مدينة زبيد
من بين جميع المدن العربية، هناك مدنٌ كثيرةٌ نقشت اسمها في صفحات التاريخ بحروفٍ من ذهب، ومن هذه المدن مدينة زبيد، هذه المدينة اليمنية الشهيرة التي تُعدّ أول مدينةٍ إسلاميةٍ في اليمن، وعاصمة الدولة الزيادية التي أُقيمت في اليمن، فقد حظيت هذه المدينة بمكانةٍ مرموقةٍ جداً بين المدن، إذ كانت عاصمة للدول التي تعاقبت على حكم اليمن مثل: الدولة المهدية، والدولة النجاحية، كما كانت مركزاً للحكم، وأحد أهم مراكز الثقافة والعلم في زمن الدولة الأيوبية والظاهرية والرسولية، وقد احتفظت بهذه المكانة المرموقة في زمن الاتراك أيضاً، وحتى الوقت الحاضر، مما جعل تاريخها العريق ممتداً ومرتبطاً بالأصالة والتاريخ العريق.
تُعدّ مدينة زبيد اليمنية إحدى المدن التي ضمتها اليونسكو إلى قائمة التراث الإنساني العالمي، كيف لا وهي المدينة التي تحمل طابعاً تاريخياً وحضارياً، كما أنّ معالم المدينة القديمة لا تزال حاضرةً إلى الآن، مثل: السور القديم، والأبواب الخمسة التي يحمل كل بابٍ فيها اسماً مختلفاً، مثل: باب سهام، وباب الشبارق، وباب الفرتب، وباب النخيل، وباب النصر، بالإضافة إلى قلعتها العظيمة.
يوجد في مدينة زبيد مظاهر عمران راقية ومتطورة، ومن أهم الأبنية الموجودة فيها: جامع الأشاعر، الذي لم يكن مجرد جامع، وإنّما مكان لاجتماع الطلبة وإقامة العديد من الأنشطة، كما تنتشر فيها المدارس الدينية التي تُدرس إلى جانب الواجبات والدروس المدرسية الطب، والرياضيات، والعلوم، والحاسوب، وتنتشر في جنباتها وبين سهولها وجبالها حوالي ستة وثمانين مسجداً، مما يدلّ على أنّها تتمسك جداً بالطابع الإسلامي الأصيل.
تحدّث الكثير من الباحثين المشهورين عن المدينة، ووصفوها بأوصافٍ رائعةٍ تليق بها، وهذا يدلّ على شهرتها العلمية الكبيرة، وعمق ازدهار الحضارة فيها، إذ إنّها كانت محطةً هامةً من محطات الرحالة الأجانب والعرب المشهورين، الذين كانوا يزورونها ويقيمون فيها لبعض الوقت، كما آوى إليها الكثير من المستشرقين الذين أقاموا فيها وخرجوا منها بانطباعاتٍ تفيض دهشةً، ووصفوها وصفاً رائعاً، وأثنوا على أهلها وكرمهم وحسن ضيافتهم ولطافتهم وطيب شمائلهم، فقد قال فيها الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة: (زبيد مدينة عظيمة باليمن.. وليس باليمن بعد صنعاء أكبر منها، ولا أغنى من أهلها، واسعة البساتين كثيرة والفواكه من الموز وغيره.. كثيرة العمارة بها النخل والبساتين والمياه، أملح بلاد اليمن وأجملها، ولأهلها لطافة الشمائل وحسن الأخلاق وجمال الصور)، فيا لها من مدينةٍ عظيمةٍ يليق بها الوصف الرائع، وتحلو بها الإقامة، وتهنأ النفس بأن تظل فيها دائماً.