أثر التدخين على الصيام
اتفق الفُقهاء على أن التدخين من الأُمور التي تفسد الصيام؛ لأنه من المُفطرات، وكذلك يُفسد الصيام لو دخل إلى حلق الصائم ولو من غير شرب؛ كاستنشاقه عمداً، وأمّا إذا دخل إلى حلقه من غير قصد فإن ذلك لا يُفطّر؛ كأن يكون في مكان مع شخص يشرب الدُخان ودخل إلى حلقه منه، وذلك لصعوبة تجنّب دخوله إلى الحلق، وذهب الحنفية والمالكية إلى وجوب القضاء ودفع الكفارة إن تعمد ذلك، بخلاف الشافعية والحنابلة الذين يرون وجوب القضاء فقط، ومن المُفطّرات أيضاً عند المالكية مضغ الدُخان أو استنشاقه؛ لأنّ ذلك يُعتبر نوعاً من أنواع التكييف التي تشبه تكيف الإنسان بالتدخين، ويصل الطعم إلى الحلق ويُشبه في ذلك الدُخان،[١] ولا يُعدّ التدخين من الأسباب أو الأعذار التي تبيح الفطر.[٢]
لماذا التدخين من المفطرات
اتّفق فقهاء المذاهب الأربعة أنّ الدُخان أو السجائر من مبطلات الصوم، وذلك لأنّ الدخان مادّة عينية تصل إلى الجوف والحلق، وقال الشافعية:إنّ للدخان أثراً يُحسّ كما في العود، وقد بيّنت هيئة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية أنّ الدُخان مادّة لها جُرم تصل إلى الجوف من أحد المنافذ الطبيعية، ويحتوي الدخان على مواد عُضويّة كالقطران والنُكوتين التي لها جُرم وتظهر على الرئتين وجدار البُلعوم،[٣] وقد ذهبت دائرة الإفتاء الأُردنية إلى القول بفطر من دخّن في صيام؛ لأنّ أجزاء الدخان وذرّاته تدخل عمداً إلى الرئة والتي تُعتبر جُزءً من الجوف الذي يتحقق الفطر بدخول شيئٍ إليه،[٤] وهو يُشبه البُخور من حيث تكوينه ومادّته ليس من حيث حُكمه،[٥] وقد ذهب بعض الحُنفية إلى أنّ السبب في الفطر بسبب الدُخان؛ سهولة تجنّبه، كما أنّ الطبع يميل إليه، وفيه يقضي الإنسان شهوة بطنه، وذلك مُناقض لمقصود الصيام وهو ترك الطعام والشراب والشهوة لأجل الله -تعالى- كما جاء في الحديث القُدسي، قال النبي -صلى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربّه: (يَتْرُكُ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ وشَهْوَتَهُ مِن أجْلِي).[٦][٧]
حكم التدخين
التدخين أحد المواد الجديدة التي لم تكن معروفة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا في عهد الصحابة -رضي الله عنهم- ولا في عهد الأئمة المُجتهدين، وإنما ظهر في أُواخر القرن العاشر الهجري في مصر وبعض البلاد الإسلاميّة، وعندما ظهرت آراء الفقهاء في حُكمه ذهبوا إلى أنّه مُحرّم،[٨] وممن قال بحرمته جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة لما في ذلك من خير للمجتمع؛ لأنّ الدخان فيه تفتير وتخدير لمن يأخذه،[٩] وهو ما ذهب إليه إجماع جلّ المعاصرين إن لم يكن جميعهم،[١٠][١١] واستدلّوا على حرمته بقوله -تعالى-: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)،[١٢]والدُخان يُصنّف من الخبائث؛ سواءً من حيث الطعم أو الرائحة أو أثره على الجسم، كما واستدلّوا بحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حَرَّمَ علَيْكُم: عُقُوقَ الأُمَّهاتِ، ووَأْدَ البَناتِ، ومَنْعًا وهاتِ، وكَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةَ المالِ)،[١٣] وفي الدُخان إضاعة وهدرٌ للمال بلا فائدة، وكذلك قد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن كل ما يضرّ بالجسم أو بالمال او الفكر، والدُخان يضرّ بكل ذلك قال النبي -عليه السلام-: (لا ضَررَ ولا ضِرارَ).[١٤][١٥]
المراجع
- ↑ سورتنو (2013)، أحكام الدخان والمتعلقات به في الفقه الإسلامي، صفحة 26. بتصرّف.
- ↑ محمد صالح المنجد (2014)، 70 مسألة في الصيام (الطبعة الأولى)، الرياض: مجموعة زاد للنشر، صفحة 57. بتصرّف.
- ↑ عبد الرؤوف محمد أحمد الكمالي (2018)، المُفطرات المُعاصرة، مصر : دار الكتب المصرية، صفحة 342- 339، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ "أحكام الصيام"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2020. بتصرّف.
- ↑ "التدخين في رمضان"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1894، صحيح.
- ↑ محمد جبر الألفي، مفطرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، صفحة 5-6. بتصرّف.
- ↑ "ما حكم التدخين؟ "، www.ar.islamway.net، 25-10-2008، اطّلع عليه بتاريخ 20-5-2020. بتصرّف.
- ↑ عبدالله بن صالح القصيِّر (29-10-2015)، "أقوال علماء المذاهب في حكم شرب الدخان"، alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2020.
- ↑ "جل العلماء المعاصرين على حرمة التدخين"، islamweb.net، 23-11-2003، اطّلع عليه بتاريخ 2-7-2020.
- ↑ "حكم الدخان وبيعه"، https://aliftaa.jo/، 02-11-2015، اطّلع عليه بتاريخ 2-7-2020.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 157.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 593، صحيح.
- ↑ رواه النووي، في الأربعون النووية، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 32، حسن.
- ↑ نوح علي سلمان (29-07-2012)، " حكم شرب الدخان"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 20-5-2020. بتصرّف.