لن نفترق
هبت تغمغم سوف نفترق
- روح على شفتيك تخترق
صوت كأن ضرام صاعقة
- ينداح فيه ... وقلبي الأفق
ضاق الفضاء وغام في بصري
- ضوء النجوم وحطم الألق
فعلى جفوني الشاحبات وفي
- دمعي شظايا منه أو مزق
فيم الفراق أليس يجمعنا
- حب نظل عليه نعتنق
حب ترقرق في الوعود سنا
- منه ورف على الخطى عبق
أختاه صمتك ملؤه الريب
- فيما الفراق أما له سبب
الحزن في عينيك مرتجف
- واليأس في شفتيك يضطرب
ويداك باردتان مثل غدي
- وعلى جبينك خاطر شجب
ما زال سرك لا تجنحه
- آه مأججة ولا يثب
حتى ضجرت به وأسأمه
- طول الثواء وآده التعب
إني أخاف عليك وأختلجت
- شفة إلى القبلات تلتهب
ثم إنثنيت مهيضة الجلد
- تتنهدين وتعصرين يدي
وترددين وأنت ذاهلة
- إني أخاف عليك حزن غد
فتكاد نتتثرالنجوم أسى
- في جوهن كذائب البرد
لا تتركي لا تتركي لغدي
- تعكير يومي ما يكون غدي
وإذا ابتسمت اليوم من فرح
- فلتعبسن ملامح الأبد
ما كان عمري قبل موعدنا
- إلا السنين تدب في جسد
أختاه لذّ على الهوى ألمي
- فاستمتعي بهواك وابتسمي
هاتي اللهيب فلست أرهبه
- ما كان حبك أول الحمم
ما زلت محترقا تلقفني
- نار من الأوهام كالظلم
سوداء لا نور يضيء بها
- جذلان يرقص عاري الفدم
هاتي لهيبك إن فيه سناً
- يهدي خطاي ولو إلى العدم
شوقي يقول وما درى بمصيبتي
شوقي يقول وما درى بمصيبتي
- قم للمعلم وفّه التبجيلا
اقعد فديتك هل يكون مبجلاً
- من كان للنشء الصغار خليلا
ويكاد يقلقني الأمير بقوله
- كاد المعلم أن يكون رسولا
لو جرّب التعليم شوقي ساعة
- لقضى الحياة شقاوة وخمولا
حسب المعلم غمَّة وكآبة
- مرآى الدفاتر بكرة وأصيلا
مئة على مئة إذا هي صلِّحت
- وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو أنّ في التصليح نفعاً يرتجى
- وأبيك لم أكُ بالعيون بخيلا
لكنْ أصلّح غلطةً نحويةً
- مثلاً واتخذ الكتاب دليلا
مستشهداً بالغرّ من آياته
- أو بالحديث مفصلاً تفصيلا
وأغوص في الشعر القديم فأنتقي
- ما ليس ملتبساً ولا مبذولا
وأكاد أبعث سيبويه من البلى
- وذويه من أهل القرون الأُولى
فأرى حماراً بعد ذلك كلّه
- رفَعَ المضاف إليه والمفعولا
لا تعجبوا إن صحتُ يوماً صيحة
- ووقعت ما بين البنوك قتيلا
يا من يريد الانتحار وجدته
- إنَّ المعلم لا يعيش طويلا
لوعة
خــطُ أخـتـي لــم أكــن أجـهـله
- إن أخــتـي دائــمـاً تـكـتب لــي
حـدثتني أمـس عن أهلي وعن
- مـضـض الـشـوق وبُـعـد الـمنزل
مـا عـساها الـيـوم لــي قـائـلة؟
- أيُّ شــيءٍ يــا تــرى لــم تـقـلِ
وفضضت الطرس.. لم أعثر على
- غــيـر ســطـرٍ واحـــدٍ .. مـخـتـزلِ
وتــهــجـيـت بــجــهــدٍ بــعــضـه
- إن أخــتـي كـتـبـت فــي عـجـل
