محتويات
قصيدة الشاعر عنترة بن شدّاد
حكّمْ سيُوفَكَ في رقابِ العُذَّل
- وإذا نزلتْ بدار ذلَّ فارحل
وإذا بُليتَ بظالمٍ كُنْ ظالماً
- وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل
وإذا الجبانُ نهاكَ يوْمَ كريهة
- خوفاً عليكَ من ازدحام الجحفل
فاعْصِ مقالَتهُ ولا تَحْفلْ بها
- واقْدِمْ إذا حَقَّ اللِّقا في الأَوَّل
واختَرْ لِنَفْسِكَ منْزلاً تعْلو به
- أَوْ مُتْ كريماً تَحْتَ ظلِّ القَسْطَل
فالموتُ لا يُنْجيكَ منْ آفاتِهِ
- حصنٌ ولو شيدتهُ بالجندل
موتُ الفتى في عزهِ خيرٌ له
- منْ أنْ يبيتَ أسير طرفٍ أكحل
إنْ كُنْتُ في عددِ العبيدِ فَهمَّتي
- فوق الثريا والسماكِ الأعزل
أو أنكرتْ فرسانُ عبس نسبتي
- فسنان رمحي والحسام يقرُّ لي
وبذابلي ومهندي نلتُ العلاَ
- لا بالقرابة والعديدِ الأَجزل
ورميتُ مهري في العجاجِ فخاضهُ
- والنَّارُ تقْدحُ منْ شفار الأَنْصُل
خاضَ العجاجَ محجلاً حتى إذا
- شهدَ الوقعية عاد غير محجل
ولقد نكبت بني حريقة نكبة ً
- لما طعنتُ صميم قلب الأخيل
وقتلْتُ فارسَهُمْ ربيعة عَنْوَة
- والهيْذُبانَ وجابرَ بْنَ مُهلهل
وابنى ربيعة والحريسَ ومالكا
- والزّبْرِقانُ غدا طريحَ الجَنْدل
وأَنا ابْنُ سوْداءِ الجبين كأَنَّها
- ضَبُعٌ تَرعْرَع في رُسومِ المنْزل
الساق منها مثلُ ساق نعامة
- والشَّعرُ منها مثْلُ حَبِّ الفُلْفُل
والثغر من تحتِ اللثام كأنه
- برْقٌ تلأْلأْ في الظّلامَ المُسدَل
يا نازلين على الحِمَى ودِيارِهِ
- هَلاَّ رأيتُمْ في الدِّيار تَقَلْقُلي
قد طال عزُّكُم وذُلِّي في الهوَى
- ومن العَجائبِ عزُّكم وتذَلُّلي
لا تسقيني ماءَ الحياة بذلة
- بل فاسقني بالعزَّ كاس الحنظل
ماءُ الحياة بذلة كجهنم
- وجهنم بالعزَّ أطيبُ منزل
قصيدة الإمام الشافعي
دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ
- وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ
وَلا تَجْزَعْ لنازلة الليالي
- فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
وكنْ رجلاً على الأهوالِ جلداً
- وشيمتكَ السماحة والوفاءُ
وإنْ كثرتْ عيوبكَ في البرايا
- وسَركَ أَنْ يَكُونَ لَها غِطَاءُ
تَسَتَّرْ بِالسَّخَاء فَكُلُّ عَيْب
- يغطيه كما قيلَ السَّخاءُ
ولا تر للأعادي قط ذلا
- فإن شماتة الأعدا بلاء
ولا ترجُ السماحة من بخيلٍ
- فَما فِي النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ
وَرِزْقُكَ لَيْسَ يُنْقِصُهُ التَأَنِّي
- وليسَ يزيدُ في الرزقِ العناءُ
وَلا حُزْنٌ يَدُومُ وَلا سُرورٌ
- ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخاءُ
وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ الْمَنَايَا
- فلا أرضٌ تقيهِ ولا سماءُ
وأرضُ الله واسعة ولكن
- إذا نزلَ القضا ضاقَ الفضاءُ
دَعِ الأَيَّامَ تَغْدِرُ كُلَّ حِينٍ
- فما يغني عن الموت الدواءُ
قصيدة الشاعر صفي الدين الحلي
لا يمتطي المجدَ من لم يركبِ الخطرا،
- ولا ينالُ العلى من قدمَ الحذرا
ومن أرادَ العلى عفواً بلا تعبٍ،
- قضَى، ولم يَقضِ من إدراكِها وطرا
لابدّ للشهدِ من نحلٍ يمنعهُ،
- لا يجتني النفعَ من لم يحملِ الضررا
لا يُبلَغُ السّؤلُ إلاّ بعدَ مُؤلمة،
- ولا تَتِمُّ المُنى إلاّ لِمَنْ صَبَرَا
وأحزَمُ النّاسِ مَن لو ماتَ مِنْ ظَمإٍ،
- لا يَقرَبُ الوِردَ حتى يَعرِفَ الصَّدَرَا
وأغزَرُ النّاسِ عَقلاً مَن إذا نظَرَتْ
- عيناهُ أمراً غدا بالغيرِ معتبرا
