محتويات
حبّ الله تعالى لعباده
إنَّ من صفات الله -تعالى- الثابتة، والتي أثبتها العلماء (المحبّة)؛ فالله -تعالى- يحبُّ عباده محبّةً تليق بجلاله -جلّ وعلا-؛ ولذلك فقد كان من أسماء الله الحسنى اسمه (الودود) سبحانه؛ فهو يودُّ عباده المؤمنين، ويودّونه، ويُحبّهم، ويُحبّونه، وقال ابن تيميّة -رحمه الله-: (هو سبحانه يحبُّ عباده المؤمنين محبّة حقيقيّة)؛ حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)،[١] فالله -تعالى- يُحبّ عباده، ويُحبّ إقبالهم عليه، وطاعتهم له. ومن الجدير بالذكر أنَّ هناك آثاراً، ودلائل على حُبّ العبد لله -سبحانه، كبَذل الوُسع، والطاقة؛ لنيل رضاه، وتجنُّب عصيانه، كما أنَّ هناك دلائل لمحبة الله -تعالى- لعبده، منها: أن يُيسِّر له فعل الخيرات، والطاعات، وأن يُبارك له فيها، ويَبسُطَ له في الأجر، والثواب، وأن يعصمَه عن الحرام، والزلّات أيضاً؛ فلا يأتي ما يُغضبه سبحانه؛ وذلك لرفع درجاته، وتحقيق فوزه يوم القيامة.[٢]
استمرار الأعمال الصالحة إلى يوم القيامة
إنَّ أعمال الإنسان الصالحة يستمرّ أجرها إلى يوم القيامة، وهذا من فضل الله، ورحمته بعباده؛ وبذلك تتضاعف الحسنات، والأجور، وتُغفر السيّئات، وتقلّ، وذلك ببركة أعمال قد فعلها الإنسان في حياته، وتَرك أثرها بعد وفاته، وحريٌّ بمن أدرك من المسلمين هذا الكلام، أن يتعلّمه، ويعمل به؛ ليكون من أعظم الناس أجوراً، وأعلاهم درجات يوم القيامة، وقد وردت أحاديث عن الرسول -صلّى الله عليه وسلم- في الأعمال الصالحة التي تستمرّ أجورها إلى يوم القيامة، فقد قال -عليه السلام-: (إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم يُنتفعُ به، أو ولد صالح يدعو له)،[٣] ففي الحديث الشريف ذِكرٌ لبعض الأعمال التي يستطيع المُسلم أن يتحيَّنها في حياته، ويجتهد عليها، حتى إذا مات استمرّت حسناته بالزيادة بفضلها، وفيما يلي تفصيلٌ لكلّ واحدٍ من هذه الأعمال:[٤]
الصدقة الجارية
تُعرَّف الصدقة الجارية بأنَّها: الوَقْف، فإذا أوقف الإنسان عين ماء مثلاً، فتلك صدقة جارية، علماً بأنَّها لا تُباع، ولا تُشترى من بعده، ولا تُوهَب أيضاً، ويأخذ صاحبها أجر من انتفع بها حتى بعد وفاته، مثل: المشاركة في بناء مسجد، أمَّا المشاركة في إطعام أُسرة فقيرة فهي صدقة ينتفع بها الميِّت، ولكنَّها لا تُعَدُّ صدقة جارية،[٥] وفي العموم فإنَّ من الأعمال التي تدخل في الصدقات، وينتفع بها الإنسان بعد موته ما يلي:[٦]
- طباعة المُصحف، وتوزيعه على الناس، وكذلك طباعة كُتب السُّنة الصحيحة، كالبخاري، ومسلم، وطباعة الأشرطة الإسلاميّة، وتوزيعها، وكلّ وسيلة علميّة ينتفعُ الناس بها؛ فيكون أجر من انتفع بها في ميزان حسنات من أوصل هذا الخير إليه.
- بناء المساجد، والمعاهد العلميّة، ومراكز العلوم الشرعيّة، أو تحفيظ القرآن، فكلّ ذلك عملٌ صالح يُؤجَر المرء عليه حتى بعد وفاته.
- بناء البيوت، وجعلها وَقْفاً للمساكين، والفقراء.
- حفر الآبار؛ لينتفعَ منها العباد.
