الأخلاق في الإسلام
الخُلق في اللغة اسمٌ، والجمع منه أخلاقٌ، وهو حالةٌ نفسيّةٌ راسخةٌ في النفس، وبناءً عليها تصدر كلّ الأفعال، سواء كانت خيراً أم شراً، وصدور الأفعال يكون دون تفكيرٍ أو رويّةٍ،[١] والأخلاق في اصطلاح الأخلاقيّين تُعرف بأنّها: عادة الإرادة، وبأنّها ميلٌ من الميول التي تغلب على الإنسان باستمرارٍ حتى تصبح عادةً من عاداته، كما أنّ الخُلق يعرّف بأنّه: قوّةٌ راسخةٌ في النفس، تؤدي إلى اختيار الخير والصلاح إن كانت حميدةً، أو اختيار الشرّ والفساد إن كانت أخلاقٌ ذميمةٌ وسيّئةٌ، أمّا الفضيلة فإنّها تنقسم إلى نوعين؛ وذلك بحسب الدوافع الخاصّة بكلّ نوعٍ منهما؛ فإمّا أن تكون الفضائل إنسانيّةً إن كان الشخص رقيقاً في طبعه، وشريفاً في نفسه، وراغباً في البرّ، ونافراً من الشرّ، والنوع الثاني من الفضائل يطلق عليها الفضائل الربّانية؛ وهي الفضائل القائمة على المشاعر الروحيّة، ابتغاءً لرضا الله تعالى، حيث قال الله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)،[٢] وممّا يميّز الفضائل الإسلاميّة أنّها جامعةٌ للفضائل الإنسانيّة والفضائل الربّانيّة، فالمسلم يحبّ الخير لغيره من الناس، ويكره الشرّ لهم، كما أنّه يسعى ليكون سبباً في تحصيل الخير للناس، ويبعد عنهم أيّ شرٍّ من الشرور، وكلّ ذلك؛ طمعاً في نيل رضا الله تعالى، أمّا الأخلاق الإسلاميّة فهي الاستجابة للفضائل الربانيّة باعتيادٍ، وذلك في التعامل مع المخلوقات التي خلقها الله تعالى.[٣]
الأخلاق الحسنة
أمر الله تعالى عباده بالعديد من العبادات والطاعات التي تقرّب منه، ومن ذلك الأخلاق الحسنة، فهي من أعظم وأجلّ العبادات، وممّا يدل على ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ما شيءٌ أثقَلَ في ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامَةِ من خُلُقٍ حسنٍ)،[٤] فالأخلاق الحسنة من الأسباب التي ترفع درجة العبد عند الله تعالى، وتزيد من حسناته وأجوره، كما أنّها من الأسباب التي تُدخل العبد الجنّة إن تحقّقت التقوى في نفسه، كما أنّ الأخلاق الحسنة من الأسباب التي ترقى بصاحبه إلى الدرجات العالية من الإيمان بالله تعالى، وممّا يدلّ على أهميّة الأخلاق الحسنة أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يدعو بأن يرزقه الله تعالى إيّاها في صلاته، حيث كان يقول: (اللهمَّ اهدِني لأحسنِ الأخلاق، لا يهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرِفْ عني سيِّئَها، لا يصرفُ عني سيِّئَها إلا أنت)،[٥] كما أنّ حسن الخُلق من الأسباب التي ينال العبد بها القرب من منزلة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كما أنّ النبيّ كان يحثّ الصحابة -رضي الله عنهم- على حُسن الخُلق إضافةً إلى التقوى، ويرغّبهم به، حيث ورد عنه أنّه قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (اتَّقِ اللَّهِ حيثُ ما كنتَ، وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ)،[٦] حيث إنّ الحثّ على الأخلاق الكريمة من الأهداف التي أرسل لأجلها النبيّ محمد عليه الصّلاة والسّلام، حيث قال: (إِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صالِحَ الأَخْلاقِ)،[٧] كما أنّ جميع الأنبياء والرسل -عليهم السّلام- اتّصفوا بمكارم الأخلاق وأفضلها.[٨]
أمثلةٌ على الأخلاق الحسنة
حثّت الشريعة الإسلاميّة المسلمين على التحلّي بالعديد من الأخلاق الحسنة والكريمة، وفيما يأتي بيانٌ لبعضٍ منها:
- خُلق الصدق: يعرّف الصدق بأنّه مطابقة الخبر للأحداث الواقعة، ويقابله الكذب، وهو الإخبار بخلاف ما عليه الواقع من الأحداث، ويعدّ الصدق من أعظم وأجلّ الأخلاق الإسلاميّة، وهو من أرفع الأخلاق وأنبلها؛ ولذلك كان من الأخلاق والصفات الملازمة للأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام، أمّا الكذب فيعدّ من صفات المنافقين ومن يشابههم، كما أنّ الله تعالى أمر به في عدّة موضع من القرآن الكريم، ومن ذلك قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)،[٩] وقد نقل الصحابيّ عبد الله بن مسعود عن الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- حثّه على الصدق، حيث قال: (عليكم بالصِّدقِ؛ فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ، وما يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقاً)،[١٠] ومن الجدير بالذكر أنّ للصدق ثلاثة أنواعٍ؛ فإمّا أن يكون الصدق بالقلب، وإمّا بالأفعال، وإمّا بالأقوال، فصدق القلب يتمثّل بموافقة الظاهر للباطن، والصدق بالأفعال يُقصد به صدق العبد في علاقته مع الله تعالى، ومع المخلوقات، وصدق الأقوال يُقصد به مطابقة الأخبار للواقع، وللأفعال الصادرة من الشخص المتحدّث بها.[١١]
- خلق الأمانة: إنّ لخلق الأمانة دورٌ هامٌّ في استقامة أحوال الناس؛ إذ إنّ الأمانة دليلٌ وبرهانٌ على طهارة النفس ونزاهتها، واستقامة الأفعال الصادرة عنها، وممّا يدلّ على أهميّة الأمانة؛ تحذير النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من التهاون فيها أو تضييعها، حيث إنّ تضييع الأمانة يؤدي إلى إضاعة أمر المسلمين، ومن صور الأمانة؛ تفويض الأمور إلى أهلها، ومن الآثار السلبية المترتبة على عدم التخلّق بالأمانة والحرص عليها؛ انتشار الأحقاد والمكائد بين الناس.[١٢]
- خلق الوفاء بالعهود: والوفاء بالعهود يتمثّل في احترام العقود بين الناس، والالتزام بها، وبذلك يحقّق الإنسان كرامته في الحياة الدنيا، وسعادته في الحياة الآخرة، ومن الجدير بالذكر أنّ الوفاء بالعهود من صفات الله عزّ وجلّ؛ حيث ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)،[١٣] كما أنّه من صفات أهل الإيمان والصلاح والخير، ومن الأسباب التي تحقّق القرب من الله تعالى، ومن الصفات التي تميّز أولي الألباب، وهو من صفات الأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام.[١٤]
المراجع
- ↑ "تعريف ومعنى خلق"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية: 110.
- ↑ "الأخلاق في الإسلام"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 5632، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 771، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 1987، حسن.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2349، صحيح.
- ↑ "خطبة قصيرة عن الأخلاق الحسنة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 119.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2607، صحيح.
- ↑ "الصدق والكذب"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-10-2018. بتصرّف.
- ↑ "الخلق المفقود الأمانة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 9.
- ↑ "أيها الناس أوفوا بعهودكم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-10-2018. بتصرّف.