كيف يرد يمين الطلاق

كتابة - آخر تحديث: ١٧:٣٢ ، ١٩ فبراير ٢٠١٧
كيف يرد يمين الطلاق

الطلاق

جعل الله عزَّ وجلَّ الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة، ويُعزى ذلك إلى أنّ طبيعة الرجل عقلانيّة بعكس المرأة التي تَميل إلى طبعها العاطفيّ في الغالب؛ فالزوج بطبعه أقدر على تحكيم العقل في مثل تلك المواقف؛ حيث يُمكن له أن يُمسك نفسه عن الطلاق في حالاتٍ مُعيَّنة، وهذا من حِكمة الله عزَّ وجل لضمان استمرار الأسرة، فلا ينهار البيت عند أوّل حادثةٍ تقع بين الزوجين؛ بل يبقى مُتماسكاً صلباً.


قد تَحتاج بعض حالات الخلافات التي تحصل بين الزوجين إلى حلٍّ جذري فيكون الطلاق علاجاً لا مشكلة، وربّما يتلفّظ الزوج أحياناً بألفاظٍ تُشير إلى الطلاق بشكل صريح، وربما تلفّظ بكلمات تُشير إلى الطلاق، ولا تدلّ عليها قطعاً، وهي الألفاظ الكنائية، وتحتاج مثل تلك الألفاظ إلى توضيح وتفسير من الزوج لبيان نيّته وقصده من تلك الألفاظ وإرادته الطلاق من عدمها. في هذا المقال ستورد بعض صيغ وألفاظ الطلاق وكيفية ورودها، مع بيان الألفاظ الكنائية التي يقع بها الطلاق، والألفاظ التي لا يقع بها.


معنى الطلاق

معنى الطّلاق لغةً: التّسريح، ومن ذلك قيل: أَطْلَقْتُ النَّاقة أطلقها إطلاقاً: أي سَرَّحْتُها،[١]والطّلاق اصطلاحاً يعني: رَفعُ القَيد الثَّابت شَرعاً بالنّكاح.[٢] أو أنه كما قال بعض العلماء يعني: رفع قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص أو ما يقوم مَقامه من ألفاظ.


أحكام الطلاق

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الأصل في الطلاق الإباحة، وذهب آخرون إلى أنّ الأصل فيه الحظر والمنع، وقد يَخرج عن كلا الحكمين ويأخذ أحد الأحكام التكليفيّة الأخرى وذلك حسب وقت الطلاق وسبب إيقاعه؛ [٣] فيكون الطّلاق مُباحاً إذا كان الزوجان بحاجة إلى الخلاص مثلاً،[٤] وقد يصبح مَندوباً إليه في حال تَفريط المرأة في حُقوق الله الواجبة عليها وعدم اهتمامها بما يجب عليها مع عجز الزّوج عن إجبارِها، وأمّا الواجب فهو طلاق الحكمين في حالة التّفريق للشّقاق والنّزاع؛ لأنّ حُكمها يقع طلاقاً ويجب الأخذ به إن صدَّقه القاضي، ويكون مكروهاً إذا وقع من غير سببٍ مُعتبرٍ شرعاً أو حاجة إليه حقيقية، ويكون مَحظوراً إذا كان الطلّاق بدعياً، والذي يكون خلال حيض الزوجة، وهذا مَنعته الشّريعة الإسلاميّة مراعاةً للوضع الصحيّ والنفسيّ للزّوجة في تلك المرحلة.[٥]


كيف يَرِد يمين الطلاق

قسّم الفقهاء الطلاق باعتبار لفظه أو باعتبار وروده إلى قسمين هما:


