محتويات
فضل اتباع سنة النبي
أمر الله -سبحانه وتعالى- المؤمنين أن يقتدوا برسوله محمد -صلّى الله عليه وسلّم-؛ لِما في ذلك من خير، وسعادة، ونجاة لهم؛ قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)،[١] واتِّباع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- هو أصل من أصول الدِّين المُقرَّرة؛ فلا إيمان للمرء ما لم يتبّع النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ولا ينجو العبد من عذاب الآخرة إلّا إن كان مُتّبِعاً الإسلامَ، وسائراً على هَدي النبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، كما في حديث: (وأَحْسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)،[٢][٣] ومن ثمرات اتِّباع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- نَيل مَحبّة الله -تعالى-، وبِقَدْر اتِّباع سُنّة النبيّ تكون مَحبّة الله -تعالى-؛ فقد قال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).[٤][٥]
سُنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قيام الليل
هَدي النبيّ في عدد ركعات قيام الليل
أورد العلماء عدداً من الأقوال في عدد ركعات قيام الليل التي كان يُصلّيها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ واستدلوا بأحاديث عائشة -رضي الله عنها- في ذلك، ومن هذه الأقوال إنّه كان يُصلّي من الليل إحدى عشرة ركعة لا يزيد عليها؛ سواء في رمضان، أو في غيره، وفي قول آخر إنّه كان يُصلّي ثلاث عشرة ركعة؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: (كَانَتْ صَلَاةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي باللَّيْلِ)،[٦] وقد ضمّ بعض العلماء ركعتَي سُنّة العشاء، أو ركعتَي سنّة الفجر إلى عدد ركعات القيام؛ على اعتبار أنّ أيّ صلاة تُؤدّى بعد صلاة العشاء هي من صلاة القيام، وكان من هَدي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في القيام البدء بركعتَين خفيفتَين؛ قالت عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلَاتَهُ برَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ).[٧][٨]
وتجدر الإشارة إلى أنّ قَصد النبيّ من صلاة ركعتَين خفيفتَين هو فَكّ عُقدة الشيطان التي يعقدها على ناصية ابن آدم وهو نائم؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ)،[٩][٨] ولا يُفهَم من ذلك ضرورة تقيُّد المسلم بهذا العدد إذا أراد أن يُؤدّي صلاة الليل؛ فالأمر في ذلك واسع، وله أن يقتصر على عدد ركعات أقلّ، أو يزيد عن ذلك، وقد وردت الزيادة والنقصان عن الصحابة -رضي الله عنهم-.[١٠]
هَدي النبيّ في كيفيّة قيام الليل
ورد في كيفيّة صلاة قيام الليل التي كان -عليه الصلاة والسلام- يُؤدّيها بها صلاته إيّاها إحدى عشرة ركعة؛ فيُصلّي أربع ركعات طِوال، ثمّ يُصلّي أربع ركعات أخرى، ثمّ يُصلّي ثلاث ركعات وتر؛ وقد يكون معنى ذلك أنّه كان يُصلّي أربع ركعات يُسلّم فيهنّ بعد كلّ ركعتَين، ويفصل قليلاً، ثمّ يُصلّي أربعاً يفعل فيهنّ كما فعل في الأربع التي سبقتها، ثمّ يختمها بثلاث ركعات وتر؛ تبعاً لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)،[١١] أو أنّه كان يُصلّيها أربع ركعات بسلام واحد، ثمّ يُصلّي أربعاُ أخرى بسلام واحد، وبعدها يُصلّي ثلاثاً بسلام واحد؛ استناداً إلى ظاهر اللفظ في الحديث الذي ورد عن عائشة -رضي الله عنها- قولها: (ما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ، وَلَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا)،[١٢][١٣] وكان -عليه الصلاة والسلام- يقوم مُصلِّياً إلى أن تتورَّم قدماه؛ شُكراً لله -تعالى-، ورجاء رحمته،[١٤] كما كان يُطيل القراءة في القيام، ويُطيل التسبيح في الركوع، والسجود.[١٥]
وقد ذهب جمهور العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وفي قول حسن عند الحنفية إلى أنّ سنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في قراءة صلاة الوتر أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة الأعلى، ويقرأ في الركعة الثانية بسورة الكافرون، وفي الثالثة يقرأ بسورة الإخلاص؛ ودليل ذلك ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه-، إذ قال: (كانَ رسولُ اللَّهِ يوترُ بثلاثٍ يقرأُ في الأولى بسبِّحِ اسمَ ربِّكَ الأعلى وفي الثَّانيةِ بقل يا أيُّها الكافرون وفي الثَّالثةِ بقل هوَ اللَّهُ أحدٌ).[١٦][١٧]