- زراعة الأشجار المُثمِرة؛ ففي الحديث الصحيح: (ما من مسلِمٍ يغرسُ غرسًا، أو يزرعُ زرعًا فيأْكُلُ منْهُ طيرٌ، أو إنسانٌ، أو بَهيمةٌ إلَّا كانَ لَهُ بِهِ صدقةٌ).[٧]
ولقد زاد على ذلك بعض العلماء بقولهم: إنَّ كلّ من أصلح طريقاً للناس، أو أماط ما كان يتأذّى منه الناس، فذلك عمل يُؤجَر عليه المرء بعد وفاته، ولقد ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في إجمال تلك الأعمال، وفضلها قوله: (إنَّ ممَّا يلحقُ المُؤْمِنَ من عملِهِ وحسَناتِهِ بعدَ موتِهِ: عِلمًا علَّمَهُ ونشرَهُ، وولدًا صالحًا ترَكَهُ، أوَ مُصحفًا ورَّثَهُ، أو مسجدًا بَناهُ، أو بيتًا لابنِ السَّبيلِ بَناهُ، أو نَهْرًا أجراهُ، أو صدقةً أخرجَها من مالِهِ في صحَّتِهِ وحياتِهِ، تلحقُهُ من بعدِ مَوتِهِ).[٨][٦]
العلم النافع
إنَّ العلم المُراد بقول النبيّ -عليه السلام- هو العلم الشرعيّ، فإذا حرص المُسلم على أن يتفقَّه في دينه، ثمّ يترك أثراً له من بعده، فإنّ ذلك قد يكون سبباً في استمرار أعماله الصالحة، وزيادة حسناته بعد مماته، ومن الجدير بالذكر أنَّ أعظم من ترك علماً نافعاً ينتفع به الناس هو النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، مُعلِّم البشريّة الدِّين، والإيمان، وأعظم من بعده هم أوّل الناس إيماناً به، وأقربهم إليه، وهي زوجته خديجة -رضي الله عنها-، ومن كان معهما يحمل الدين، وينشره؛ رغبة في الأجر من الله تعالى، وفضل أولئك الأوّلين؛ لأنَّهم فقهوا دينهم، وعملوا فيه، فسنُّوا السُّنن الحسنة التي تقرِّبُهم من الله تعالى، فتبعهم مَن بعدهم، وقد قال النبيّ -عليه السلام- في ذلك: (من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً، فله أجرُها، وأجرُ مَن عمل بها بعدَه. من غير أن ينقص من أجورِهم شيء)،[٩] ومثال ذلك: تعليم الأولاد قراءة القرآن الكريم، والصلاة، والعيش على التوحيد، والأخلاق الحسنة، ومن يفعل ذلك يكون قد علّم علماً نافعاً يُنتفَع به من بعده بإذن الله سبحانه.[١٠]
الولد الصالح
يُعَدُّ الإنسان سبباً في وجود ولده، فإذا اجتهد المرء على تربية أبنائه؛ كان ذلك سبباً في عودة الفضل إليه بعد وفاته؛ فإنَّ الابن إذا دعا لوالديه، أو استغفر لهما، وصل لهما الأجر، والبركة بإذن الله تعالى، قال المناويّ رحمه الله: (دلَّ به على أنَّ الاستغفار يمحو الذنوب، ويَرفع الدرجات، وأنَّ استغفار الفرع لأصله بعد موته، كاستغفاره هو لنفسه؛ فإنَّ ولد الرجل من كسبه؛ فعمله كأنه عمله)، ولقد ورد في حديث بسند جيّد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّ الوالدين يريان أثر دعاء ابنهما لهما، وهما في قبرَيهما، وفي ذلك تشجيعٌ للمُسلم على مداومة الاستغفار، والدعاء لوالديه لعلّ الله -تعالى- يغفر لهما، ويرفع درجتيهما ببركة دعائه لهما.[٦][١٠]
المراجع
- ↑ سورة المائدة، آية: 54.
- ↑ "محبة الله جل جلاله لعبده: أسبابها وآثارها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-9. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1631 ، صحيح.
- ↑ "حديث: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة" "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-9. بتصرّف.
- ↑ "الصدقة الجارية.. تعريفها.. وأنواعها"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-9. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "أجور مستمرة"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-10. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2320 ، صحيح.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1/94، إسناده حسن.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جرير بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1017 ، صحيح.
- ^ أ ب "شرح حديث: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-9. بتصرّف.