محتويات
عمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب صاحب اللقب الذي دوّى صداه في جميع البقاع والأرجاء من حول العالم، فقد كان الفاروق وما زال أحد أعظم الشخصيات في التاريخ الإنساني على وجه العموم، والتاريخ الإسلامي على وجه الخصوص، فقد رأى العالم شجاعةً كبيرةً وعدالةً وثباتاً على الحقّ سواءً في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، أو حتى في زمن خلافته رضي الله عنه.
قبل الإسلام
لقد كان عمر قبل الإسلام أحد المشهورين في قريشٍ والعرب بقوة بأسه وغلاظته، فهو من الأشخاص الذين لم يكونوا يخافون شيئاً بينما يخافهم الجميع من غضبهم ومن بأسهم الشديد، وقد كانت صفات عمر الجسميّة تساعده في ذلك فقد كان طويلاً عريض المنكبين، وذا قوةٍ جسميةٍ عالية، وعند الجهر بالدعوة الإسلامية كانت حرب عمر للإسلام حرباً ضروساً، إذ يقول بعض المؤرّخين والكتاب أنّ أذاه للمسلمين كان يكاد يعدل أذى قريشٍ بأكملها، وأنّ دفاعه عن الإسلام بعد إسلام كاد يعدل دفاع المسلمين جميعاً.
إسلام عمر بن الخطاب
إنّ قصة إسلام عمر بن الخطاب هي إحدى القصص التي تُروى للأطفال من صغرهم، فهي قصة أحد الشجعان الذين شكّلوا مرحلةً فارقةً في الدعوة الإسلامية، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخفي خلف قوّته وبأسه الشديد رحمةً كبيرةً في قلبه، وهذه تعدّ إحدى صفات القوة الحقيقية التي يجب على الناس جميعاً التحلي بها، فلو كانت القوة من دون الرحمة لأصبح الإنسان طاغيةً، وأمّا عندما تجتمع القوة والغلظة مع الرحمة يكون الإنسان عظيماً.
وقد كانت رحمة عمر بن الخطاب ورقة قلبه التي أخفاها سبباً في إسلامه، فتقول أمّ عبد الله زوجة عامر بن ربيعة أنّه وبينما كانت تعدّ نفسها للهجرة للحبشة مرّ بها عمر بن الخطاب، فلما رأى حالهم رقّ قلبه لهم فقال لها: صحبكم الله ورأت الحزن في عينيه أيضاً، وكان هذا بالرغم من كلّ الأذى الذي لقيه منه المسلمون قبل إسلامه، ولهذا طمعت أمّ عبد الله بإسلامه لما وجدته من الرقة في قلبه، وكذلك طمع عليه الصلاة والسلام في إسلامه فيما رأيناه من دعائه حينما قال: (اللهم أعزّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمر بن الخطاب، فكان أحبهما إلى الله عمر بن الخطاب)
وأمّا إسلامه فقد كان بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيومين، بعد أن أهان أبا جهلٍ إهانةً كبيرةً في مكة، حيث كان الأول خال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسنّ عمر سيفه وخرج يبحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتله، وحينها رأى نُعيم بن عبد الله والذي كان ممّن يخفون إسلامهم، فعندما علم أنّ عمر يتجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليقتله، خاف نُعيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفزع من عمر فحوّل اتجاه عمر إلى بيت أخته وزوجها حين كشف له عن إسلامهما، وكانت هدايته في ذلك البيت حينما رأى دفاع أخته وزوجها سعيد بن زيد عن الإسلام، وقرأ الصحيفة التي كانوا يتدارسون فيها مع خباب بن الأرت، والتي كانت فيها آياتٌ من سورة طه.
وبعد إسلامه دلّه خباب بن الأرت على دار الأرقم بن أبي الأرقم، والذي كان فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فذهب إليهم عمر في هذه المرة وقلبه عامرٌ بالإيمان، وعندما وصل عمر وعرف الجميع أنّه على الباب فزعوا بالرغم من أنّه كان هنالك أربعون صحابياً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم حينها، فلم يتقدّم منهم إلّا حمزة بن عبد المطلب، والذي كان معروفاً بقوته وبأسه الشديد أيضاً يدافع عنهم بالرغم من أنّه لم يسلم إلّا قبل يومين أو ثلاثة أيامٍ فقط، وعندما علموا بإسلامه عمّت الفرحة قلوبهم جميعاً.
