يوم عاشوراء
يوم عاشوراء؛ هو اليوم الذي نجّى الله -عزّ وجلّ- فيه نبيّه موسى -عليه الصلاة والسلام-، فصامه شُكراً وحًمْداً لله -سُبحانه-، كما ثبت عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: (أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا، يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ؟ فَقالوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بصِيَامِهِ)،[١] وقد ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- فيما أخرجه عنه الإمام البخاريّ في صحيحه أنّه قال: (صَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَاشُورَاءَ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ، وكانَ عبدُ اللَّهِ لا يَصُومُهُ إلَّا أنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ).[٢][٣]
وقت يوم عاشوراء وصيامه
عاشوراء؛ هو: اليوم العاشر من الشهر الهجريّ؛ مُحرّم، كما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (أمرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بِصَومِ عاشوراءُ، يومُ العاشِرِ)،[٤][٥] إذ يُستحبّ الصيام شهر الله المُحرّم؛ لِما ثبت في الصحيح عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ)،[٦] ويسمّى شهر مُحرّم أيضاً بشهر عاشوراء؛ حيث يُسنّ صيام اليوم العاشر منه، كما يتقرّب العبد من ربّه في شهر مُحرّم بالعديد من الطاعات، والأعمال الصالحة؛ من الذِّكْر، وتلاوة القرآن، والصيام، وغير ذلك، وتجدر الإشارة إلى أنّ شهر مُحرّم من الأشهر الحُرم التي ورد ذكرها في قَوْله -تعالى-: (مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ)،[٧] ويُفضّل من شهر الله المُحرّم اليوم العاشر منه، ثمّ التاسع،[٨] ومن أدلّة استحباب صيام يوم عاشوراء؛ قَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (هذا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ علَيْكُم صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فمَن أَحَبَّ مِنكُم أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، وَمَن أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ).[٩][١٠]
وتجدر الإشارة إلى أنّ صيام عاشوراء يكون على مراتب؛ الأولى: صيام التاسع والعاشر، وهو ما اتّفق عليه العلماء، والثانية: صيام العاشر والحادي عشر، وبذلك قال الشافعيّة، وبعض المالكيّة، والثالثة: صيام يوم عاشوراء فقط، وبذلك قال بعض الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، والرابعة: صيام يومٍ قبل أو بعد عاشوراء، ويُفضّل قبله، وذلك ما ذهب إليه بعض الحنفيّة، وابن القيّم، استدلالاً بقَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)،[١١] والخامسة: صيام التاسع، والعاشر، والحادي عشر، وذلك الأفضل.[١٢]
فَضْل صيام يوم عاشوراء
وردت العديد من الأحاديث والآثار التي تبيّن فَضْل صيام يوم عاشوراء، منها: ما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال في أجر صيام عاشوراء: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ)،[١٣] وقال الإمام البيهقي تعليقاً على الحديث السابق: "وهذا فيمَن صادف صومه وله سيئاتٍ يحتاج إلى ما يكفِّرها؛ فإن صادف صومه وقد كُفِّرت سيئاته بغيره انقلبت زيادةً في درجاته، وبالله التوفيق"،[١٤] فصيام بعض ساعاتٍ يترتّب عليها فَضْلٌ عظيمٌ عند الله -عزّ وجلّ-، ومن فَضْل صيام عاشوراء أيضاً؛ أنّه سُنّةٌ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ كان يصومه ويأمر بصيامه، كما ثبت في صحيح الإمام البخاريّ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (ما رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَومٍ فَضَّلَهُ علَى غيرِهِ إلَّا هذا اليَومَ، يَومَ عَاشُورَاءَ، وهذا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ)،[١٥][١٦] وتجدر الإشارة إلى أنّ تكفير الذُّنوب المترتّب على صيام يوم عاشوراء، الوارد في الحديث السابق، يُراد به تكفير الصغائر من الذُّنوب، أمّا الكبائر؛ فلا تكفّر بصيام عاشوراء، إذ إنّ تكفيرها يكون بالتوبة النَّصوح لله -تعالى-.[١٧]
ودليل ما سبق ما ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيما رواه عنه الحارث بن ربعي ممّا أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، إذ قال: (وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ)،[١٨] ويعاضد ما سَبق أيضاً؛ ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ)،[١٩] وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- المُردا بتكفير الذُّنوب بصيام يوم عاشوراء قائلاً: "صحّ عنه -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: صيام يوم عرفة يُكفّر سنَتين، وصيام يوم عاشوراء يُكفّر سنةً، لكنّ إطلاق القول بأنّه يكفِّر، لا يُوجب أن يُكفّر الكبائر بلا توبةٍ؛ فإنّه -صلّى الله عليه وسلّم- قال في الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان: كفارةٌ لِما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر؛ ومعلومٌ أنّ الصلاة هي أفضل من الصيام، وصيام رمضان أعظم من صيام يوم عرفةٍ، ولا يُكفّر السيئات إلّا باجتناب الكبائر، كما قيّده النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فكيف يُظنّ أنّ صوم يومٍ أو يومين تطوّعاً يُكفّر الزِّنا، والسرقة، وشرب الخمر، والميسر، والسِّحر، ونحوه؟ فهذا لا يكون"،[١٧][٢٠] وصرّح الشنقيطيّ -رحمه الله- بأنّ صيام يوم عاشوراء؛ يُكفّر كافّة الذُّنوب، الصغائر منها والكبائر، عَمْلاً بظاهر الأحاديث النبويّة، إذ إنّ الأصل العَمْل بالمُطلق، وعدم تقييده، إلّا بالنصّ إن ورد.[٢١]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1130، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1892، صحيح.
- ↑ سيد العفاني، كتاب نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، جدة: دار ماجد عسيري، صفحة 499-501، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 755، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 49، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
- ↑ سورة التوبة، آية: 36.
- ↑ ابن جبرين، شرح أخصر المختصرات، صفحة 18، جزء 16. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاوية بن أبي سفيان، الصفحة أو الرقم: 1129، صحيح.
- ↑ مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (1425 هـ - 2004 م)، الموطأ (الطبعة الأولى)، أبو ظبي: مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، صفحة 428، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1134، صحيح.
- ↑ فهد العماري (6 محرم 1439)، "عشر مسائل في صيام عاشوراء"، www.almoslim.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-7-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
- ↑ عبد اللطيف الحسن، "يوم عاشوراء "، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-7-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2006، صحيح.
- ↑ سعد البريك، دروس الشيخ سعد البريك، صفحة 6، جزء 188. بتصرّف.
- ^ أ ب "صيام عاشوراء لا يكفر إلا صغائر الذنوب، وليس للكبائر إلا التوبة"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 22-7-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 233، صحيح.
- ↑ "صيام عاشوراء وتكفير الكبائر"، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-7-2020. بتصرّف.
- ↑ الشنقيطي، دروس للشيخ الشنقيطي ، صفحة 16، جزء 29. بتصرّف.