عندما يتزوّج الرّجل من امرأة فعليه أن يعلم أنّه يترتب على الزّواج حقوق شرعيّة، وإن خالفها دخل في دائرة الإثم، فلذلك للرجل حقوق على زوجته، كما أنّ للزوجة حقوقاً على زوجها، فإن أهمل الرّجل و قصر في حقّ من حقوق الزّوجة فإنّ عليه أن يصحّح تقصيره و إهماله لزوجته، لأنّه يوم القيامة سيسأل عنها، وفي هذا المقال سنذكر بعضاً من حقوق وواجبات كلا الطرفين.
محتويات
ما حكم إهمال الزوج لزوجته
إنّه من الواجب على كلّ من الزّوجين أن يعاشر كلّ منهما صاحبه بالمعروف، ومن حسن عشرة الزّوج لزوجته أن يهتمّ بها، ويؤنسها، ويسأل عن أحوالها، ويلاطفها، ويقف بجانبها في حال مرضها، وفي حال أهملها فهو مسيء للعشرة، ومن واجب المرأة أن تحاول التفاهم معه، ومعرفة الأسباب التي دفعته إلى ذلك، وتذكيره بقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا؛ فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلَاهُ؛ فإنْ ذهبْتَ تُقِيمُهُ كسرْتَهُ، وإنْ تركتَهُ لمْ يزلْ أعوَجَ؛ فاسْتوصُوا بالنِّساءِ خيرًا "، رواه الألباني، وقوله صلّى الله عليه وسلّم:" خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي "، رواه الترمذي.
وقد جاء في طرح التّثريب في شرح التّقريب:" وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ، وَحُسْنُ مُعَاشَرَتِهَا، إلَّا أَنْ يَسْمَعَ عَنْهَا مَا يَكْرَهُ، فَيُقَلِّلُ مِنْ اللُّطْفِ، لِتَفْطِنَ هِيَ أَنَّ ذَلِكَ لِعَارِضٍ، فَتَسْأَلَ عَنْ سَبَبِهِ فَتُزِيلُهُ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السُّؤَالِ عَنْ الْمَرِيضِ ". (1)
وهناك عدّة أشكال لإهمال الزّوج لزوجته، منها:
إهمال الزوج للجماع
فإنّ من آكد حقوق الزّوجة على الزّوج أن يجامعها بما يعفّها، ويقضي به حاجتها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" يجب على الزّوج أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقّها عليه، أعظم من إطعامها، ومقدار الواجب في ذلك بحسب حاجتها وقدرته على الصّحيح "، وقال أيضاً:" والوطء الواجب قيل إنّه واجب في كلّ أربعة أشهر مرّةً، وقيل: بقدر حاجتها وقدرته، وهذا أصحّ القولين ". (2)
والجماع يعدّ من أهمّ مقاصد النّكاح، وذلك لكونه داعياً من دواعي العفّة والابتعاد عن الرّذيلة، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" يا معشرَ الشبابِ مَنِ اسْتطاع منكمُ الباءةَ فليتزوجْ، فإنَّه أغضُّ للبصرِ، وأحصنُ للفرجِ، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصومِ، فإنّه له وِجاءٌ "، متفق عليه.
وورد في الموسوعة الفقهيّة:" المنصوص عليه في مذهبي الحنفيّة والشّافعية: أنّ الزّوجة لا حقّ لها في الوطء إلا مرّة واحدةً، يستقرّ بها المهر وهذا في القضاء، وأمّا ديانة فلها الحقّ في كلّ أربعة أشهر مرّةً، لأنّ الله تعالى جعلها أجلاً لمن آلى من امرأته. وقال المالكيّة والحنابلة:" إنّ الوطء واجب على الزّوج إذا لم يكن له عذر ". (6)
إهمال الزوج للنفقة
إنّه من الواجب أن ينفق الرّجل على زوجته وعلى أطفاله بالمعروف، فعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" .. ألا وحقهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ "، رواه الترمذي، وبالتالي فإنّ النّفقة الواجبة على الزّوج قد حصرها جمهور العلماء في الملبس، والمسكن، والمطعم، فقد ذكر ابن نجيم الحنفيّ في الكنز الرّائق:" أنّ النّفقة إذا أطلقت، فإنّها تنصرف إلى الطعام، والكسوة، والسّكنى "، وقام بنقل ذلك عن محمّد بن الحسن.
