محتويات
الثورة الصناعيّة
في أواسط القرن الثامن عشر ظهرت بوادر الثورة الصناعيّة في أوروبا، وانطلقت واجتاحت العالم أجمع، فأحدثت تأثيراً جذريّاً في مختلف جوانب الحياة سواءً الاقتصاديّة، أو السياسيّة، أو الاجتماعيّة أيضاً، وذلك بالاستعاضة عن العُمَّال المُشتغلين في العديد من المهن بآلاتٍ ميكانيكيَّة قادرةٍ على تنفيذ عملهم.
كانت إنكلترا هي أوّل البلدان التي ظهرت بها الثورة الصناعيّة لعدّة مُقوِّمات تُميّزها عن سائر الدول حول العالم، وتمثَّلت أهمُّ آثار هذه الثورة في تطوير القطاعَيْن الصناعيَّين الخاصَّيْن بالمنسوجات القُطنيَّة والتعدين، وكذلك في اختراع الآلة البخارية التي أحدثت تحوُّلاً هائلاً بالاقتصاد في ذلك الوقت.[١]
تعريف الثورة الصناعيّة
يُقصَدُ بالثّورة الصناعيّة الاتجاه نحو الإنتاج باستخدام الآلات الصناعيّة المُؤَتمتة بَدلاً من الإنتاج بالاعتماد على العمل اليدوي للإنسان.[١] قامت الثورة الصناعية نتيجة النهضة العلميّة الشاملة التي اجتاحت أوروبا الغربيّة؛ بحيث أدَّت نهضة تكنولوجية إلى اختراع العديد من الآلات الجديدة (مثل الآلة البخارية) التي حقّقت إنتاجاً عالياً واسع النّطاق في وقتٍ قياسيّ؛ مُقارنةً بالإنتاج الذي يرتكز على العمالةِ اليدويّة، وأدّى انتشار هذه الآلات لغزو كافةِ القطاعات الصناعية في إنكلترا وأوروبا، مثل صناعة الغزل والنسيج وأفران صهر الحديد والمعدّات الزّراعيّة، وقد استُكمِلَ هذا التطوّر لاحقاً بظُهور الكهرباء والمُحرّكات الكهربائية وصناعة الوقود الأحفوري، ممَّا كان لهُ بالغ الأثر في الأحوال الاقتصادية والاجتماعيّة بسائر دول أوروبا.[١]
مراحل تطوّر الثورة الصناعيّة
كانت البداية الأولى للثورة الصناعيّة إبّان اختراع الآلة البُخاريّة خلال ستينيات القرن الثامن عشر للميلاد، لتَنتقل بَعدها إلى باقي دول أوروبا وأمريكا الشمالية في القرن التاسع عشر، ومنها إلى كافّة أرجاء العالم، تَرتَّب عليها لاحقاً اكتشافُ الكهرباء وبناء السكك الحديديَّة والقطارات وسط تنافُس الدول الأوروبية على التطوّر الصناعي. كانت بريطانيا هي المنبع الأوَّل للثورة الصناعية، ولكنَّ الجُذور الحقيقيّة للثورة جاءت من نَهضة مُتكاملة في أوروبا مُنذ القرن السادس عشر، وجاءت هذه النهضة بحاجةٍ مُتزايدة لكميَّة وسُرعة الإنتاج، ممَّا لبته الآلات التي اختُرعت في الثورة الصناعية.[٢]
كانت من أولى علامات الثورة الصناعية في إنكلترا ازدهار صناعة الصُّلْب، والفحم الحجري، وبناء الجسور، وتوسيع المواصلات،[٢] وكذلك كانت سبباً في ثورة زراعيّة بفضل اقتناء المعدّات الزراعيّة المتطوّرة واستخدامها في تسريع الأعمال الزراعيّة وزيادة إنتاجيَّتها،[٣] إضافةً إلى أنّها أدَّت للاستغناء عن نسبةٍ كبيرةٍ من الأيدي العاملة في الزراعة، بينما اتَّجهت فئة كبيرة من العُمَّال إلى البحث عن مِهنٍ في المصانع عوضاً عن الزراعة.
