ذكر الله تعالى
يعرّف الذكر في اللغة بأنّه التلفظ، ومن ذلك ذَكَرَ الشيء؛ أي تلفّظ به، ومنه ذَكَرَ اسمه؛ أيّ جرى على لسانه، وذكر الله تعالى؛ أيّ حمده وسبّحه وأثنى عليه، ولذكر الله -تعالى- مفهومين رئيسيين؛ الأول منهما ما جاء في المعنى العام؛ وهو الذي يشمل كلّ أنواع العبادات؛ من صلاةٍ وصيامٍ وحجٍ وتسبيحٍ وتهليلٍ، لأنّها جميعها أُقيمت من أجل ذكر الله -تعالى- وعبادته وطاعته، وأمّا الثاني فهو ما جاء في المعنى الخاص، وهو الذي يدور حول الألفاظ التي وردت عن الله -تعالى- من تلاوة كتابه، وممّا سنّه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من كلماتٍ فيها تنزيهٌ وتقديسٌ وتمجيدٌ لجلال الله سبحانه، وأعظم الذكر وأشمله تلاوة كتاب الله -عزّ وجلّ- أيّ القرآن الكريم، وقد حثّ الله -تعالى- عباده على ذكره، وأمرهم بالإكثار منه في عدّة مواضع من القرآن الكريم، ومما دلّ على ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا*وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)،[١] كما حذّرهم كذلك من الانشغال عن ذكره بالمال والأولاد، وجعل نتيجة ذلك الخسران المبين، ودليل ذلك قول الله -تعالى- في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).[٢][٣][٤]
ينقسم ذكر الله -تعالى- إلى ثلاثة أقسام؛ إمّا أن يذكره الإنسان باللسان؛ وهو ذكر الله -تعالى- بالقول، ويشمل الدعاء، وقراءة القرآن، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإمّا أن يذكره بالأفعال، ويشمل ذلك كلّ العبادات البدنية والمالية؛ كالصلاة، والصيام، والصدقة، وإمّا أنْ يذكره في قلبه، ويشمل ذلك الاعتقاد والعلم الجازم بصفات الله -تعالى- العليا، وأسمائه الحسنى، وكماله، وتنزيهه عن كل نقصٍ وعيبٍ، وكلّ ما هو من أعمال القلوب، ولذكر الله -تعالى- تقسيمٌ آخرٌ من حيث كونه مقيداً أو مطلقاً، فالذكر المقيّد؛ هو ما قيد بمكانٍ، أو وقتٍ، أو حالٍ ممّا ورد في سنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على تلك الصفة؛ كالأذكار التي تلحق الصلوات، وأمّا الذكر المطلق؛ فهو ما لم يقيّد بشيءٍ معينٍ، وإنّما كان مشروعاً في سائر الأوقات والأحوال، والذكر المقيّد مقدمٌ على الذكر المطلق؛ لما فيه من معنى اتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والحرص على تطبيق سنّته الشريفة.[٥][٤]
التسبيح بعد كل صلاة
حثّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- على الإكثار من ذكر الله تعالى، ودوام استحضاره، وتسبيحه، وتعظيمه في سائر أوقات المسلم وأيامه، إلّا أنّه سنّ كذلك أذكاراً خاصةً لأوقاتٍ معينةٍ، ومن هذه الأذكار المقيدة الذكر؛ التسبيح بعد الصلوات المفروضة، وفيما يأتي بيان صيغ الأذكار عامّةً التي تُلحق بالصلوات المفروضة:[٦][٧]
- الصيغة الأولى: أن يقول المصلّي بعد صلاته: سبحان الله، ثلاثاً وثلاثين مرةً، والحمد لله، ثلاثاً وثلاثين مرةً، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرةً، ثمّ يتمّها إلى المئة بقول: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيءٍ قديرٍ، ويمكن كذلك سرد هذه الصيغة بطريقةٍ أخرى؛ وهي أن يقول المصلّي: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ويكرّرها ثلاثاً وثلاثين مرةً، ثمّ يتمّها إلى المئة بذات الذكر المذكور آنفاً، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من سبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثينَ، وحمدَ اللَّهَ ثلاثاً وثلاثينَ، وكبَّرَ اللَّهَ ثلاثاً وثلاثينَ، فتلكَ تسعةٌ وتسعونَ، وقالَ تمامَ المئةِ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، غُفِرت خطاياهُ، وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ).[٨]
- الصيغة الثانية: أن يقول المصلّي بعد صلاته: سبحان الله، ثلاثاً وثلاثين مرةً، والحمد لله، ثلاثاً وثلاثين مرةً، والله أكبر، أربعاً وثلاثين مرةً، فيكون مجموعها مئة بالتمام.