فـيـه شـيءٌ... عـن عـليٍ مـبهمٌ
- ربــمــا بــعــد قــلـيـل يـنـجـلـي
وتــوقـفـتُ.. ولـــم أتـمـمْ.. وبـي
- رعــشــاتُ الــخـائـف الـمـبـتهل
وتــــرآءى لـــي عــلـيٌّ كـاسـيـاً
- مـن خـيوط الـفجر أسـنى حُـلَلِ
مَـــرِحَ الـلـفـتةِ مـزهـو الـخـطى
- سـلـس اللهجــة حـلـو الـخـجل
تـسـأل الـبـسمةُ فـي مـرشفه
- عــن مـواعـيد انـسـكاب الـقُـبَلِ
طـلـعـةٌ اسـتـقـبل الـدنـيـا بــهـا
- نــاعــم الــبـال بـعـيـد الـمـأمـل
كــم أتــى يـشـرح لـي أحـلامه
- وأمــانـيـه عــلــى الـمـسـتـقبل
قـــال لـــي فـــي كـبـريـاء إنـــه
- يــعـرف الـــدرب لـعـيش أفـضـل
إنــــه يــكــره أغــلالــي الــتـي
- أوهـنت عـزمي وأدمـت أرجـلي
ســوف يـعـطي فـي غـدٍ قـريته
- خــبـرة الـعـلـم وجــهـد الـعـمل
وسـيـبـنـي بـيـتـه فـــي غــايـةٍ
- تـتـرامـى فــوق سـفـح الـجـبل
وســأعــتـز بـــــه فــــي غــــده
- وأراه مــــــثــــــلاً لــــلــــرجـــل
عــدت لـلطرس الـذي لـيس بـه
- غـيـر سـطـرٍ.. واحــدٍ.. مـختزلِ
وتــجــالـدت.. لــعــلـي واجــــد
- فــيـه مـــا يـبـعد عـنـي وجـلـي
وإذا أقـــفـــل مــعــنـاه عـــلــى
- وهـمـي الـضـارع.. كــل الـسبل
غــرقـت عـيـنـاي فـــي أحـرفـه
- وتــهـاوى مِــزقـاً عـــن أنـمـلـي
قـلـبُ أخـتـي..لـم أكـن أجـهله
- إن أخـتـي دائـمـاً تـحـسن لــي
مــا لـهـا تـنـحرني نـحـراً عـلـى
- قـولها..مـات ابـنها.. مـات علي
أيها الليل
أيُّها الليلُ يا أبا البؤسِ والهَوْ
- لِ يا هيكلَ الحَياةِ الرهيبِ
فيكَ تَجْثو عرائسُ الأمَلِ العذْ
- بِ تصلِّي بِصَوتهِ المحبوبِ
فَيُثيرُ النَّشيدُ ذكرى حياةٍ
- حَجَبَتها غُيومُ دَهْرٍ كئيبِ
وتَرُفُّ الشُّجونُ من حول قلبي
- بسُكونٍ وَهَيْبَةٍ وقُطوبُ
أَنْتَ يا ليلُ أَنْتَ ذرّةٌ صَعَدَتْ لل
- كون من مَوطئ الجحيمِ الغَضوبِ
أَيُّها الليلُ أَنت نَغْمٌ شَجيٌّ
- في شفاه الدُّهورِ بَيْنَ النَّحيبِ
إنَّ أُنشودة السُّكونِ التي ترتج
- في صَدرِكَ الرَّكودِ الرَّحيب
تُسْمِعُ النَّفْسَ في هدوء الأماني
- رَنّةَ الحَقِّ والجمال الخَلوبِ
فَتَصوغ القلوبُ منها أغاريداً
- تهزُّ الحياةَ هزَّ الخُطوبِ
تتلوّى الحياةُ من ألَم البؤْ
- س فتبكي بِلَوْعَةٍ ونَحيبِ
وعلى مَسْمَعيكَ تَنْهلُّ نوحاً
- وعويلاً مرًا شجونُ القُلوبِ
فأرى بُرقعاً شفيفاً من الأو
- جاعِ يُلقي عليكَ شجوَ الكَئيبِ
وأرى في السُّكونِ أجنحة الجبَ
- ار مُخْضَلّةً بِدَمعٍ حبيبِ
فَلَكَ الله من فؤادٍ رَحيمٍ
- ولكَ الله من فؤادٍ كئيبِ
يَهْجَعُ الكَونُ في طمأنينةِ العُصْ
- فورِ طِفْلاً بِصَدرِكَ الغِرِّيبِ
وبأحْضانكَ الرَّحيمةِ يستيقظُ في
