كيف نتعامل مع القران الكريم

كتابة - آخر تحديث: ١٥:٣٢ ، ٢٢ يوليو ٢٠٢٠
كيف نتعامل مع القران الكريم

منزلة القرآن الكريم

تحلّي الشخص بقوّة الدِّين، والإيمان، واليقين يتأتّى بكثرة قراءة القرآن الكريم، وتدبُّره، وفَهمه، والاستماع إليه، والعمل بأوامره، واجتناب نواهيه؛ وذلك لأنّ مِن طبيعة الإيمان أنّه يزداد، وينقص، ولزيادته، وتقويته، وتنميته، لا بُدّ من الحرص على تدبُّر معاني آيات القرآن الكريم -كما سبق الذِّكر-؛ فزيادة الإيمان تُؤدّي إلى تَرك المعاصي، والأمور الفاسدة، ويُشار إلى أنّ سماع القرآن الكريم كان سبباً في إيمان الكثير من العرب، كما كان سبباً في فَتح الأقطار، واتِّساع عُمران الدولة الإسلاميّة؛ ولهذا كان زعماء مكّة المُعاندون الجاحدون يمنعون النبيّ محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- من قراءة القرآن الكريم على الناس، وقد ذُكِر فِعلهم هذا في قوله -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَـذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).[١][٢]


كيفيّة تعامُل المسلم مع القرآن الكريم

هناك أمور عِدّة ينبغي على المسلم أن يُحقّقها؛ ليتمكّن من التعامُل مع القرآن الكريم بطريقة صحيحة، ومنها ما يأتي:

