محتويات
عَظَمَة القرآن الكريم
فَضَّل الله -تعالى- الإنسان، وقَدَّر له أعظم الطُّرق التي تُحقّق له رضاه عنه؛ فلم يتركه يستهدي بِما وضعه الله فيه من الفطرة الصحيحة التي تُوصله إلى الخير، وتُرشده إلى طريق الصواب فقط؛ بل بعث إليه رُسُلاً بين كلّ فترةٍ وأخرى، وأيَّدَهم بكتابٍ من عنده؛ ليدعوا الناس إلى عبادة الله وحده، ويُبشّروهم ويُنذروهم لقاءَ الله -سبحانه-؛ وذلك لإقامة الحُجّة على العباد؛ قال -تعالى-: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)،[١] واستمرّ الله -سبحانه- بإنزال الوَحْي، وتجدر الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- أراد أن تكون رسالة محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- الرسالةَ الخالدةَ.[٢]
عدد أسماء القرآن الكريم
اختلف العلماء -رحمهم الله- في عدد أسماء القرآن الكريم؛ فذهب الزركشيّ إلى أنّ الحراليّ قال إنّ عدد أسماء القرآن يبلغ أكثر من تسعين اسماً، وذهب الفيروزآبادي في كتابه (بصائر ذوي التمييز) إلى أنّ الله -تعالى- ذكرَ مئة اسمٍ للقرآن الكريم، إلّا أنّه لم يتطرّق إلى ذِكْرها جميعها، بل ذكرَ تسعةً وثمانين اسماً، وزاد عليها أربعة أسماءٍ، فأصبحت بذلك ثلاثةً وتسعين اسماً ورد ذِكرها في القرآن، وذكر صالح البليهيّ ستّةً وأربعين اسماً للقرآن، وبَيَّن أنّ ما ورد غيرها أوصافٌ وليست أسماء،[٣] وذكر الزركشيّ في كتابه (البرهان في علوم القرآن) أنّ الله سَمّى القرآن الكريم خمسة وخمسين اسماً، وأنّ عدد الأسماء الكثيرة يدلّ على شَرَف المُسمّى، ومنزلته العالية، ومكانته السامية،[٤] وتجدر الإشارة إلى مبالغة بعض الباحثين في عدد أسماء القرآن؛ فقد اشتقّوا له أسماء من صفاتٍ أُطلِقت على القرآن، ومنهم: الشيخ طاهر الجزائريّ؛ مُؤلّف كتاب (التبيان)؛ إذ ذكرَ أنّ للقرآن أكثر من تسعين اسماً استنبطَها من صفات القرآن، كما اعتبر الزركشيّ في كتابه (البرهان في علوم القرآن) أنّ لفظ (كريم) اسمٌ من أسماء القرآن،[٥] بالإضافة إلى أنّ قتادة اعتبر أنّ كلّ هِجاءٍ موجودٍ في القرآن اسمٌ من أسماء القرآن، وقَصَدَ بالهجاء: حروف التهجّي التي تكون في مقدّمة سُوَر القرآن الكريم،[٦] وفيما أخبر به معمر عن قتادة: "ألم، قال: اسمٌ من أسماء القرآن".[٧]
أسماء القرآن الكريم
اشتُهِر القرآن الكريم بأربعة أسماء، وهي: الكتاب، والذِّكر، والفُرقان، والقرآن، أمّا ما ذُكِر من أسماء أخرى؛ فهي من قَبيل الصفات لا من الأسماء، مثل: وصف القرآن بالعظيم، أو الكريم، أو المَتين، أو المَجيد، أو العزيز، وغير ذلك من الصفات،[٨] وفيما يأتي تفصيل وبيان البعض من الأسماء الخاصّة بالقرآن:
- القرآن: وهو مصدرٌ؛ يُقال في اللغة: قرأتُه قراءةً؛ أي تلوتُه تلاوةً، وقد ورد ذِكْر لفظ القرآن بمعنى المصدر في قَوْله -تعالى-: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)،[٩] أمّا القرآن في الاصطلاح الشرعيّ، فهو: كلام الله -تعالى- الذي أنزله على نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- المُتعبَّد بتلاوته، والمُعجِز بآياته، والمُتحدَّى به الإنس والجِنّ.[١٠]
- الكتاب: واللفظ في اللغة مأخوذٌ من: كُتُب، ويُقصَد بذلك: الجَمْع، ثمّ أُطلِق اللفظ على الكتابة؛ لأنّها تجمع الحروف، وسُمِّي القرآن بالكتاب؛ لأنّه جمعَ أنواعاً عديدةً من القَصص، والأحكام، والأخبار، والآيات، وذلك على شكلٍ مخصوصٍ؛ قال -تعالى-: (وَهـذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذي بَينَ يَدَيهِ).[١١][١٢]
- الفُرقان: وسُمِّي القرآن بذلك؛ لأنّه فَرَّق بين الحَقّ والباطل؛ إذ قال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا).[١٣][١٤]
- التنزيل: وهو مصدرٌ يُقصَد به: المُنزَّل؛ وذلك لأنّه نَزَل من عند الله -تعالى- القائل فيه: (وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ).[١٥][١٤]
- المُصحَف: وهي تسميةٌ ظهرت بعد جَمْع القرآن الكريم زمن أبي بكرٍ الصدّيق -رضي الله عنه-، ولم يَرِد أيّ حديثٍ مرفوعٍ إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في تسمية القرآن بالمصحف؛ لأنّه لم يكن مجموعاً في مصحفٍ آنذاك.[١٦]
- الذِّكْر: وذكر الفخر الرازي -رحمه الله- أن تسمية القرآن بالذكر فيه عدّة وجوه؛ أوّلها: لأنّه تضمَّن على العديد من المَواعظ والزواجر، وثانيها: لاشتماله على ما يحتاجه الناس في أمور دنياهم وآخرتهم، أمّا ثالثها: فهو أنّ الذِّكر بمعنى الشرف؛ قال الله -تعالى-: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)؛[١٧] أي أنّ القرآن شَرَفٌ عظيمٌ لك يا محمّد وشرفٌ لقومك.[١٨]
وتجدر الإشارة إلى أنّ الفخر الرازيّ -رَحِمه الله- ذكرَ بعض الأسماء غير المشهورة، والتي يُذكَر منها:[١٩]
- الحديث: إذ قال -تعالى-: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا)،[٢٠] وسُمِّي حديثاً؛ لأنّ وصول القرآن يُعَدّ حديثاً، ولأنّ الله -تعالى- شَبَّه القرآن بما يُتحدَّث به؛ فقد خاطب الله به المُكلَّفين.
