محتويات
التشتت وضعف التركيز
يتميّز الإنسان عن الكائنات الحية الأخرى بعقله وذهنه، إلا أنّه يعاني أحياناً من مشكلة ضعف التركيز، أو تشتيت الانتباه، وهي مشكلة ناتجة عن عوامل التشتت المختلفة التي تمر عليه في حياته، كتعدد الأدوار والواجبات والوظائف التي ينبغي عليه أن يعيشها ويتعامل معها خلال يومه ووقته. والانتباه في اللغة معناه حصر الذهن وتركيزه وإعماله في أمرٍ واحد أو اهتمامٍ أوحد، أو العناية بأمرٍ واحدٍ بانتباه وفكر دون الانصراف عنه إلى غيره، ويُعرَّف تشتت الانتباه في معاجم اللغة بأنَّه انشغال الذِّهن بموضوعاتٍ عديدةٍ تُفضي إلى فقدان التركيز في موضوعٍ واحد.[١]
وفي الاصطلاح، يُشار إلى تشتت الذهن بالشرود الذي يمنع توجيه التفكير إلى الشيء المُراد أو المقصود بصورة سليمة ومحدّدة، الأمر الذي يؤدّي إلى تعدد الأمور الحاضرة في العقل وغياب التركيز في أحدها بصورة تامة ومكتملة، وترجع أسباب الشرود إلى مصادر متنوعة منها العضوي أو الانفعاليّ، فبعض العوامل المرضيَّة مثل: الأنيميا، والكولسترول، واضطراب القلق، قد تتسبّب بضعف الانتباه وقلة التركيز، وقد تنتج الحالة أيضاً كأعراض جانبيّة للتفاعلات الدوائية أو المعالجة الكيميائية، كما قد تكون حالة ضعف التركيز وتشتت الانتباه ناتجةً عن المشكلات اليومية أو الانفعالات والضغوط النفسيَّة التي يتعرَّض لها الفرد، أو نتيجة انشغال الفكر بمتطلبات الحياة وأدوارها وتفاصيلها ومتغيراتها التي لا يمكن حصرها أو منعها، بحيث تسبب شروداً وتشتتاً في تركيز المرء.[٢][٣]
كيفية تقوية التركيز
يحتاج التركيز إلى جهدٍ إراديٍّ يجمع فاعلية النفس في تضييق الانتباه نحو أمرٍ واحدٍ وحصره فيه بما يتناسب مع أولويَّة ذلك الأمر وأهميَّته ومدة إنجازه، ويختلف الناس في تحقيق ذلك الجهد وتلك النتيجة تبعاً لاختلاف الفروقات الفرديَّة بينهم؛ فمنهم من يُبدي تفاعلاً كبيراً مع المثيرات ليتحقق لديه الاستيعاب المنسجم مع دافعه، ومنهم من لا يملك السيطرة على انفعالاته وإن عظُمت لديه الدوافع، وقد يكون سبب تشتته عدم قدرته على انتقاء التركيز على أمره والانصراف إلى غيره أو التنقل بين المرغوبات والمثيرات دون ثبات وضبط انتباه. والحلُّ الأمثل لمثل هذه الحالات يتمثَّل بانتقاء الأمر ذي الأولويّة الأعلى أولاً، ثمَّ التشبث فيه وإعمال العقل واستدعاء الانتباه والتركيز؛ حتى يثبت فيه الذهن ويتشبع به العقل.[٤] ومن الآليات المساعدة على زيادة التركيز ما يأتي:[٥]
- الاختيار الأمثل للظروف المناسبة للتفكير والتعلم والانفراد في شيء أو مهمة معينة بحيث يتناسب الزمان والمكان والطبيعة مع ما تحتاجه المهمة الفكرية أو التعلمية أو المسألة التي هي قيد التمحيص والحل، حيث تضمن البيئة الجيدة دوام التركيز والاتصال الذهني دون تشتت ولا شرود.
- استبعاد البيئات والأركان والأسباب المحتملة لتكوُّن المشتتات وانقطاع الاتصال الذهني والفكري، وتبديد التركيز والانتباه.
- عقد العزم والنية على إتقان العمل مهما كان تصنيفه بكامل تفاصيله الذهنية والأدائيَّة والوظيفيَّة؛ لما يتسبّب به ذلك من التركيز واتصال الانتباه وديمومته.
- الهدوء النفسي والاسترخاء: إذ يُعدّ هدوء النفس وسكينتها من أهم عوامل تركيز الانتباه وديمومته واستمرايته، ويتحقق ذلك باختيار أماكن التفكر والمذاكرة، وأوقاتها، وعناصر بيئتها.