الطّلاق الصّريح

يُراد بالطلاق الصريح كل ما اشتقّ من مادة طَلَقَ، كأن يقول الرجل لزوجته: أنت طالق، أو أنت مُطَلَّقة، أو أنت مِطْلاق، أو أنت الطَّلاق، وقد ذكر ذلك فقهاء الحنفيّة في كتبهم ومراجعهم وفتاواهم المعتمدة،[٦] كما ذهب إلى ذلك أيضاً علماء المالكية؛[٧] فهذا التعريف للطلاق الصريح إنّما جاء باعتبار اللفظ الصادر من الزوج، وقد ذكر الفُقهاء أيضاً تعريفاً آخر للطلاق الصريح وهو ما ثبت حُكمه الشرعيّ بلا نية، أي إنّه لا ينُظر إلى نيّة الزوج عند تلفّظه بلفظ الطلاق، ولا يوجد فرق حقيقي بين التعريفين بل إن كلّأً منهما يُعدّ مكمّلاً للآخر ومتمّماً له فالتعريف الأول قد اعتُبر لوقوع الطلاق اللفظ الصادر من الزوج وجعله أساساً لإثبات الطلاق، بينما التعريف الثاني اعتبر ذلك بالنظر إلى الأثر الناتج عن تلفّظ الزوج بالطلاق.


ذهب فقهاء وعلماء الشّافعية وفقهاء الحنابلة وعلماؤهم إلى أنَّ ألفاظ الطّلاق الصّريح ثلاثة ألفاظ فقط، وهي ما اشتُقّ من كلمات: الطّلاق، والفراق، والسّراح ، كأن يقول الزوج لزوجته: (أنت طالق أو سرّحتك أو فارقتك)،[٨][٥] ودليل ما ذهب إليه أصحاب هذا الفريق أنَّ القرآن الكريم قد استخدَم هذه الألفاظ الثلاثة فقط ولم يَستخدم غيرها في إيقاع الطلاق، وذلك في قول الله عزَّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا*فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا).[٩] وقول الله عزَّ وجلّ: ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[١٠] فالآيتان الكريمتان ذكرتا الألفاظ الثلاثة التي تُعبّر عن الطلاق صراحةً والتي يرى الفريق الثاني أنّها محصورة بها فقط، وعليه فإنَّ الطلاق يقع بهذه الالفاظ عندهم ولا يقع بغيرها، إن لم ينوِ الزوج إيقاع الطلاق.


الطّلاق الكنائي

يُقصد به ما كان يَحتمل وقوع الطّلاق ويحتمل غيره من الألفاظ، غير أنّ الزّوج عند تلفّظه به ذهبت نيته لإيقاع الطّلاق؛ كأن يقول الزوج لزوجته: (حبلك على غاربه، أو الحقي بأهلك)، أو أن يقول لها: (أنت حلّ للأزواج)، إلى غير ذلك من الألفاظ التي تختلف باختلاف الأعراف والعادات والمناطق، ويُنظر هنا بالدرجة الأولى إلى نيّة الزوج وقصده هل أراد إيقاع الطّلاق أم أن المقصود من اللفظ الصادر من الزوج التهديد أو التوبيخ أو الطرد لحالة الخلاف التي مرّا بها دون الطلاق،[١١] وهذه النيّة لا يَكشِف عنها إلا الزّوج نفسه بالإقرار فإن أقرّ أنه نوى إيقاع الطلاق وقع عليه وحسبت طلقة، وإلا فإنّه يُعدّ لغواً وليس عليه شيء إلا إن كان قد حلف بشيء فيدفع كفارةً عن يمينه.


المراجع

  1. محمد بن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الأولى)، بيروت: دار صادر، صفحة 479، جزء 2.
  2. إبراهيم الحلبي الحنفي (1998)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلميّة، صفحة 3، جزء 1.
  3. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 8، جزء 29. بتصرّف.
  4. زين الدين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، صفحة 254، جزء 3.
  5. ^ أ ب موفق الدين بن قدامة (1984)، المغني (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر، صفحة 294، جزء 7.
  6. محمود العيني (2000)، البناية شرح الهداية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 306 - 309، جزء 5.
  7. محمد بن رشد (2004)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، القاهرة: دار الحديث، صفحة 95، جزء 3.
  8. محمد الشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، بيروت: دار الفكر، صفحة 438، جزء 2.
  9. سورة الطلاق، آية: 1-2.
  10. سورة البقرة، آية: 229.
  11. ملا علي، درر الحكام شرح غرر الأحكام، القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، صفحة 368، جزء 1.
1,646 مشاهدة