وقال البهوتي في الرّوض المربّع:" وهي كفاية من يمونه خبزاً، وأدماً، وكسوةً، ومسكناً، وتوابعها "، وقد ذكر النّووي في كتاب المنهاج مثل ذلك، وقد ثبت وجوب النّفقة على هذه الثّلاثة الأوجه بالكتاب والسّنة، قال الله تعالى:" أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ "، الطلاق/6، وبالتالي إذا وجب إسكان المطلقة، فإنّ إسكان الزّوجة أولى أن يكون واجباً، حيث أنّ زوجيّتها ما تزال قائمةً، وأمّا المطلقة فلم يبق لها منها إلا أحكامها أو بعضها فقط.
وورد في حديث عن جابر رضي الله عنه، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال في خطبة حجّة الوداع:" اتَّقوا اللهَ في النِّساءِ فإنَّكم أخَذْتُموهنَّ بأمانِ اللهِ، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ اللهِ، ولكم عليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فُرشَكم أحدًا تكرَهونَه، فإنْ فعَلْنَ ذلك فاضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مُبرِّحٍ، ولهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروفِ "، رواه ابن حبّان.
ويرى بعض الفقهاء أنّ النفقة تختلف باختلاف حال الزّوج، إن كان ميسوراً أم لا، وإنّ من أهل العلم من رأى أنّ العبرة تكون بحال الزّوجة فقط، ومنهم من قال أنّها تكون بحال كلا الزّوجين معاً. (3)
حقوق الزوجة على الزوج
إنّ من حقوق الزّوجة الواجبة لها على زوجها، ما يلي: (4)
- أن ينفق عليها زوجها ما يلزمها من طعام، وشراب، وكساء، وسكنى بالمعروف، وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم:" تطعِمُها إذا طعِمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضربِ الوجهَ، ولا تقبِّح، ولا تهجُر إلَّا في البيتِ "، رواه الألباني.
- أن يستمتع بها زوجها، أي يطأها، ولو كان ذلك مرّةً واحدةً في كلّ أربعة أشهر، وذلك في حال العجز، على قدر كفايتها منه، وذلك لقوله تعالى:" لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "، البقرة/226.
- أن يبيت عندها كلّ أربع ليال ليلةً، وقد قضي بهذا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- أن يقسم لها بالعدل إن كان له نساء غيرها، وذلك لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم:" مَنْ كانَتْ لَهُ امْرأَتَانِ يَمِيلُ لإحداهُما عَلَى الأُخْرَى، جاءَ يومَ القيامَةِ يَجُرُّ أحدَ شِقَّيْهِ ساقِطًا أَوْ مائِلًا "، وراه الألباني.
- يستحبّ أن تأخذ إذنه في حال أرادت تمريض أحد من محارمها، أو شهود جنازته، أو القيام بأيّ زيارة لا تضرّ بمصالحه.
حقوق الزوج على الزوجة
يوجد للزوج مجموعة من الحقوق على زوجته، مثل ما أنّ لها حقوقاً عليه، وذلك لقوله تعالى:" وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ "، البقرة/228، ومن أهمّها: (4)
- أن تطيعه زوجته بكلّ أمر هو معروف، ولا يوجد فيه أيّ معصية للخالق، لأنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
- أن تحفظ زوجته ماله، وتصون عرضه في غيابه، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه، وذلك لقوله تعالى:" حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ "، النساء/34، وقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم:" خيرُ النساءِ امرأةٌ إذا نظرتَ إليها سرتْكَ وإذا أمرتَها أطاعتْكَ وإذا غِبتَ عنها حفِظتْكَ في نفسِها ومالِك "، رواه البزار في البحر الزخار المعروف بمسند البزار.
- أن تسافر معه إن شاء ذلك، في حال لم تكن قد اشترطت عليه في العقد عدم سفرها.
- أن تسلم نفسها له متى ما طلب الاستمتاع بها، وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم:" إذا دعا الرجلُ امرأتَهُ إلى فراشِهِ فأَبَتْ، فبات غضبانَ عليها، لعنتها الملائكةُ حتى تُصبحَ "، رواه البخاري.
- أن تستأذنه في حال أرادن أن تصوم إذا كان غير مسافر، وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم:" لا يحلُّ لامرأةٍ أن تصوم وزوجُها شاهدٌ إلا بإذنِه، و لا تأذَنْ في بيتِه إلا بإذنِه، (غيرُ رمضانَ) "، رواه الألباني.
الحقوق المشتركة بين الزوجين
إنّ من أهمّ الحقوق التي يشترك فيها الزّوجان، ما يلي: (5)
- المعاشرة بالمعروف: يرى كلّ من الحنابلة، والمالكيّة، والشّافعية أنّ المعاشرة بالمعروف واجبة على كلا الزّوجين، وأنّه يلزم الطرفين أن يعاشر الآخر بالمعروف من خلال كفّ الأذى، والصّحبة الجميلة، وعدم المماطلة في الحقّ مع القدرة على ذلك، وعدم إظهار الكره لبذله، لأنّ هذا المعروف مأمور به من الله سبحانه وتعالى بقوله:" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ "، النساء/ 19، وقوله سبحانه وتعالى:" وَلَهُنَّ مِثْل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ "، البقرة/228.