- تزكية الذهن وإبعاده عن الهموم والمشاكل والظروف السيئة والعقبات، وعدم شغله بما يشتته ويقطع تركيزه.[٦]
- ضبط الانفعالات والأعراض النفسيَّة عند البدء بإنجاز مهمة أو أمرٍ معيَّن، فذلك يفيد في توازن التفكير والمحافظة على التركيز دون شرود أو انفصال.[٦]
- المحافظة على الصحة البدنيَّة التي تتطلَّب توازناً منظماً في النوم والاستيقاظ، والطعام، والحاجات البيولوجيَّة، والابتعاد عن الإجهاد والضغط الجسدي والنفسي؛ إذ تؤثر جميعها في صحة العقل وسلامة الذهن.[٦]
- ضبط الاتصال بأجهزة الاتصال والتواصل، مثل: التلفاز، والمذياع، وأجهزة الكمبيوتر، والأجهزة الخلوية؛ لما يسبّبه الاستخدام المفرط لهذه الأجهزة من تشويش ذهني وعصبي، يؤثر سلباً في التركيز والانتباه.[٦]
- ممارسة التمارين والنشاطات والألعاب الرياضيَّة، وتفيد النشاطات الرياضيَّة في تحفيز الدماغ على الانتباه والتركيز، والعمل بكفاءة تمنع الشرود والتشتت مع توفر حالة من الراحة والاسترخاء النفسي والذهني.[٧]
- تدوين المنجزات: البعض يعدّون مسألة تدوين المنجزات أمراً ثانوياً تنظيمياً غير ضروري، غير أنَّ لهذا الأمر بُعداً آخر يتمثَّل في معرفة الفرد مدى وصوله وانتظامه في مهمّاته وأعماله من جهة، وتمسّكه بمساراته المستقبلية من جهة أخرى، إنَّ مجرَّد شعور الفرد بامتلاكه خطَّة طريق تُحدِث لديه لفت انتباه مستمراً وتركيزاً مثالياً يتعلَّق بشكلٍ واضحٍ بخطة الإنجاز المستقبليَّة.[٨]
أهميّة التركيز والانتباه والعلاقة بينهما
يمتلك الإنسان قدرة ذهنية لمعالجة المعلومات، غير أن هذه القدرة محدودة بعدد معيّن من عمليّات المعالجة لأكثر من أمر في وقت واحد، غير أن هذه العقبة يمكن التخلّص منها بالتدريب الذهني على مهارة التركيز واستدعاء الانتباه، وهي مهارة يتقنها البعض ليصبحوا أكثر تركيزاً ووعياً في ممارساتهم الذهنيَّة وما يرتبط بها من إجراءات عمليَّة وسلوكيَّة، وهذا المحفِّز الإرادي يعالج مشاكل الهبوط في مستويات التركيز والانتباه، ليمنع انخفاض القدرة على إجراء العمليات العقليَّة، ويضمن استمراريَّة الانتباه والتركيز والحضور الذِّهني لفترة زمنيَّة أطول مدَّة في حياة الإنسان ونشاطاته.[٩]
والانتباه مهارة عقليَّة وذهنيَّة داعمة لشخصيَّة الفرد، ومُحرِّضة لتطويره النفسي والحسِّي، وهي التي تشكّل الفارق بين الإنسان والكائنات الحيّة الأخرى، ويُعرَّف اصطلاحاً بأنَّه نشاط اختياري وانتقائي يميز الحياة العقليَّة ليسهل عمليَّات المعالجة الذهنيَّة والاستجابات الحسية والوظيفية للمنبهات، أمَّا التركيز فهو عمليَّة تضييق الانتباه وتركيزه وتثبيته نحو مثير واحد بين مجموعة من المثيرات أو المحفزات؛ ليضمن اتصال الإعمال الذهني في الشيء أو المهمة في فترة زمنيَّة تكفي لحلِّه أو إنهائه.[٩]
المراجع
- ↑ "معنى تشتت الانتباه"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2018.
- ↑ شروق الجبوري (26-10-2016)، "التركيز وربط المعلومات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2018.
- ↑ مدحت أبو النصر (2009)، قوة التركيز وتحسين الذاكرة (الطبعة الأولى)، القاهرة: المجموعة العربية للتدريب والنشر، صفحة 157-158.
- ↑ أحمد محمود (10-2013)، "مفهوم التركيز عند بدر الدين بن جماعة"، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات النفسيَّة والتربويَّة، العدد الرابع، المجلد 21، صفحة 200-202.
- ↑ أحمد محمود (1-10-2013)، "مفهوم التركيز عند بدر الدين بن جماعة "، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية، العدد 4، المجلد 21، صفحة 208.
- ^ أ ب ت ث الهنداوي (30-1-2007)، "تشخيص التركيز وطريقة تنميته"، consult.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2018.
- ↑ محمد عبدالعليم (10-10-2009)، "أفضل دواء للتشتت الذهني وعدم التركيز"، consult.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2018.
- ↑ جاك كانفيلد، مارك هانسن، لس هيوت (2011)، قوة التركيز (الطبعة الثالثة عشر)، السعودية: مكتبة جرير، صفحة 47.
- ^ أ ب سحر البب (2014)، أثر برنامج تدريبي مقترح لتنمية تركيز الانتباه في تلاميذ بأعمار 10-12 سنة خلال درس التربية الرياضية، سوريا: جامعة تشرين، صفحة 9-10.