يُعتقد أنّ المَرحلة الأولى من الثورة الصناعية في بريطانيا امتدَّت من حوالي عام 1770 إلى 1830؛ حيث حقَّقت بريطانيا في هذه الفترة تقدّماً اقتصاديّاً وعسكريّاً جماً على باقي العالم.[٢]
أتت لاحقاً الثورة الصناعية الثانية، التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر عندما اكتشف الباحث الأمريكي ثوماس ألفا أديسون الكهرباء، وتمكَّن من توظيفها بحيثُ شاع استعمال المصابيح الكهربائية في أمريكا منذ عام 1880م، وتزامن ذلك مع اكتشاف النفط الذي أدّى إلى تطوّر الصناعات الكيميائية وظُهور السكك الحديدية التي استعاضت عن الخيول، حيثُ كانت الخيول الوسيلة الأساسية لنقل البضائع لعُقودٍ بعد الثورة الصناعية الأولى.[٢]
نتائج الثورة الصناعيّة
أدّت الثورة الصناعيّة إلى رخاء اقتصاديّ وتَقدّم من النواحي الطبية والصناعيّة والاقتصاديّة في جميع أنحاء أوروبا وخاصّة في إنكلترا، فقد ازدادت إيرادات الدولة، وأصبحت تملك فائضاً من الأموال، ومن أهمّ نتائج هذه الثورة:[٣]
نتائج اقتصاديّة
كان من نتائج الثورة الصناعيّة تحسين كمية ونوعية الإنتاج على حدّ سواء في مُختلف القطاعات، مع تخفيف الجهد والنفقات المُترتّبة على أصحاب الصناعات. وقد احتكرَ ملكية المصانع وأدوات الإنتاج عددٌ قليلٌ من رجال الأعمال والصناعيِّين، الذين كانت لهُم ملكية المصانع والبنوك والمناجم والأسواق وشركات السكك الحديدية، وحقَّق هؤلاء ثراءً عظيماً وعاشوا في رخاءٍ كبير، أدّت الثورة الصناعية أيضاً إلى الثورة الزراعية، حيث تزايد الاستثمار في مجال الزراعة وطُوِّرت تقنيات لتحسين الغذاء وزيادة المساحات المزروعة.[٣]
نتائج اجتماعيّة
أحدثت الثّورة الصناعيّة تغيّراتٍ كبيرة في النّظام الطّبقي في المجتمع الأوروبي، بحيث انقسم المجتمع إلى طبقتين، الأولى هم أصحاب المصانع والمؤسسات التجاريّة والصناعيّة ورؤوس الأموال (الطبقة البرجوازيّة)، حيث كان هؤلاء في قمّة الرّخاء الاقتصادي، والثانية هي طبقة العمّال وهم العاملين في المصانع، وغالبيتهم من النّازحين من المناطق الريفيّة بحثاً عن فرص عمل الّتي قامت بتوفيرها المصانع. وألزم ذلك الدّول على التدّخل للحدّ من سلبيّات هذا التفاوت من خلال وضع عدد الروابط والقوانين الّتي من شأنها حماية نظام العمل، كإصدار تشريعاتٍ عُماليّة تتعلّق بالضمان الاجتماعي، وتتضمّن الشؤون الصحيّة للعمّال.[٣]
أدَّت الثورة الصناعيّة إلى انتقال مُعظم السكّان من العمل في الوظائف اليدويّة في الزراعة إلى الوظائف الجديدة التي توفَّرت في القطاع الصناعي، ممَّا أدى إلى توجّه أعدادٍ هائلةٍ من العُمَّال من الريف إلى المدن الصناعية للعمل بأجور زهيدة في وظائف مُرهقة، وتدنَّت أحوالُ هذه الطبقة فغرقت في الفقر المدقع، واضطرَّ جميعُ أفرادها من الرجال البالغين إلى النساء والأطفال للعمل بالمصانع سعياً للرزق.
مع بدء القرن التاسع عشر تمكَّن هؤلاء العمال من الحصول على الحقّ في تكوين النقابات، وبعد ذلك جاءت قوانين لتنظيم العمل في المصانع ساعدت على تحسين الظروف المعيشيَّة ومنح الضمان الاجتماعي للعُمَّال.[٣]
نتائج سياسيّة وثقافيّة
كان للثورة الصناعيّة أثرٌ كبير على كافة المستويات، وعلى وجه الخصوص المُستويين السياسي والثقافي، وكان من نتائجها:[٣]
- تشريعُ الضمان الاجتماعي لتأمين العُمَّال من الحوادث والأمراض والبطالة.
- منح العمال بشكلٍ عام والنساء خاصّة حقّ الانتخاب والتصويت.
- ظهور عددٍ من الأحزاب السياسيّة التي أخذت على عاتقها الدّفاع عن حقوق العمال ومصالحهم، والمشاركة في الحياة السياسيّة للدول.
- اشتداد المُنافسة بين الدّول الصناعيّة في سعيها للسيطرة على المصادر الرئيسيّة للمواد الخام، إضافةً للأسواق الخارجيّة، وكذلك مصادر الطاقة، وطُرُق المواصلات حول العالم.
من النتائج الأخرى على الصعيد الثقافي ظهور الفكر الشيوعي؛ فقد أدَّت الظروف المعيشيّة التي ترتّبت على الثورة الصناعية إلى ظهور الماركسية والدعوة لمجتمع أكثر إنسانية، وترتَّب عليها وقوع الثورة البلشفيّة في أكتوبر عام 1917م والتي أدخلت الشيوعيّة إلى الاتّحاد السوفييتي السابق وروسيا لاحقاً.[٤]
المراجع
- ^ أ ب ت غسّان محمود إبراهيم / المجلّد السابع / ص 367، "الثورة الصناعيّة"، الموسوعة العربيّة، اطّلع عليه بتاريخ 20 -12- 2016. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث المصدر/ الجزيرة (22 -3- 2016)، "الثورة الصناعية"، الجزيرة نت، اطّلع عليه بتاريخ 20 -12- 2016. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح مجلّة الصناعة والاقتصاد (21 -4- 2015)، "كيف تطوّرت الثورة الصناعيّة في أوروبا ؟"، مجلّة الصناعة والاقتصاد، اطّلع عليه بتاريخ 20 -12- 2016. بتصرّف.
- ↑ د. فؤاد الخطيب (19 -12- 2016)، "القاطرة البخارية ... والثورة الصناعية"، الجبهة / صحيفة الاتحاد، اطّلع عليه بتاريخ 20 -12- 2016. بتصرّف.