ولكن أيّ شخصٍ طبيعي ستنتهي قصة إسلامه عند هذا الحدّ، ولكن هذا ليس في سيرة عمر بن الخطاب، فقد قام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله ألسنا على الحق، فأجابه نعم، قال: أليسوا على الباطل فأجابه: بلى، قال: ففيم الخفية؟ وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا ويطوفوا في الكعبة فخرج المسلمون في صفين على رأس الأول عمر بن الخطاب وعلى رأس الآخر حمزة بن عبد المطلب والرسول عليه الصلاة والسلام بينهما، يكبرون في الكعبة ويطوفون حولها، وحينها نظرت قريش إليهم بغضبٍ دون أن يقدروا على فعل شيء، وكان هذا الوقت هو الذي اكتسب به عمر لقبه الشهير الفاروق.
عمر بن الخطاب في عهد الرسول وأبي بكرٍ
عندما أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة المنورة هاجر الصحابة شيئاً فشيئاً بالخفية عن أعين قريشٍ حتى لا يتمّ إيذاؤهم، ولكن عمر رضي الله عنه عندما هاجر لم يفعل ذلك، فحمل عمر سيفه وقوسه وطاف بالكعبة سبعاً وصلى عند مقام إبراهيم، وقال للمشركين أنّه ذاهبٌ للهجرة ومن أراد فليتبعه، فلم يتبعه أحدٌ إلّا قومٌ هاجروا معه ليحتموا به، فوصل رضي الله عنه إلى المدينة ومعه من هاجر معه من قومه.
وغزا رضي الله عنه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في كافة الغزوات، وقد دافع في تلك الغزوات دفاعاً باسلاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الدين الإسلامي، كما في غزوة بدر التي قُتل فيها خاله العاص بن هشام، ودافع عن الرسول عليه الصلاة والسلام في أُحد عندما علم أنّه على قيد الحياة وقد احتمى بالجبل، وكان شاهداً على صلح الحديبية بالرغم من كونه معارضاً له لما رأى فيه من شروط ظالمةٍ بحق المسلمين، وشارك في فتح مكة وغيرها، وأمّا عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان عمر بن الخطاب ممّن لم يتحمّلوا وقع الخبر فرفض أن يصدّق موته فأخذ يحلف أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام لم يمت حتى أتى أبو بكرٍ الصديق فأجلسه، وأعاد الأمور إلى نصابها بالخطبة التي ألقاها عند موته عليه الصلاة والسلام.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذراع اليمنى والمستشار لأبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه، وخاصةً من الناحية العسكرية، وقد كان هو من أوقف فتنةً كادت أن تحصل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في اختيار الخليفة، حينما خطب في الناس في سقيفة بني ساعدة وبايع أبا بكرٍ للخليفة فتبعه الناس في ذلك، فكان سبباً في استقرار أوضاع المسلمين سواءً في البيعة أو حروب الردة، وكما كان رضي الله عنه السبب الرئيسي في جمع القرآن الكريم بعدما خاف عليه من الضياع؛ نتيجة استشهاد حفظة القرآن في الحروب، وخاصةً معركة اليمامة التي قُتل فيها المئات من حفظة القرآن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظلّ مصرّاً على ذلك حتى أقنع أبا بكرٍ رضي الله عنه بذلك، وكما استلم عمر القضاء سنةً كاملةً في عهد أبي بكر لم يأتِ خلالها له أيّ شخصٍ ليختصم لديه، فطلب من أبي بكرٍ إعفاءه بعدما رأى أخلاق المسلمين وتمسكهم بتعاليم دينهم.
وعندما اقترب أجل أبي بكرٍ رضي الله عنه طلب من الصحابة أن يختاروا خليفةً في حياته؛ حتى لا تحصل فتنةً بعد وفاته في اختيار الخليفة، فعندما عجزوا عن ذلك طلبوا من أبي بكرٍ الاختيار، فعندما فكّر واستشار عدداً من الصحابة اختار عمر بن الخطاب، إلّا أنّ البعض منهم عارضوا ذلك كطلحة بن عبيد الله خوفاً من شدّة عمر، ولكن أبا بكرٍ كان يعرف معدن عمر حقّ المعرفة، وكان يعرف الرحمة التي في قلبه، ففسر شدة عمر لرقته هو في التعامل، وأنّه كان يحاول موازنة رقّة أبي بكرٍ في الحكم بشدته هو، وعندها طلب أبو بكرٍ عثمان بن عفان ليكتب وصيته للمسلمين، ولكنه أغمي عليه، فخاف عثمان أن يموت أبو بكرٍ ويختلف الناس فكتب اسم عمر بن الخطاب، وعندما استفاق استقرأ عثمان فقرأ عليه فكبّر أبو بكرٍ وأيّده في ذلك، وخرج أبو بكرٍ قبل وفاته بأيام فأخبر الناس وطلب منهم السمع والطاعة لأميرهم عمر وخطب فيه فأوصاه بعضاً من الوصايا.
