محتويات
الحجّ
يُعرّف الحج لغةً بأنّه القدوم، أو القصد، أو الكف،[١] أما اصطلاحاً: فالحج قصد المشاعر المقدّسة، لأداء مناسك محددة، في مكانٍ محددٍ، ووقت مخصوص، تعبداً لله تعالى، حيث تتعدد فضائل الحج، فالحج من أفضل الأعمال عند الله تعالى، مصداقاً لما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (سُئل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمانٌ باللَّه ورسوله قيل: ثُمَّ ماذا؟ قال: جهادٌ في سبيل اللَّه قيل: ثمَّ ماذا؟ قال: حجٌّ مبرورٌ)،[٢] وهو سببٌ من أسباب مغفرة الذّنوب، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (من حجَّ للَّه فلم يرفُث، ولم يفسُق، رجع كيوم ولدَتهُ أمُّه)،[٣][٤]
ويعتبر الحج ركناً من أركان الإسلام، حيث أجمع العلماء على وجوبه مرةً واحدةً في العمر، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٥] وما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلَّا اللَّه وأنَّ محمداً رسولُ اللَّه، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، والحجِّ، وصوم رمضان)،[٦] ولذلك فإنّ العلماء قد صرحوا بكفر من أنكر وجوب الحج، وأما من تركه تكاسلاً مع اعترافه بفرضيّته فلا يَكفر، وكذلك من أنكره جاهلاً، بأن كان حديث العهد بالإسلام، أو نشأ في باديةٍ بعيدةٍ ولا يعرف شيئاً من أحكام الإسلام، فإنّه يُعذر بجهله، ولكن يُبيّن له الحج، فإن أصرّ على إنكاره يعتبر مرتداً عن الإسلام.[٧]
عدد حجّات الرسول عليه الصلاة والسلام
ثبت أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قد أدّى فريضة الحج، ويمكن تقسيم حجّاته -عليه الصلاة والسلام- كما يأتي:
عدد حجات النبي في الجاهلية
يرجع تاريخ الحج إلى عهد نبي الله إبراهيم، وابنه إسماعيل عليهما السلام، حيث عرفه العرب منذ ذلك الوقت، وحافظوا على أدائه لقرونٍ طويلةٍ من الزمان، ولمّا وُلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، ونشأ فيها، كان يمارس ما تمارسه العرب مما بقي من الشّعائر التعبدية من دين إبراهيم عليه السلام، وقد أكّد عدد من العلماء ومنهم ابن حجر، والقرطبي -رحمهم الله- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجّ قبل بعثته، واستدلوا على ذلك بأن قريش لم تكن تترك الحج في الجاهلية، بالإضافة إلى ما ثبت عن جبير بن مطعم أنّه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجاهلية واقفاً بعرفة، وعلى الرغم من ذلك لم يتمكن العلماء من تحديد عدد حجات النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجاهلية؛ بسبب قلة الروايات التي نُقلت عن حياته -عليه الصلاة والسلام- في الجاهلية، إذ إنّ أكثر المعلومات التاريخية المتوفرة عن حياته -عليه الصلاة والسلام- ترجع لمرحلة ما بعد البعثة النّبوية.[٨]
عدد حجات الرسول بعد البعثة
تنقسم فترة ما بعد البعثة النّبوية إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل الهجرة، حيث كان رسول الله مستقراً في مكة المكرمة، ومرحلة ما بعد الهجرة عندما استقر -عليه الصلاة والسلام- في المدينة المنورة، وفيما يأتي بيانٌ لعدد حجات النّبي -عليه الصلاة والسلام- في كل مرحلةٍ:[٨]
- مرحلة ما قبل الهجرة: اختلف العلماء في عدد حجات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة، حيث نفى ابن سعد أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حجّ قبل الهجرة، وخالفه ابن حجر رحمه الله، إذ أكّد على أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يحج قبل الهجرة، فنُقل عنه أنّه قال: (بل الذي لا ارتياب فيه أنه لم يترك الحج وهو بمكة قط)، بينما وضح ابن إسحاق والفقيه أبو عمر -رحمهما الله- أنّ رسول الله حجّ مرتين قبل الهجرة، مصداقاً لما رُوي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حجَّ ثلاث حججٍ حجَّتين قبل أن يهاجر، وحجَّةً بعد ما هاجر ومعها عمرةٌ).[٩]
- مرحلة ما بعد الهجرة: ثبت أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجّ حجةً واحدةً بعد أن فرض الله -تعالى- الحج، فقد سُئل أنس بن مالك -رضي الله عنه- كم حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (حَجَّةً واحدةً، واعتمر أربع عُمرٍ)،[١٠] وقد بيّن ابن القيم -رحمه الله- في كتابه زاد المعاد أنّ العلماء أجمعوا على أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج بعد الهجرة إلا مرةً واحدةً، وهي حجة الوداع.[١١]
أركان الحج وواجباته
إن للحج أركانٌ وواجباتٌ لا بُدّ للحاج من أدائها، ويمكن بيانها فيما يأتي:[١٢]
- الوقوف بعرفة: وهو الركن الأعظم في الحج، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (الحجُّ عرفةُ)،[١٣] لا سيما أنّ يوم عرفة كان يوم إكمال الدين، وإتمام النعمة، ففيه نزل قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،[١٤] ويبدأ الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع من ذي الحجة، إلى طلوع فجر اليوم العاشر وهو يوم النحر، ويجوز الوقوف في أي موقع في جبل عرفة ليلاً أو نهاراً.
- طواف الزيارة: وهو ركنٌ من أركان الحج، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[١٥] ويُطلق عليه طواف الإفاضة، ووقته من أول فجر أيام العيد إلى آخر أيام التّشريق، ويجب خلال طواف الزيارة الطواف حول الكعبة المشرفة سبعة أشواط، ولا يجزئ الطواف بأقل من ذلك عند الشافعي، خلافاً للحنفية فالركن عندهم أكثر الأشواط، وإكمالها للسبعة واجبٌ وليس ركنٌ.
- السعي بين الصفا والمروة: يرى جمهور الفقهاء أنّ السعي بين الصفا والمروة ركنٌ من أركان الحجّ، مصداقاً لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا)،[١٦] وقد خالفهم الحنفية بقولهم إنّ السعي واجبٌ وليس بركنٍ.
- الواجبات: تشمل الواجبات كل من: الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الغروب، والوقوف بمزدلفة وهي واد بين جبلين بالقرب من عرفة، ورمي الجمار، والحلق أو التقصير، والمبيت في منى، وطواف الوداع.
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى الحج في قاموس المعجم الوسيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1519، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1521، صحيح.
- ↑ "تعريفُ الحجِّ والعُمْرَة وفَضْلُهما"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 97.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.
- ↑ "الحج (تعريفه - منزلته - حكمه - شروطه)"، Www.ar.islamway.net، 2007-11-27، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "كم حج النبي-صلى الله عليه وسلم-"،حل www.alimam.ws، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 815، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 815، صحيح.
- ↑ "كم حج النبي -صلى الله عليه وسلم-؟"، www.islamweb.net، 2004-4-20 م، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2019. بتصرّف.
- ↑ د. عبد الحسيب عطية ود. عبد المطلب حمدان (10-5-2014)، "أركان الحج وواجباته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم: 3044، صحيح.
- ↑ سورة المائدة، آية: 3.
- ↑ سورة الحج، آية: 29.
- ↑ سورة البقرة، آية: 158.