية في الصيام؛ فذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّ الاستمناء بالمُباشرة يُبطل الصيام،[١١] وكذلك قال المالكيّة؛ إذ ذهبوا إلى أنّ إخراج المَني بالاستمناء، أو باستدامة النَّظر، أو التفكير، يُبطل الصيام، ويُوجِب القضاء والكفّارة،[١٢] وبيَّنَ الشافعيّة أنّ تعمُّد إنزال المَني كما هو الحاصل في العادة السرّية، أو الاستمناء بِيَد الزوجة؛ سواء بحائلٍ، أو دون حائل، يُبطِل الصيام،[١٣] وذهب فقهاء الحنابلة إلى أنّ الاستمناء يُبطل الصيام للرجل والمرأة على حَدٍّ سواءٍ، ويُوجِب القضاء، أمّا التقبيل والمباشرة دون الإنزال، فجائزٌ، إلّا أنّ التَّرك أفضل؛ احتياطاً، وخاصّة لِمَن لا يستطيع التحكُّم في نفسه؛ لِما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقَبِّلُ ويُبَاشِرُ وهو صَائِمٌ، وكانَ أمْلَكَكُمْ لِإِرْبِه).[١٤][١٥]
أثر العادة السرّية في الحجّ والعمرة
اختلف أهل العلم في أثر العادة السرّية في الحجّ والعمرة؛ فذهب فقهاء الشافعيّة، والحنابلة، والحنفيّة إلى أنّ العادة السرّية لا تُبطِل الحجّ، إلّا أنّها تُوجِب الفِدية؛ قياساً على المُباشرة فيما دون الإيلاج من حيث التحريم والتعزير، أمّا المالكيّة فقالوا إنّ العادة السرّية من محظورات الحجّ، وهي تُبطله، ويجب على من استمنى باليَد، أو بالنَّظر، أو بمُجرَّد التفكير قضاءُ حجّه، والفِدية؛ سواء كان مُدرِكاً، أو ناسياً.[١٦]
المراجع
- ↑ سورة النور، آية: 30.
- ↑ سورة النور، آية: 33.
- ↑ سورة البقرة، آية: 273.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1655، حسن.
- ↑ السيد مراد سلامة (23/7/2016 ميلادي - 17/10/1437 هجري)، "العفة: ثمراتها ومجالاتها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2020. بتصرّف.
- ↑ محمد علي الشوكاني، بلوغ المنى في حكم الاستمناء، صفحة 10. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 272-274، جزء 45. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 5.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 5-7.
- ↑ " الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2020. بتصرّف.
- ↑ صدر الدين عليّ بن عليّ ابن أبي العز الحنفي، التنبيه على مشكلات الهداية، صفحة 913-914، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أبو محمد جلال الدين عبدالله بن نجم بن شاس بن نزار الجذامي السعدي المالكي (1423 هـ - 2003 م)، عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة (الطبعة الأولى)، بيروت - لبنان: دار الغرب الإسلامي، صفحة 253. بتصرّف.
- ↑ سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الأزهري، فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل، صفحة 321، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1927، صحيح.
- ↑ أبو النجا موسى بن أحمد، شرف الدين الحجاوي، شرح زاد المستقنع الحجاوي، صفحة 3-4، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ "استمناءٌ"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2020. بتصرّف.