خلافة عمر بن الخطاب
كانت خلافة عمر للمسلمين خلافةً ارتفعت فيها راية الإسلام عالياً، ووضعت فيها الرواسي الأساسية للحكم، ففُتحت في عهده بلاد الشام والعراق ومصر وطرابلس، وقد اتخذ خلال العديد من القرارات العسكريّة التي ساعدت في ذلك، وكان من أبرز قراراته عزل خالد بن الوليد وتعيين أبي عبيدة بن الجراح بدلاً منه؛ ليس لكرهٍ منه لخالد بن الوليد كما يزعم البعض ولكن لخوفه أن يفتن الناس بانتصاراته المتلاحقة، وأن يظنّوا أنّهم يُنصرون بفضل خالدٍ لا بفضل الله تعالى، ويدلّ على ذلك موقفه حين وصله خبر وفاة خالد بن الوليد حيث حزن عليه حزناً شديداً.
وقد كان عمر هو من ذهب لاستلام مفاتيح القدس وفتحها بطلبٍ من أهلها، فأتى رضي الله عنه إلى القدس، واستلم المفاتيح وأعطى العهد والأمان لأهلها، ومرّت خلال خلافته أوقاتٌ عصيبةٌ على المسلمين كعام الرمادة الذي انقطعت فيه الأمطار عن الحجاز، فالتجأ فيه المسلمون إلى المدينة ووصلت البعثات من الطعام إليهم، ممّا خفف من وقع هذه المجاعة، بالرغم من موت العديد من المسلمين فيها، وطاعون عمواس الذي حلّ بأرض الشام ومات فيه العديد من المسلمين فطمع الأعداء بالأرض، إلّا أنّه وبعد زوال الطاعون ذهب إلى الشام وأصلح الأوضاع فيها وسدّ الثغور.
وقد كانت مواقفه رضي الله عنه في العديد من الجوانب الأخرى غير الجانب العسكري فقد كان سياسياً وإدارياً محنّكاً أدار شؤون الدولة بعبقريةٍ فذّة، فرمّم المسجد الحرام والمسجد النبوي لاستيعاب الأعداد الجديدة من المسلمين، ونظّم الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد التي فُتحت بعدما اتسعت رقعة المسلمين بشكلٍ كبيرٍ في خلافته، فقسم بلاد المسلمين إلى خمس مناطق هي: العراق وفارس والشام وفلسطين وإفريقيا، وتنقسم هذه المناطق إلى ولايات، وقد كان الحكم أثناء خلافته من المدينة، وعلى ولاته أن يُعلموه بكلّ ما يحصل، فحتى إنّ المسلمين كان يستأذنونه في كيفية بناء المساكن وقد كانت هذه الهيمنة بسبب الظروف التي كانت تفرض هذه الطبيعة من الحكم عليه، وقد أنشأ عمر الدواوين ورتّب البريد وصك النقود ووضع التقويم الهجري ووقد كان يلتزم الشورى في كلّ ما يفعل.
وكما أدخل العسس للمراقبة أثناء الليل، والذي كان أساساً للشرطة فيما بعد، وكان يتولّى أمور القضاء، ولكن وعندما اتسعت رقعة البلاد وازدادت المشاكل فصل رضي الله عنه القضاء عن الخلافة، وعيّن القضاة وأمر ولاته بذلك، وصرف لهم الرواتب، وكان أبو الدرداء قاضياً في المدينة.
وفاة عمر بن الخطاب
وأمّا وفاته رضي الله عن فقد كانت نتيجة حقد الفرس عليه الذين بقوا على المجوسية، فطعنه أبو لؤلؤة فيروز الفارسي بخنجرٍ ستّ طعنات خلال أدائه لصلاة الفجر، وعند لحاق المسلمين به طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة، وحُمل عمر إلى بيته وقبل وفاته طلب من ستةٍ من الصحابة ممّن كان عليه الصلاة والسلام راضياً عنهم أن يتشاوروا فيمن يكون الخليفة من بعده، وطلب من ابنه عبد الله أن يكون بينهم ويسدي النصح دون أن تكون الخلافة له، واستأذن رضي الله عنه من عائشة أمّ المؤمنين أن يُدفن إلى جوار أبي بكرٍ والرسول عليه الصلاة والسلام فأذنت له بذلك ودُفن إلى جوارهما.