- الصيغة الثالثة: أن يقول المصلّي بعد صلاته: سبحان الله، خمساً وعشرين مرةً، والحمد لله، خمساً وعشرين مرةّ، ولا إله إلّا الله، خمساً وعشرين مرةّ، والله أكبر، خمساً وعشرين مرةً، فيكون المجموع بذلك مئة بالتمام، ودليل ذلك ما روي عن رجلٍ من الأنصار أنّه بعد أن أمرهم الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالتسبيح بعد الصلاة ثلاثاً وثلاثين، والحمد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير أربعاً وثلاثين، أتاه في المنام آتٍ، فقال له: (أمرَكم رسولُ اللَّهِ أن تسبِّحوا دُبرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثينَ، وتحمَدوا ثلاثاً وثلاثينَ، وتُكبِّروا أربعاً وثلاثينَ، قالَ: نعَم، قالَ: فاجعلوها خمساً وعشرينَ، واجعلوا فيها التَّهليلَ، فلمَّا أصبحَ أتى النَّبيَّ فذَكرَ ذلِكَ لَهُ، فقالَ: اجعلوها كذلِك).[٩]
- الصيغة الرابعة: أن يقول المصّلي بعد الانتهاء من صلاته: سبحان الله، عشر مراتٍ، والحمد لله، عشر مراتٍ، والله أكبر، عشر مراتٍ.
عقد التسبيح على أصابع اليدين
ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يعقد التسبيح بأنامله ويديه، وذلك في عدّة أحاديثٍ، منها ما ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن عبد الله بن عمرو حين قال: (رأَيْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يعقِدُ التَّسبيحَ بيدِه)،[١٠] كما ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أيضاً إرشاده لنساءٍ من المهاجرات أن يسبحنّ ويقدسن الله -عزّ وجلّ- بأناملهنّ، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (عليكُنَّ بالتَّسبيحِ والتَّهليلِ والتَّقديسِ، واعقِدنَ بالأناملِ، فإنَّهنَ مسؤولاتٌ مستَنطَقاتٌ)،[١١] وفي الحديث السابق دلالةٌ على عقد التسبيح، والذكر على الأصابع بكلتا اليدين، اليمنى واليسرى، وخلاصة الأمر أنّ من عقد التسبيح بيديه كان موافقاً للسنة، والأفضل أن يكون ذلك باليد اليمنى؛ لأنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يحبّ التيامن في شؤونه كلّها.[١٢]
المراجع
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 41-42.
- ↑ سورة المنافقون، آية: 9.
- ↑ "تعريف و معنى الذكر في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-12. بتصرّف.
- ^ أ ب الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح (2016-2-20)، "ذكر الله تعالى: أنواعه وفضائله"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-12. بتصرّف.
- ↑ الشيخ عبد الله بن صالح القصيِّر (2012-10-24)، "بيان شأن ذكر الله وأنواعه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-12. بتصرّف.
- ↑ وسمية جويعد العجمي (2008-7-14)، "مقدار التسبيح بعد الصلاة المفروضة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-12. بتصرّف.
- ↑ "صيغ التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل دبر الصلوات المكتوبات"، www.islamqa.info، 2015-5-16، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-12. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 597، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 1349، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 843، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن يسيرة بنت ياسر، الصفحة أو الرقم: 5569، صحيح.
- ↑ "التسبيح باليدين بعد الصلاة المفروضة"، www.ar.islamway.net، 2014-4-23، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-12. بتصرّف.