- المَوعظة: إذ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ).[٢١]
- الشِّفاء: فقد قال -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).[٢٢]
- الصراط المستقيم: قال -تعالى-: (وَأَنَّ هـذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ)،[٢٣] إذ ذهب ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسيره للصراط المستقيم إلى أنّه القرآن.
- الرحمة: فهو رحمةٌ في التخلُّص من الجَهل والضلال؛ قال -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).[٢٢]
- النُّور: فقد قال -عزّ وجلّ-: (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ).[٢٤]
- الحَقّ: فالقرآن الكريم حَقٌّ، وقد سَمّاه الله -تعالى- (الحقَّ) في كتابه؛ إذ قال: (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ).[٢٥]
- العظيم: قال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).[٢٦]
الحِكمة من تعدُّد أسماء القرآن
تكمُن الحِكمة من تعدُّد أسماء القرآن كما بيّنها الفيروزآبادي في أنّ هذا التعدُّد يدلّ على شَرَف المُسمّى، وكماله في أمرٍ ما؛ فعلى سبيل المثال تدلّ كثرة أسماء الأسد على قوّته الكاملة، وكثرة أسماء القيامة تدلّ على كمال صعوبة ذلك اليوم وشِدّته، وكذلك أسماء الداهية عديدةٌ تدلّ على شِدّتها، ومن ذلك كثرة أسماء الله -تعالى- التي تدلّ على كماله -عزّ وجلّ-، وأسماء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الكثيرة تدلّ على مَرتبته العالية، وسُموّ دَرَجته، وكثرة الأسماء التي سُمِّي بها القرآن تدلّ على شَرَف مكانته، وعظيم فَضْله،[٢٧] ولا شكّ في أنّ القرآن الكريم أعظم وأشرف كتابٍ؛ ولذلك تعدّدت الأوصاف والأسماء التي أُطلِقت عليه، وقد وردت في القرآن نفسه،[٢٨] وهناك العديد من الأسماء والصفات التي وردت في القرآن الكريم من باب تعظيم كلام الله، وتقديسه، وإبقاء ذِكْره مُخلَّداً، وبيان أهمّيته وفَضْله وعَظَمَته على غيره من الكُتُب الأخرى.[٢٩]
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية: 165.
- ↑ مناع القطان (2000)، مباحث في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، صفحة 13. بتصرّف.
- ↑ فهد الرومي (2003)، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشرة)، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ مناهج جامعة المدينة العالمية، أصول الدعوة وطرقها، صفحة 82. بتصرّف.
- ↑ محمد عبدالسلام، عبدالله الشريف، في علوم القرآن دراسات ومحاضرات، بيروت: دار النهضة العربية، صفحة 21. بتصرّف.
- ↑ محمد إسماعيل المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 12، جزء 61. بتصرّف.
- ↑ محمد بن جرير الطبري (2000)، جامع البيان في تأويل القرآن (الطبعة الأولى)، صفحة 205، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مساعد الطيار (1431هـ)، شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن الجوزي، صفحة 61. بتصرّف.
- ↑ سورة القيامة، آية: 17-18.
- ↑ مناهج جامعة المدينة العالمية، أصول الدعوة وطرقها، صفحة 81. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 92.
- ↑ نور الدين عتر (1993)، علوم القرآن الكريم (الطبعة الأولى)، دمشق: مطبعة الصباح، صفحة 13. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 1.
- ^ أ ب وزارة الأوقاف القطرية، التعريف بالإسلام، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ سورة الشعراء، آية: 192.
- ↑ عبدالله الجديع (2001)، المقدمات الأساسية في علوم القرآن (الطبعة الأولى)، بريطانيا: مركز البحوث الإسلامية ليدز، صفحة 12. بتصرّف.
- ↑ سورة الزخرف، آية: 44.
- ↑ فخر الدين الرازي (1420 هـ)، تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 97، جزء 22. بتصرّف.
- ↑ بكر البعداني (23-11-2014)، "أسماء القرآن - جمع العلامة فخر الدين الرازي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-6-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الزمر، آية: 23.
- ↑ سورة يونس، آية: 57.
- ^ أ ب سورة الإسراء، آية: 82.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 153.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 157.
- ↑ سورة الحاقة، آية: 51.
- ↑ سورة الحجر، آية: 87.
- ↑ مجموعة من الباحثين، الموسوعة العقدية- الدرر السنية، صفحة 356، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ عبدالرحيم المغذوي، الدعوة إلى التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلم، صفحة 13. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحيم المغذوي، الدعوة إلى التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلم، صفحة 14. بتصرّف.