هَدي النبيّ في وقت قيام الليل
يبدأ وقت صلاة قيام الليل بعد أداء صلاة العشاء وسُنتّها، إلّا أنّ الأفضل للمسلم أن يتّبع ما أرشده إليه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ بأن تكون صلاة الليل بعد أن يمضي نصف الليل، وتلك هي صفة صلاة داود -عليه السلام-؛ إذ كان يقوم ثُلُث الليل بعد أن ينام نصفه، وبعد القيام ينام السُّدُس الباقي؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَام، كانَ يَرْقُدُ شَطْرَ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَقُومُ، ثُمَّ يَرْقُدُ آخِرَهُ، يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ بَعْدَ شَطْرِهِ)،[١٨][١٩] وقد فُضِّل آخر الليل للصلاة؛ لأنّ الله -سبحانه وتعالى- ينزل في ذلك الوقت إلى السماء الدُّنيا؛ فخير التوفيق أن يُوفَّق المسلم إلى قيام هذه الساعة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (أقرَبُ ما يَكونُ الرَّبُّ منَ العبدِ في جوفِ اللَّيلِ الآخرِ ، فإن استَطعتَ أن تَكونَ مِمَّن يذكرُ اللَّهَ في تلكَ السَّاعةِ فَكُن).[٢٠][٢١]
والمسلم إذا ظنّ أنّه لن يقوم بعد النوم؛ لأداء صلاة الليل، فالأفضل له أن يُوتِر قبل أن ينام، أمّا من غلب على ظَنّه استيقاظه آخر الليل، فالوتر في آخره أفضل، وقد اتَّفق على ذلك الحنفية، والمالكيّة، والشافعية، والحنابلة؛ ودليل ذلك ما قاله -عليه الصلاة والسلام-: (من خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِن آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَن طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فإنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذلكَ أَفْضَلُ).[٢٢][٢٣]
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية: 64.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمرو بن مرة الجهني، الصفحة أو الرقم: 7277، صحيح.
- ↑ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر (2003م)، تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي (الطبعة الأولى)، الكويت: غراس للنشر والتوزيع، صفحة 358-360. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
- ↑ خالد بن عبدالله المصلح، دروس الشيخ خالد المصلح، صفحة 8، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: صحيح، 1138.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 767، صحيح.
- ^ أ ب أحمد فريد، كتاب مجالس رمضان، صفحة 6، جزء 13. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1142، صحيح.
- ↑ "هدي النبي في صلاة الليل مع الوتر من حيث العدد"، www.islamweb.net، 24-4-2002، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 749، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 738، صحيح.
- ↑ محمد بن صالح العثيمين (2006)، فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (الطبعة الأولى)، مصر: المكتبة الإسلامية، صفحة 238، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري، صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، لبنان: دار طوق النجاة، صفحة 135، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ "نموذج من صفة قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل"، www.islamweb.net، 31-12-2003، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1701، صحيح.
- ↑ "القراءةُ في صلاةِ الوترِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1159، صحيح.
- ↑ محمد بن صالح بن محمد العثيمين، فتاوى نور على الدرب، صفحة 2، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمر بن عبسة، الصفحة أو الرقم: 3579، صحيح.
- ↑ د.سعيد بن وهف القحطاني، قيام الليل ، الرباض: مطبعة السفير، صفحة 15-16، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 755، صحيح.
- ↑ "أفضلُ وقتٍ للوتر"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2020. بتصرّف.