محتويات
تعريف الحشر
عرّف الراغب الأصفهاني الحَشْر بأنّه: إخراج مجموعةٍ من الناس من مَقرّهم، كما يُطلَق الحَشْر على الإزالة، وقد ورد لفظ الحَشْر في العديد من الآيات القرآنية، ومنها قول الله -تعالى-: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ)،[١] إلّا أنّها بمجموعها تدلّ على العدد الكثير، والجماعة من الناس الموجودين في مكانٍ واحدٍ، وورد عن الإمام القرطبيّ أنّ الحَشْر يُراد به: الجَمْع، وبذلك قال البرديسيّ، والسفارينيّ، وقال الإمام الأزهريّ عن الليث بن سعد إنّ الحشر يعني: الجَمْع، أو المكان الذي تُجمَع فيه مجموعةٌ من الناس، وقال العسكريّ بأنّ الحَشْر: جَمْع الناس مع سَوْقهم، ومن ذلك عُرِف اليوم الآخر بيوم الحَشْر؛ لأنّ الناس جميعهم يُحشَرون ويُجمَعون فيه، أمّا المَحشر بفَتح الشين، فيُراد به: المَصدر، وبكَسرها: المَوضع، وقال الجوهريّ بأنّه مَوضع الحَشْر.[٢]
أرض المَحشر
أرض المَحشر في الدُّنيا
يجتمع الناس كلّهم في آخر الزمان في أرض المَحشر؛ وهي أرض الشام، وقد ثبت ذلك في العديد من الأحاديث النبويّة المَرويّة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، منها: (عن مَيمونةَ مَوْلاةِ النَّبيِّ عليه السَّلامُ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها سألتْهُ فقالت: أَفْتِنا في بيتِ المَقدِسِ، فقال: أرضُ المَحشَرِ، والمَنشَرِ، وائْتوهُ فصلُّوا فيه، فإنَّ صلاةً فيه كألْفِ صلاةٍ في غيْرِهِ)،[٣] كما رُوي عن أبي ذرّ الغفاريّ -رضي الله عنه-: (أنَّهُ سأل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ عَن الصَّلاةِ في بَيتِ المقدِسِ أفضلُ أو في مسجِدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فَقالَ صلاةٌ في مسجِدي هذا، أفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيهِ، ولنِعْمَ المصلَّى، هوَ أرضُ المَحشرِ والمنشَرِ، وليأتيَنَّ على النَّاسِ زمانٌ ولقَيْدُ سَوطِ أو قال: قوسِ الرَّجلِ حَيثُ يرى مِنهُ بيتَ المقدسِ؛ خيرٌ لهُ أو أحبَّ إليه مِنَ الدُّنيا جميعًا).[٤][٥]
وممّا يُستدَلّ به أيضاً على أنّ الشام أرض المَحشر، ما رُوِي عن أبي حكيم أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (أشار بيدِه إلى الشامِ، فقال: هاهنا إلى هاهنا تُحشَرونَ رُكْبانًا ومُشاةً وعلى وُجوهِكُم يومَ القيامةِ، على أفواهِكم الفِدَامُ، تُوفُونَ سبعينَ أُمَّةً، أنتم خيرُها وأكرَمُها على اللهِ عزَّ وجلَّ)،[٦][٧] والمقصود بالحَشْر المذكور سابقاً؛ حَشْر العباد في الحياة الدنيا، وليس بعد خروجهم من القبور، كما أنّ النار ليست نار الآخرة.[٨]
أرض المحشر في الآخرة
يُحشَر الناس يوم القيامة على أرضٍ مختلفةٍ عن أرض الدُّنيا؛ استدلالاً بقول الله -تعالى-: (يَومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزوا لِلَّـهِ الواحِدِ القَهّارِ)،[٩] وقد بيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بعض صفات تلك الأرض، وذلك فيما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه السلام قال: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ علَى أرْضٍ بَيْضاءَ عَفْراءَ، كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ قالَ سَهْلٌ أوْ غَيْرُهُ: ليسَ فيها مَعْلَمٌ لأحَدٍ)؛[١٠][١١] وقد قِيل إنّ عفراء من العفر، وهو: البياض غير الناصع، وقِيل إنّه بياض يميل إلى الحمرة قليلاً، وقِيل إنّها خالصة وشديدة البياض، أمّا معنى قرصة النقيّ؛ فقد قِيل إنّها تعني أنّها في بياضها تشبه الدقيق النقيّ من الغشّ والنخالة، بينما يدلّ قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: "ليس فيها معلم لأحد" على أنّها مُستوية كما قال الخطابيّ، وقال ابن عياض أنّ المقصود هو عدم احتوائها على أيّة علامة من العلامات التي يُهتدى بها في الطريق؛ من بناء، أو صخرة، أو ما شابه ذلك، وقال ابن حجر إنّ في هذا القول إلى أنّ أرض الدُّنيا ذهبت وانقطعت العلاقة بها، كما قال الداودي إنّ المقصود أنّه لا أحد يملك منها شيئاً إلّا ما أدركه منها.[١٢]
وذكر ابن حجر انّ أرض المحشر في الآخرة أكبر من الأرض الموجودة في الدُّنيا، كما انّ الحكمة من انبساطها وصفائها ونقائها تكمن في أنّ ذلك اليوم يوم حقّ وعدل، ولذلك اقتضت الحكمة أن يكون المكان طاهراً من المعاصي والظلم، وكي يتجلّى الله -سبحانه وتعالى- لعباده على أرضٍ طاهرة لم تشهد معصيةً له؛ لعظمته، وجلاله، إضافة إلى أنّ الحُكم يومئذٍ هو لله وحده -عزّ وجلّ-، فكان المكان خالصاً له وحده مناسبةً، وتمكيناً.[١٢]
أحداث الحشر
أحداث الحَشر في الدُّنيا