فقَد يُقالُ عِثارُ الرِّجلِ إن عثرَتْ،
- ولا يُقالُ عِثارُ الرّأيِ إنْ عَثَرَا
من دَبّر العيشَ بالآراءِ دامَ لهُ
- صفواً، وجاءَ إليهِ الخطبُ معتذرَا
يَهونُ بالرّأيِ ما يَجري القَضاءُ بِه،
- من أخطأ الرأيَ لا يستذنبُ القدرَا
من فاتهُ العزُّ بالأقلامِ أدركَهُ
- بالبِيضِ يَقدَحُ من أعطافِها الشّرَرَا
بكلّ أبيَضَ قد أجرى الفِرِندُ بهِ
- ماءَ الرّدى، فلو استقطرتَه قطرَا
خاضَ العجاجة عرياناً فما انقشعتْ
- حتى أتى بدمِ الأبطالِ مؤتزرَا
لا يحسنُ الحلمُ إلاّ في مواطنِهِ،
- ولا يَليقُ الوَفَا إلاّ لِمنْ شَكَرَا
ولا ينالُ العُلى إلاّ فتًى شرفَتْ
- خِلالُهُ، فأطاعَ الدّهرَ ما أمَرَا
كالصّالِح المَلِكِ المَرهوبِ سَطوَتُه،
- فلو توعّدَ قلبَ الدّهرِ لانفطرَا
لمّا رأى الشرَّ قد أبدَى نواجذَهُ،
- والغدرَ عن نابِهِ للحربِ قد كشرَا
رأى القسيَّ إناثاً في حقيقتِها،
- فعافَها، واستَشارَ الصّارِمَ الذّكَرَا
فجَرّدَ العَزمَ من قَتلِ الصِّفاحِ لها
- ملكٌ عن البيضِ يستغني بما شهرَا
قصيدة الشاعر محمد مهدي الجواهري
لقد ساءَني علمي بخُبثِ السرائرِ
- وأنّي على تطهيرِها غيرُ قادرِ
وآلمني أني أخيذُ تفكُّرٍ
- بكلَّ رخيص النفسِ خِبٍّ مُماكِر
تمشَّتْ به سَوءاتُ شعبٍ تلاءَمَت
- وسوءاتُه واستُدرِجَتْ بالمظاهر
وها أنا بالنيّات سوداً معذَّبٌ
- تعاودُني فيهنَّ سودُ الخواطر
وألمحُ في هذي الوجوهِ كوالِحاً
- من اللؤم أشباحَ الوحوش الكواسر
وتوحِشُني الأوساطُ حتى كأنَّني
- أُعاشِرُ ناساً أُنهِضوا من مقابر
تصفَّحتُ أعمالَ الوَرَى فوجدتُها
- مخازِيَ غطَّوها بشَتى الستائر
وفتَّشتُ عما استحدَثوا من مناقِبٍ
- تُروِّجُ من أطماعهم ومفاخِر
فكانت حساناً في المظاهرِ خُدْعة
- على أنها كانت قِباحَ المخابر
مشى الناسُ للغايت شتى حظوظهم
- وآمالهم من مستقيم وجائر
وغطَّى على نقصِ الضعيف نجاحُه
- وراح القويُّ عرضةً للعواثر
وقد حوسب الكابي بأوهَى ذنوبِه
- ولم يؤخَذِ الناجي بأمّ الكبائر
وراحت أساليبُ النفاق مَفاخراً
- سلاحاً قوياً للضعيف المُفاخر
وحُبِّبَ تدليسٌ وذُمَّت صراحةٌ
- فلا عيشَ إلاّ عن طريقِ التآمر
وألَّفَ بين الضدِ والضدِ مغنمٌ
- وفرَّقَتِ الاطماعُ بين النظائر
مُحيطٌ خَوَتْ فيه النفوسُ وأفسِدتْ
- طباعُ أهاليه بعدوْى التجاور
هَوَت نبعةُ الأخلاق جراءَ ما اعتَدَتْ
- على الشعب أطماعُ السَّراةِ الأكابر
وقد صِيح بالإخلاص نَهبْاً فلا تَرَى
- سوى بؤَر التضليلِ جِسراً لعابر
وباتَ نصيبُ المرءَ رَهناً لِما يَرَى
- أولو الأمرِ فيه مثلَ لِعبِ المقامر
فإما مُكَّبٌ للحضيض بوجهه
- على أنه سامي الذرى في المفاخر
وإما إلى أوجٍ من المجد مُرتَقٍ
- على سُلَّمٍ من موبقاتٍ فواجر
ولم يبقَ معنى للمناصب عندنا
- سوى أنها ملكُ القريبِ المصاهِر
وإن ثيابَ الناس زُرَّت جميعُها
- على عاهةٍ إلاّ ثيابَ المؤازر
تُسنُّ ذيولٌ للقوانين يُبتَغى
- بها جَلْبُ قوم "الكراسي" الشواغِر
وقد يُضحِكُ الثكلى تناقضُ شارع
- قوانينُه مأخوذةٌ بالتناحر
أُهينَتْ فلم تُنتَجْ قريحةُ شاعرٍ
- وضيِمَتْ فلم تَنشَ ط يراعةُ ناثر
وهيمَنَ إرهابٌ على كل خَطرةٍ
- تَرَدَّدُ ما بين اللَّهى والحناجر
لقد ملَّ هذا الشعبُ أوضاع ثُلَّةٍ
- غدت بينه مثلَ الحروفِ النوافر
وما ضرَّ أهلَ الحكم أنْ كان ظلُّهم
- ثقيلاً على أهل النُهى والبصائر
فحسبُهمُ هذي الجماهيرُ تقتَفِي
- خُطى كل مقتادٍ لها، من مناصر