تعريف شهر رجب
يأتي شهر رجب في تسلسل الأشهر الهجرية بعد شهر جمادى، وقبل شهر شعبان، وهو من الأشهر الحرم؛ التي كانت تحرّم فيها العرب القتال؛ وذلك لحرمة إتيان الذنوب فيها أكثر من سائر شهور السنة،[١] وسُمي شهر رجب بهذا الاسم؛ لأنّه كان يُرجب، أي يُعظّم عند النّاس.[٢]
أيّام الصيام في شهر رجب
تخصيص صيام شهر رجب لم يرد فيه شيئ من الفضل الزائد عن الصيام في بقيّة شهور السنة، ولم يصحّ فيه شيئ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- أجمعين، ولكن ورد في الشريعة الإسلامية ما يدلّ على أفضليّة الصيام بشكل عام مطلق، وصيام شهر رجب يدخل في هذا العموم تبعاً، ويجوز للمسلم صيام أيّام من شهر رجب على وجه الإطلاق دون تحديد، ودون اعتقاد أنّ فيه خصوصيّة معيّنة، ولا يكون صيام المسلم في جميع أيّام شهر رجب؛ حتى لا يشتبه بشهر رمضان المبارك.[٢]
ويُعد شهر رجب من الأشهر الحُرم الداخلة في قوله -تعالى-: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم)؛[٣] فقد نهى الله -سبحانه وتعالى- عن اقتراف الذنوب والمعاصي في هذه الأشهر، وإيقاع الظلم على النفوس، ويدخل في ذلك الأمر بعمل الطاعات، وأداء العبادات؛ فالأشهر التي تعظُم فيها السيئات، تعظُم فيها الحسنات، وهذا يشير إلى أنّ الأشهر الحُرم تختصّ بمزيد من الحرمة؛ فالله -تعالى- نهى عن الظلم في كلّ وقت من أيّام السنة، وقد جعل للأشهر الحُرم حرمة مضاعفة تختصّ بها عن باقي الشهور، ولا يختصّ شهر رجب بصيامٍ خاص فيه،[٢] وإنّما وردت السنة النبويّة باستحباب صيام عدد من الأيّام في كل شهر، وبيان هذه الأيام فيما يأتي:[٤][٥]
- صيام الاثنين والخميس: اتّفق الفقهاء من حنفيّة، ومالكيّة، وشافعيّة، وحنابلة على استحباب صيام يوميّ الاثنين والخميس من كلّ أسبوع؛ وذلك لما ورد عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أنّه قال: (إنَّ نبيَّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ يصومُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ ، وسُئِلَ عن ذلِكَ ، فقالَ : إنَّ أعمالَ العبادِ تُعرَضُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميس)،[٦] وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: (إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ؟ قالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ).[٧]
- صيام ثلاثة ايام من كل شهر: ذهب عامّة العلماء إلى استحباب صيام المسلم ثلاثة أيّام من كل شهر؛ لما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بثَلَاثٍ لا أدَعُهُنَّ حتَّى أمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وصَلَاةِ الضُّحَى، ونَوْمٍ علَى وِتْرٍ).[٨]
- صيام الأيام البيض: ذهب جمهور الفقهاء من حنفيّة، وشافعيّة، والحنابلة، وجماعة من المالكيّة إلى استحباب صيام ثلاثة أيّام من كل شهر تُجعل في الأيام البيض، واستدلّوا على ذلك بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (يا أبا ذَرٍّ إذا صُمْتَ من الشهرِ ثلاثةَ أيامٍ ، فصُمْ ثلاثَ عَشْرَةَ ، وأَرْبَعَ عَشْرَةَ ، وخَمْسَ عَشْرَةَ)،[٩] وروي كذلك عن موسى الهذلي أنه قال: (سألتُ ابنَ عباسٍ عن صيامِ ثلاثةِ أيامِ البيضِ فقال: كان عُمرُ يصومُهنَّ).[١٠]
- صيام يوم وإفطار يوم: نقل الإمام ابن حزم -رحمه الله تعالى- استحسان العلماء، واستحبابهم لصيام يوم وإفطار يوم، وهو أفضل أنواع صيام التطوّع، ويستثنى من ذلك صيام يوم الشك، واليوم الذي يلي النصف من شهر شعبان، ويوم الجمعة، وأيّام التشريق الثلاثة التي تلي يوم النحر، وكذلك يوميّ العيدين، وذلك لما ورد عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا)،[١١] والمراد من الحديث أنّ صيام يوم، وإفطار يوم أحبّ وأفضل عند الله -تعالى- من سواه.
- صيام يوم وإفطار يومين: استُحِبَّ للمسلم أن يصوم يوماً ويفطر يومين؛ وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبدالله بن عمرو -رضي الله عنه-: ( فَصُمْ يَوْمًا وأَفْطِرْ يَومَيْنِ).[١٢]
- صيام يوم أو يومين أو ثلاثة أو أربعة من كل شهر: استُحِبََ للمسلم أن يصوم من كل شهر يوماً، أو يومين، أو ثلاثة، أو أربعة أيام؛ وذلك لحديث عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه- الوارد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (صُمْ يَوْمًا، وَلَكَ أَجْرُ ما بَقِيَ قالَ: إنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِن ذلكَ، قالَ: صُمْ يَومَيْنِ، وَلَكَ أَجْرُ ما بَقِيَ قالَ: إنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِن ذلكَ، قالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَكَ أَجْرُ ما بَقِيَ قالَ: إنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِن ذلكَ، قالَ: صُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَلَكَ أَجْرُ ما بَقِيَ).[١٣]
حكم تخصيص شهر رجب بالصيام
السنّة النبويّة ليس فيها دليل صحيح على تخصيص شهر رجب بصيام خاصّ فيه، وجميع ما ورد في ذلك مُحدث لا أصل له في السنّة الصحيحة، وإنّما هي أحاديث ضعيفة لا ترقى للاحتجاج بها، وبعضها موضوع،[١٤] ولم يوجد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- نصّ صريح صحيح يدلّ على أفضليّة الصيام في شهر رجب بشكل خاصّ، وإنما هو من الأشهر الحُرم التي حرّمها الله -تعالى- في كتابه الكريم،[١٥] ويقول الحافظ ابن رجب الحنبلي- رحمه الله تعالى: تخصيص شهر رجب بالصيام لم يرد فيه شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أحد من أصحابه -رضوان الله عليهم- أجمعين.[١٦]
المراجع
- ↑ سيد حسين العفاني، دروس الشيخ سيد حسين العفاني، صفحة 3، جزء 6. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد إسماعيل المقدم، سلسلة علو الهمة، صفحة 28، جزء 18. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 36.
- ↑ مجموعة مؤلفين (1433)، الموسوعة الفقهية- الدرر السنية، صفحة 435-437، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1993)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 13-14، جزء 28. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبو داود، عن مولى أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 2436، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1178، صحيح.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 761، حسن.
- ↑ رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن موسى بن سلمة، الصفحة أو الرقم: 1/395، رجاله ثقات.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1131، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1976، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1159، صحيح.
- ↑ عبدالله التويجري (2000)، البدع الحولية (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الفضيلة، صفحة 440، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مصطفى العدوي، سلسلة التفسير لمصطفى العدوي، صفحة 14، جزء 77. بتصرّف.
- ↑ حسام الدين عفانة (2008)، يسألونك عن رمضان (الطبعة الأولى)، القدس: المكتبة العلمية، ودار الطيب، صفحة 171. بتصرّف.