  • الإيمان: إذ يؤمن المسلم بأنّ القرآن الكريم إنّما أُنزِل؛ ليُنظَر في آياته، ويُعمل بما جاء فيها، وهذا الإيمان هو المقصود في قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: (لقد لبِثنا بُرهةً من دهرٍ وأحدُنا ليؤتَى الإيمانَ قبل القرآنِ، تنزلُ السورةُ على محمدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- فنتعلمَ حلالَها وحرامَها وأمرَها وزاجِرَها وما ينبغي أنْ يوقفَ عنده منها كما يتعلمُ أحدُكم السورةَ، ولقد رأيتُ رجالًا يؤتَى أحدُهم القرآنَ قبل الإيمانِ يقرأُ ما بين فاتحتهِ إلى خاتمتهِ ما يعرفُ حلالَه ولا حرامَه ولا أمرَه ولا زاجِرَه ولا ما ينبغي أنْ يوقفَ عنده منه وينثرهُ نثرَ الدَّقْلِ)،[٣] وهذا النوع من الإيمان هو الذي دفع الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى المُبادرة إلى تعلُّم السُّوَر، والعمل بما جاء فيها فَور نزولها.[٤]
  • الالتفات إلى الأهداف الأساسيّة للقرآن الكريم: يحرص قارئ القرآن الكريم على أن تكون نظرته إلى أهداف القرآن الكريم نظرة شموليّة كاملة تشمل التعرُّف على أغراضه، وأهدافه، ومَقاصده، ومن شَأن ذلك تمكينه من تحقيق هذه الأهداف والغايات في نفسه، وفيمَن حوله، كما يُحسن التعامُل مع القرآن الكريم، ويتدبّره، ويفهم مَعانيه.[٥]
  • الاهتمام بالقرآن والعناية به: ويمكن تحقيق ذلك من خلال الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، وتدبُّر مَعانيه، والاستماع إليه بخشوع وحضور قلب؛ لأنّه يُرشد إلى طريق الهُدى؛ قال -تعالى-: (هـذا بَلاغٌ لِلنّاسِ وَلِيُنذَروا بِهِ)،[٦] كما قال -عزّ وجلّ-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).[٧][٨]
  • وَضع القرآن الكريم في أعلى سُلَّم الأولويّات: ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاهتمام بالقرآن الكريم، وتخصيصه بأفضل وقت، وأطول فترة ممكنة؛ لأنّ القرآن يُعطي المسلم ويُكرمه على قَدر ما يُعطيه المسلم من اهتمام؛ قال -تعالى-: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ).[٩][١٠]
  • تعظيم القرآن الكريم وتنزيهه: يقول الإمام النوويّ إنّ إجماع المسلمين حاصلٌ في وجوب تعظيم القرآن الكريم، وتنزيهه، وصيانته عن أيّ امتِهان.[١١] ويكون تعظيم القرآن الكريم من خلال تحقيق أمور عدّة، ومنها ما يأتي:[١٢]
    • الحرص على الطهارة عند قراءة القرآن؛ فلا يقرأ إن كان جُنُباً، أو في حال الحَيض للنساء، كما يُستحَبّ أن يسأل الله -تعالى- الجنّة عندما يَمرّ بالآيات التي تتحدّث عنها، ويستعيذ به من النار عند مروره بالآيات التي تذكرها، ويسجد في آيات السجود، ويعترف لربّه بما يُقرِّره لنفسه في كتابه.
    • الحرص على أن يكون المكان الذي يُقرَأ فيه القرآن مُؤهلّاً لذلك؛ فقد كَرِه العلماء القراءة في مكان قضاء الحاجة، وكرهوا أيضاً القراءة لِمَن أكلَ بَصَلاً، أو ثَوماً حتى تذهب رائحته، أو حال قضاء الحاجة؛ لِما في ذلك من الفُحش؛ بهدف تعظيم الله -تعالى-، واحترام كلامه، وإكرام ملائكته؛ لأنّ الملائكة تتأذّى مِمّا يتأذّى منه بنو آدم، كالنجاسة، والقذارة، والروائح الكريهة، ومِن ذلك قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأُسَيد بن حضير -رضي الله عنه- عندما أخبرَه أنّه قرأ القرآن ووَجَد مثل الظُلّة عنده؛ فقال: (تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بالقُرْآنِ).[١٣][١٤]
    • الحرص على حِفظ كتاب الله -تعالى-، وتعظيم أهله، وحِفظ حدوده، وتعلُّم حلاله وحرامه، وتطبيق أحكامه، والحِرص على تعلُّمه، وتعليمه.[١٥]
    • الحرص على استقبال القبلة، والجلوس بخشوع وسكينة ووقار في غير الصلاة.[١٦]
  • احترام القرآن الكريم: ويمكن أن يُحقّق القارئ ذلك من خلال تجنُّب النَّظَر إلى ما مِن شأنه أن يُلهيَ قلبَه، وتجنُّب العَبَث بأيّ شيء، والانتهاء عن الضحك، وتجنُّب اختلاط الأصوات، أو الكلام إلّا في حال الاضطرار إلى ذلك، مُتمثِّلاً قوله -تعالى-: (وَإِذا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ)،[١٧] وهذا مَنهج الصحابة -رضوان الله عليهم- في التعامُل مع القرآن الكريم؛ فقد نُقِلَ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّه كان لا يقطع قراءته إلّا عندما ينتهي من القَدر الذي حدَّدَه ليقرأه.[١٨]
  • الاستياك عند قراءة القرآن الكريم: إذ يُستحَبّ لقارئ القرآن أن يُنظّف فمَه، وأسنانَه بالاستياك عند البدء بقراءته، ويجوز أن يُنظّف بعود الآراك، أو بغيره من العيدان، أو بفرشاة الأسنان، وغيرها.[١٩]


حال السَّلَف مع القرآن الكريم

حرص الصحابة -رضوان الله عليهم- على الإكثار من قراءة القرآن الكريم في أحوالهم جميعها، وحتى في المَجالس، والطرقات، وقد كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يتلو كتاب الله -تعالى- حين قُتِل، وكان المصحف في يَده،[٢٠] وكان منهم مَن إذا قرأ الآيات االتي تتحدّث عن الفُجّار والجاحدين، حَمِد الله -تعالى- على أنّه ليس منهم، وكانوا يقولون عندما يقرؤون قوله -تعالى-: (وَآخَرونَ اعتَرَفوا بِذُنوبِهِم خَلَطوا عَمَلًا صالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتوبَ عَلَيهِم):[٢١] نحن منهم، وهو حال معظم الناس؛ فهناك مَن يستيقظ لصلاة الفجر، ويتلو آيات من القرآن الكريم، ويقرأ الأذكار، إلّا أنّه إذا مَرّ بغيبة، أو نميمة، فقد لا يتورّع عن الخَوض فيها، إلى جانب ما يلاقيه من فِتَن مختلفة وهو يسعى إلى عمله، ورُبّما غَضب وثأر لنفسه؛ فينطبق عليه ما وصفته به الآية الكريمة.[٢٢]