- نضرة الضَّحوكِ الطَّروبِ
شادياً كالطُّيوبِ بالأملِ العَذْ
- بِ جميلاً كَبَهجةِ الشُّؤْبوبِ
يا ظلامَ الحياةِ يا رَوْعة الحُزْ
- نِ ويا مِعْزَفَ التَّعيسِ الغَريبِ
وبقيثارةِ السَّكينةِ في ك
- فَّيْكَ تَنْهَلُّ رَنَّةُ المَكْروبِ
فيكَ تنمو زَنابقُ الحُلُمِ العذْ
- بِ وتَذوي لَدى لَهيبِ الخُطوبِ
خَلْفَ أعماقكَ الكئيبةِ تَنْسا
- بُ ظِلالُ الدُّهورِ ذاتَ قُطوبِ
وبِفَوْديكَ في ضَفائِرِكَ
- السُّود تَدبُّ الأيَّامُ أيَ دَبيبِ
صاحِ إنَّ الحياةَ أنشودةُ الحُزْ
- نِ فَرَتِّلْ على الحياةِ نَحيبي
إنّ كأسَ الحياةِ مُتْرَعةٌ بالدَّ
- مْعِ فاسكُبْ على الصَّباحِ حَبيبي
إنّ وادي الظَّلامِ يَطْفَحُ بالهَوْ
- لِ فما أبعَدَ ابتسامَ القُلوبِ
لا يَغُرَّنَّكَ ابتسامُ بَني الأرْ
- ضِ فَخَلْفَ الشُّعاعِ لَذْعُ اللَّهيبِ
أَنْتَ تدري أنَّ الحياةَ قُطو
- بٌ وخُطوبٌ فما حياةُ القُطوبِ
إنَّ في غيبةِ الدُّهورِ تِباعاً
- لِخَطيبٍ يَمُرُّ إثرَ خَطيبِ
سَدَّدَتْ في سكينة الكون للأعما
- قِ نفسي لَحْظاً بعيدَ الرُّسوبِ
نَظْرةٌ مَزَّقَتْ شِعاف اللَّيالي
- فَرأتْ مُهْجَةَ الظَّلامِ الهَيوبِ
ورأتْ في صميمَها لَوعَةَ الحُز
- نِ وأصغَتْ إلى صُراخِ القُلوبِ
لا تُحاوِلْ أنْ تنكرَ الشَّجْوَ إنّي
- إني قَدْ كَرِهْتُ فيها نصيبي
كُنْ كَما شاءتِ السَّماءُ كَثيباً
- أيُّ شيءٍ يَسُرُّ نفسَ الأريبِ
أنُفوسُ تموتُ شاخِصةً بالهو
- لِ في ظُلمةِ القُنوط العَصيبِ
أمْ قُلوبٌ مُحِطَّاتٌ على سا
- حلِ لُجِّ الأسى بِمَوجِ الخُطوبِ
إنَّما النّاسُ في الحياةِ طيورُ
- قَدْ رَماها القَضا بِوادٍ رَهيبِ
يَعْصُفُ الهولُ في جوانبه السو
- دِ فَيَقْضي على صَدى العَندَليبِ
قَدْ سألتُ الحياةَ عن نغمةِ الفَج
- رِ وعن وَجْمة المساء القَطوبِ
فَسمِعْتُ الحياة في هيكل الأحزا
- نِ تشدو بِلَحْنِها المحبوبِ
ما سُكوتُ السَّماءِ إلاَّ وُجومٌ
- ما نشيدُ الصَّباحِ غيرُ نحيبِ
ليسَ في الدَّهرِ طائرٌ يتغنّى
- في ضِفافِ الحياةِ غَيرَ كَئيبِ
خَضَّبَ الاكتئابُ أجنحَة الأيّا
- مِ بالدَّمعِ والدَّم المَسْكوبِ
وعَجيبٌ أن يفرح الناسُ في كَه
- فِ اللَّيالي بِحُزنِها المَشبوبِ
المراجع
- ↑ بدر شاكر السياب، "لن نفترق"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-7.
- ↑ إبراهيم طوقان، "شوقي يقول وما درى بمصيبتي"، www.poetsgate.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-7.
- ↑ عمر أبو ريشة، ديوان أبو ريشة ، بيروت: دار العودة، صفحة 393-398.
- ↑ أحمد حسن بسج (2005م)، ديوان أبي القاسم الشابي (الطبعة الرابعة)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 29-31.