الدعاء
يعتبر الدعاء شريعة من الشرائع المهمّة في الإسلام والتي تزيد الصلة بين العبد وخالقه، فهو الرغبة إلى الله عزّ وجلّ واستمداد المعونة منه من خلال إظهار الافتقار إلى الله تعالى واستشعار الخضوع والذلّة، وبناءً على هذا فإنّ الدعاء أقرب ما يكون إلى الله الخالق العظيم وأقوى شعائرالإيمان، وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان يكثر من الدعاء ويلحّ في طلبه حتّى يستجيب له الله عزّ وجلّ، وقد دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم عباد الله المؤمنين أن يقتدوا به وألّا يقنطوا من رحمة الله، بل يزيدوا في الدعاء ويكثروا منه حتّى ينالوا الغاية من دعائهم، وقد ذكر القرآن الكريم الكثير من الأمثلة عن الأنبياء والصحابة والصالحين وما كانوا يدعون به الله في محنهم ونعمهم أي في السراء والضراء، فقد فاضت ألسنتهم بالابتهالات والأدعية الروحية المليئة بالتجارب والقضايا الروحية والقيم الإنسانيّة والدينيّة، وفي هذا إشارة على ضرورة التضرّع لله واللجوء إليه في كافة الحالات لأنّه وحده المستحقّ للتبجيل والتعظيم.
فضل الدعاء
أمر الله عباده المؤمنين باللجوء إليه في جميع الأوقات واستشعار عظمته في كلّ الأمور، فكان الدعاء أحد المظاهر الدالّة على استشعار عظمة الخالق والإيمان بقدرته، وقد بيّن الله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم فضل الدعاء، حيث قال عز وجل في كتابه الكريم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]، وفي هذه الآية دلالة على أنّ الله تعالى أقرب ما يكون إلى عباده في وقت الدعاء، كما أنّه عزّ وجلّ لا يضيع أمل من يلجأ إليه بل يقف بجانبه ويعينه في أشد المحن والشرور، كما ودعا الله عباده أن يخلصوا دعائهم لله وأن يكون دعائهم منطلقاً من قلب خالص النية لله عز وجل.
طريقة الدعاء في السجود
جعل لله الصلاة أحد الشرائع المفروضة على المؤمنين، وقرن بها الكثير من العبادات الأخرى، فكان الدعاء أحد هذه العبادات المشروعة في الصلاة، حيث جعل الله تعالى أفضل محل للدعاء هو عند السجود، فقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: (...إني نُهيتُ أن أقرأَ القرآنَ راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوعُ فعظموا فيه الربَّ عزّ وجلّ وأما السجودُ فاجتهدوا في الدعاءِ فقَمِنٌ أن يستجابَ لكم) [صحيح مسلم]، حيث يكون الساجد أقرب ما يكون إلى الله تعالى في السجود، كما أن فيها تضرعاً لله عزّ وجلّ واستعلائاً لمكانته ومنزلته العالية والعظيمة، فعلى المؤمن الساجد أن يقوم بفعل ما ورد عن النبي فيبدأ سجوده بالأذكار والتسبيح لله قائلاً (سبحان ربي الأعلى) عشر مراتٍ وهو الكمال، ويجوز أن يقولها ثلاث مراتٍ وهو أدنى الكمال، ثم يكثر بعدها من الدعاء بما شاء من أمور الدنيا والآخرة، ومن أفضل الدعاء أن يقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار).
هناك الكثير من الأدلة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم والدالة على فضل الدعاء في السجود حيث قال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء) [صحيح مسلم]، وهنا دليل آخر على أن أفضل الدعاء هو ما كان في السجود، وفيه يدعو المسلم ما شاء وما يشعر أنه بحاجة ملحّة إليه لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (ثُمَّ يتخيَّرُ منَ الدعاءِ أعجبَهُ إليْهِ ، فيدعو بِهِ) [صحيح الجامع].