وقد ضَرب السَّلَف أروع الأمثلة في تعاملهم مع القرآن الكريم، ومن أولئك تميم الداريّ -رضي الله عنه- الذي قضى الليل كلّه يركع، ويسجد، ويبكي في آية واحدة؛ وهي قوله -تعالى-: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)،[٢٣][٢٤] وكان دَأبهم الحِرص على العمل بما عَلِموه من القرآن الكريم أكثر من حِرصهم على الحِفظ دون العمل بما حِفظوه، حتى أنّه نُقِلَ عن قُرَّاء القرآن الكريم، كعثمان بن عفان، وعبدالله بن مسعود، -رضي الله عنهما-، وغيرهما أنّهم كانوا كلّما تعلّموا عشرَ آيات من القرآن الكريم من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، لم يتجاوزوها إلّا بعد أن يتعلّموا ما فيها من العِلم والعَمل، وهذا ما نَقَله عنهم أبو عبدالرحمن السلميّ -رحمه الله-، ولذلك قالوا: "تعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً".[٢٥]


المراجع

  1. سورة فصلت، آية: 26.
  2. عبدالرزاق البدر (1996)، زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه (الطبعة الأولى)، الرياض-المملكة العربية السعودية: مكتبة دار القلم والكتاب، صفحة 183. بتصرّف.
  3. رواه ابن منده، في الإيمان لابن منده، عن القاسم بن عوف الشيباني، الصفحة أو الرقم: 106، إسناده صحيح على شرط مسلم.
  4. مجدي الهلالي (2008)، تحقيق الوصال بين القلب والقرآن (الطبعة الأولى)، القاهرة: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 87. بتصرّف.
  5. صلاح الخالدي (2003)، مفاتيح للتعامل مع القرآن (الطبعة الثالثة)، دمشق: دار القلم، صفحة 76. بتصرّف.
  6. سورة إبراهيم، آية: 52.
  7. سورة محمد، آية: 24.
  8. ابن باز، دروس للشيخ عبد العزيز بن باز، صفحة 8، جزء 17. بتصرّف.
  9. سورة الواقعة، آية: 77.
  10. مجدي الهلالي، العودة إلى القرآن لماذا وكيف، صفحة 95-96. بتصرّف.
  11. محمد المقدم، سلسلة علو الهمة، صفحة 17، جزء 18. بتصرّف.
  12. حسين الحَلِيمي (1979)، المنهاج في شعب الإيمان (الطبعة الأولى)، -: دار الفكر، صفحة 210، جزء 2. بتصرّف.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 5011، صحيح.
  14. تقيّ الدين السبكي، قضاء الأرب في أسئلة حلب، مكة المكرمة: المكتبة التجارية، صفحة 381-382. بتصرّف.
  15. سعيد القحطاني، نُورُ الإِيمان وظلمات النِّفَاق في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 27. بتصرّف.
  16. النووي (1994)، التبيان في آداب حملة القرآن (الطبعة الثالثة)، بيروت-لبنان: دار ابن حزم، صفحة 79. بتصرّف.
  17. سورة الأعراف، آية: 204.
  18. محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 414، جزء 9. بتصرّف.
  19. النووي (1994)، التبيان في آداب حملة القرآن (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان: دار ابن حزم، صفحة 72. بتصرّف.
  20. خالد المصلح، دروس للشيخ خالد بن عبدالله المصلح، صفحة 10، جزء 2. بتصرّف.
  21. سورة التوبة، آية: 102.
  22. مصطفى العدوي، سلسلة التفسير لمصطفى العدوي، صفحة 14، جزء 38. بتصرّف.
  23. سورة العنكبوت، آية: 4.
  24. أحمد الطيار، حياة السلف بين القول والعمل (الطبعة الأولى)، الدمام-المملكة العربية السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 203. بتصرّف.
  25. عبدالعزيز آل الشيخ، كتاب الله عز وجل ومكانته العظيمة، صفحة 32. بتصرّف.
1,595 مشاهدة