قال ابن الجوزي:" مُعَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ بِالتَّلَطُّفِ لِئَلاَّ تَقَعَ النَّفْرَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ إِقَامَةِ هَيْبَةِ الزَّوْجِ لِئَلاَّ تَسْقُطَ حُرْمَتُهُ عِنْدَهَا "، وأمّا الحنفية فأشاروا إلى أنّ هذا الأمر مندوب إليه ومستحبّ.
- استمتاع الزّوجين ببعضهما البعض: يرى الفقهاء أنّه يحلّ لكلّ من الزّوجين أن يستمتع بالآخر، فنصّ الحنابلة والشّافعية على أنّه:" يَحِل لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الاِسْتِمْتَاعُ بِالآْخَرِ، كَمَا يَحِل لَهُ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ صَاحِبِهِ وَكَذَا لَمْسُهُ "، وذلك لحديث النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ "، رواه ابن القيم في تهذيب السّنن.
وأمّا الحنفية فقالوا:" إِنَّ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الأَْصْلِيَّةِ حِل وَطْءِ الزَّوْجِ لِزَوْجِهِ إِلاَّ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالإِْحْرَامِ وَفِي الظِّهَارِ قَبْل التَّكْفِيرِ "، وأضاف الكاساني:" وَمِنَ الأَْحْكَامِ الأَْصْلِيَّةِ لِلنِّكَاحِ الصَّحِيحِ حِل النَّظَرِ وَالْمَسِّ مِنْ رَأْسِهَا - أَيِ الزَّوْجَةِ - إِلَى قَدَمَيْهَا فِي حَال الْحَيَاةِ، لأَِنَّ الْوَطْءَ فَوْقَ النَّظَرِ وَالْمَسِّ فَكَانَ إِحْلاَلُهُ إِحْلاَلاً لِلْمَسِّ وَالنَّظَرِ مِنْ طَرِيقِ الأَْوْلَى ". وأمّا المالكية فقد قالوا في ذلك:" يَحِل لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ النَّظَرُ لِسَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ حَتَّى نَظَرُ الْفَرْجِ، وَيَحِل بِالنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ لِلأُْنْثَى تَمَتَّعٌ بِغَيْرِ وَطْءِ دُبُرٍ ".
- الميراث: وهو من الحقوق المشتركة بين الزّوجين، حيث يرث كلّ منهما الآخر متى توافرت الشّروط، وقد وضّح الله عزّ وجلّ ميراث كلّ من الزّوجين بقوله سبحانه وتعالى:" وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ "، النساء/12.
- حرمة المصاهرة: حيث تحرم الزّوجة على كلّ من آباء الزّوج، وأجداده، وأبنائه، وفروع أبنائه وبناته، وفي المقابل يحرم على الزّوج كلّ من أمّهات الزّوجة، وجدّاتها، وبناتها، وبنات أبنائها وإن نزلن، لأنّهن يعتبرن من بناتها، وكما أنّه يحرم على الزّوج أن يجمع بين الزّوجة وأختها، أو عمّتها، أو خالتها، وتحرم على الزّوج زوجة الأب والجدّ، وكذلك تحرم زوجة الفرع وإن سفل.
- ثبوت نسب الولد: حيث أنّه يثبت نسب الولد من خلال صاحب الفراش في الزّوجية الصّحيحة بعقد نكاح، وذلك متى ما توفّرت سائر شروط ثبوت النّسب.
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 213106/ جفاء الزوج مع زوجته ليس من حسن العشرة/9-7-2013/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/islamweb.net
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 132367/ حكم إهمال الرجل جماع زوجته لفترات طويلة/ 21-2-2010/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/islamweb.net
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 105673/ مذاهب العلماء في نفقة الزوجة/ 13-3-2008/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/islamweb.net
(4) بتصرّف عن كتاب النكاح والطلاق أو الزواج والفراق/ جابر بن موسى الجزائري/ مطابع الرحاب/ الطبعة الثانية.
(5) بتصرّف عن الموسوعة الفقهية الكويتية/ وزراة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت.
(6) بتصرّف عن فتوى رقم139859/ لا يعطيها زوجها حقها في الفراش/6-9-2010/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/islamweb.net
شاركنا برأيك عبر: قضية للنقاش?
هل ترى أن من حق الزوج أن يمنع زوجته من العمل لأنها يجب أن تكرس وقتها لبيتها وزوجها، أخبرنا عن رأيك؟