الإيمان
إنّ نعمة حلاوة الإيمان والإحسان في الطاعة والعبادة من النعم التي لا يعرف قيمتها إلّا من عاشها وجرّبها، وهي من الأسباب التي يأمن ويستأنس بها العبد، فلا يشعر المرء بأيّ قلقٍ أو ضيقٍ أو أرقٍ، ومن المشاهد التي تدلّ على ذلك ما حصل مع بلال بن رباح -رضي الله عنه- عندما عذّبه كفّار قريش بسبب إسلامه، وتوحيده، وصبره على ذلك العذاب، وتحمّله له، وعندما سُئل عن صبره قال: (مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب؛ فصبرت)، فالمؤمن لا يصل إلى تلك المرتبة إلّا إن اتخذ الإسلام ديناً له، وآمن بمحمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- نبيّاً ورسولاً، ومن الجدير بالذكر أنّ الإيمان يمنح العبد القوة والعزّة والمنعة، وبه تتيسّر الأمور العصيبة، وبه يرضى العبد عن ربّه تعالى، وقال عمر بن الخطاب في ذلك: (ما أصبت بمصيبةٍ إلّا كان لله علي فيها أربع نعم: أنّها لم تكن في ديني، وأنّها لم تكن أكبر منها، وأنّني لم أحرم الرضا عند نزولها، وأنّني أرجو ثواب الله عليها)، وحلاوة الإيمان تتفاوت وتختلف من شخصٍ إلى آخرٍ، وذلك بحسب قوّة الإيمان أو ضعفه، إلّا أنّ هناك العديد من الأسباب التي تُوصل العبد إلى حلاوة الإيمان، منها: مجاهدة النفس، وتعويدها على العبادات والطاعات، فالنفس الإنسانيّة تميل بطبيعتها إلى الشهوات والملذّات، حيث قال الله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)،[١] وكذلك فإنّ للصلاة والإكثار من النوافل دوراً في تحقيق حلاوة الإيمان، فهي من مصادر السعادة والسكينة والطمأنينة، وهي الصلة بين العبد وربّه.[٢]
تقوية الإيمان
يُمكن للعبد المسلم أن يجدّد الإيمان في قلبه ويقوّيه بالعديد من الوسائل والطرق، وفيما يأتي بيانٌ لبعضٍ منها:[٣]
- أداء الصلاة وإقامتها بأركانها، مع الحرص على الخشوع فيها؛ فإقامة الصلاة في أوقاتها المحدّدة شرعاً بخشوعٍ وتدبّرٍ، مع إقامة أركانها وشروطها من أعظم الأعمال بعد الإقرار بوحدانيّة الله تعالى، وإقامة الصلاة والمحافظة عليها من صفات المتّقين، حيث قال الله تعالى: (الم*ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)،[٤] والصلاة كانت جزءاً من التكاليف التي كُتبت على الأمم السابقة، حيث قال الله تعالى مُخاطباً بني إسرائيل: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)،[٥] وكذلك أمر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- العباد والأمّة الإسلاميّة بالصلاة، فهي من الوسائل التي تعزّز الأخلاق الحسنة والكريمة في نفس العبد، وتُحفظها وتصونها عن المحرّمات والفواحش والمنكرات، وجاء التحذير من إضاعة الصلاة وعدم المحافظة عليها في أوقاتها، فالتكاسل عن الصلاة والإهمال في أدائها من صفات المنافقين، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)،[٦] ويحرّم على المسلم ترك أداء الصلاة من غير عذرٍ شرعيٍّ.
- تلاوة آيات القرآن الكريم بتدبّرٍ وخشوعٍ؛ فالقرآن الكريم شفاءٌ للقلوب والنفوس، حيث قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)،[٧] فالواجب على كلّ مسلمٍ تلاوة آيات القرآن الكريم، مع الحرص الشديد على تدبّرها وفهم معانيها ودلالاتها، ومعرفة الأخبار الواردة فيها، والامتثال بالأخلاق الحسنة والكريمة اتي تحثّ عليها.
- الحرص على ذكر الله تعالى، حيث قال الله سبحانه: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)،[٨] والذكر يجب أن يكون أولاً في الشعور والقلب والوجدان، ثمّ باللسان حمداً ومناجاةً وشكراً لله تعالى.
- التعرّف على صفات الله تعالى، وأسمائه الحسنى؛ إذ إنّ لذلك أثراً كبيراً في تهذيب وتقويم النفوس، وتجديد الإيمان في القلوب، وتوثيق صلة العبد بالله تعالى.
- قيام الليل، فهو من أوائل الأوامر التي وجهّت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال لله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا*نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)،[٩] ولا بُدّ من الإخلاص لله تعالى في قيام الليل، كما أنّ قيام الليل يميّز المسلم عن غيره، وكذلك فإنّ قيام الليل من الدوافع التي تدفع المسلم للجد في سائر الأعمال الصالحة والاستمرار فيها.
- تذكّر الموت والدار الآخرة، وعدم الأمل بالحياة الدنيا، وبذلك لا يتعلّق قلب العبد المسلم إلّا بالله تعالى، ولا ينشغل بالحياة الدنيا وما فيها من ملذاتٍ وشهواتٍ.
تقوية الصلاة
يجب على المسلم أن يداوم على أداء الصلاة والالتزام بها في كلّ الظروف والأحوال، وفيما يأتي بيانٌ لبعض الوسائل التي تُعين العبد على تحقيق ذلك:[١٠]
- الإيمان بأنّ الله تعالى فرض الصلاة وأوجبها على عباده، والعلم يقيناً بأنّ الصلاة من أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولا يجب على المسلم ترك الصلاة أو التهاون في أدائها أو التكاسل عنها، والالتزام بها يدلّ على مستوى إيمان العبد، وتارك الصلاة موعودٌ بالعذاب الشديد والأليم من الله تعالى.
- العلم بأنّ تأخير الصلاة عن وقتها المحدّد لها شرعاً من كبائر الذنوب والمعاصي، حيث قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)،[١١] والغيّ كما فسّره الصحابي عبد الله بن مسعود هو وادٍ يقع في جهنم.
- الحرص على أداء الصلوات جماعةً في المسجد، دون تفريطٍ أو تهاونٍ أو تكاسلٍ.
- العلم بأنّ المحافظة على الصلاة من الأسباب التي ينال بها العبد مكرمة الاستظلال بظلّ الله تعالى يوم القيامة، حيث لا ظلّ إلّا ظلّه تعالى.
المراجع
- ↑ سورة الشمس، آية: 7-10.
- ↑ "إنها حلاوة الإيمان"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.
- ↑ "تجديد الإيمان وتوثيق الصلة بالله تعالى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 1-3.
- ↑ سورة البقرة، آية: 43.
- ↑ سورة النساء، آية: 142.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 82.
- ↑ سورة الرعد، آية: 28.
- ↑ سورة المزمل، آية: 1-4.
- ↑ "أريد طريقة لا تجعلني متكاسلاً عن الصلاة "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 59.