تخرج نارٌ من عدن، وتحشرُ الناس جميعهم في أرض المَحشر؛ وتلك علامةٌ من العلامات التي أخبر عنها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيما ثبت في الصحيح عنه في حديث الإمام مسلم سابق الذِّكر؛ إذ إنّه حين يأذن الله -سبحانه- بقيام الساعة، فإنّه يُخرِجُ ناراً من اليمن؛ لتطردَ الناس، وتحشرَهم في أرض المَحشر.[١٣]
أحداث الحَشر في الآخرة
يبعث الله -تعالى- جميع الناس من قبورهم بعد أن يأمر بنفخة البعث، وقد ورد ذلك في قول الله -تعالى-: (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ)،[١٤] وأوّل الناس بَعْثاً النبيّ محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ ثبت ذلك في صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنْه القَبْرُ، وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ).[١٥][١٦]
أنواع الحشر
يتفرّع الحَشْر إلى أربعة أنواعٍ؛ الأوّل والثاني في الحياة الدُّنيا، أمّا الثالث والرابع فيكونان في الحياة الآخرة، وبيان كلٍّ نوعٍ فيما يأتي:[١٧]
- الحَشر الأوّل: وهو الذي ذكره الله -تعالى- في سورة الحَشْر بقوله: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّـهِ فَأَتَاهُمُ اللَّـهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ).[١٨]
- الحَشر الثاني: وهو الحَشْر الذي يُجمَع فيه الناس قبل يوم القيامة، وهو آخر علامةٍ من علامات الساعة الكُبرى، وقد ثبت ذلك في صحيح مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ -رضي الله عنه-، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (اطَّلَعَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقالَ: ما تَذَاكَرُونَ؟ قالوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قالَ: إنَّهَا لَنْ تَقُومَ حتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ، الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بجَزِيرَةِ العَرَبِ، وَآخِرُ ذلكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إلى مَحْشَرِهِمْ).[١٩]
- الحَشر الثالث: وهو جَمْع الناس ليوم القيامة بعد البعث، وقد ثبت ذلك في صحيح البخاريّ فيما رَوته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- من قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (تُحْشَرُونَ حُفاةً عُراةً غُرْلًا قالَتْ عائِشَةُ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، الرِّجالُ والنِّساءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ؟ فقالَ: الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يُهِمَّهُمْ ذاكِ).[٢٠]
- الحَشر الرابع: وهو حَشْر الناس وجَمْعهم؛ إلى الجنّة، أو إلى النار.
المراجع
- ↑ سورة الشعراء، آية: 36.
- ↑ "معنى الحشر في اللغة"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-3-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 611، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 1179، صحيح.
- ↑ زين الدين عبد الرحمن الحنبلي (2003)، مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي (الطبعة الأولى)، صفحة 244-245، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن أبي حكيم بن معاوية، الصفحة أو الرقم: 4161، إسناده صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة العقدية، صفحة 271، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ يوسف بن عبدالله الوابل (1994)، أشراط الساعة (الطبعة الرابعة)، السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 424،426،428-429. بتصرّف.
- ↑ سورة إبراهيم، آية: 48.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6521، صحيح.
- ↑ عمر الأشقر (1995)، اليوم الأخر(2) القيامة الكبرى (الطبعة السادسة)، عمان: دار النفائس، صفحة 65. بتصرّف.
- ^ أ ب "صفة الأرض التي يقف الخلق عليها"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2020. بتصرّف.
- ↑ ماهر الصوفي (2009)، الحشر وقيام الساعة، بيروت: المكتبة العصرية، صفحة 21-24. بتصرّف.
- ↑ سورة الزمر، آية: 68.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2278، صحيح.
- ↑ محمد حسان (2007)، أحداث النهاية ونهاية العالم، المنصورة: مكتبة فياض، صفحة 540-541. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، سلسلة الدار الأخرة، صفحة 8، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية: 2.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2901، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 6527، صحيح.