كيف أجعل قلبي يخشع

كتابة - آخر تحديث: ١٤:٥٠ ، ١ أبريل ٢٠٢٠
كيف أجعل قلبي يخشع

تعريف خشوع القلب

يُعرَّف خشوع القلب في اللغة والاصطلاح الشرعيّ كما يأتي:

  • خشوع القلب لغةً: الخُشوع اسمٌ من الفعل الثلاثيّ خَشَعَ، يُقال: خشع القلب؛ أي سَكَنَ، وخَضَعَ، وتضرّع، وتذلّل.[١]
  • خشوع القلب اصطلاحاً: إقبال المسلم على العبادات كلّها، بكلّ جوارحه، دون التفات لِما حوله من أمور الدنيا؛ بسكون قلبه، ولِينه، وانكساره، وخضوعه لله -عزّ وجلّ-، وتعلُّقه به، وقد ورد عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يقول في ركوعه: (اللهم لكَ ركعتُ وبكَ آمنتُ ولكَ أسلمتُ وأنتَ ربي خشعَ سمعي وبصري ومخي وعظمي لله ربِّ العالمينَ)،[٢][٣] كما قال الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)،[٤] فصلاح قلب المسلم ينعكس على أفعاله الظاهرة؛ إذ إنّ سكون القلب، ورقّته، واطمئنانه من أسباب استشعار المسلم عظمة الله وحده، ممّا ينعكس ذلك على جسده، وجوارحه، وأفعاله تِجاه نفسه، وتِجاه الآخرين.[٥]


كيفيّة تحقيق خشوع القلب

يتحقّق الخشوع في قلب العبد؛ بتعويد النفس وتهذيبها على اتّباع عدّة أمورٍ، بيان البعض منها آتياً:[٦][٧]

  • اللجوء الى الله -تعالى-، والإقبال عليه، والتوجُّه إليه بالدعاء بيقينٍ أن يرزق عباده الخشوع والسكينة.
  • المداومة على العبادات المكتوبة، والاستزادة من الأعمال الصالحة؛ طاعةً لله -تعالى-، قال -سبحانه- في مُحكم كتابه: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ).[٨]
  • الكفّ عن المعاصي والذنوب، وتطهير النفس من كلّ الشوائب، والشهوات، والمَلذّات، قال الله -تعالى-: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ).[٩]
  • بَذْل الوُسع والطاقة في حضور الذِّهن، والتفكُّر والتأمّل في العبادة أثناء أدائها، ومحاولة استجماع القلب وحضوره قبل الدخول فيها.
  • التكلُّف بالخشوع حين أداء العبادة على انفرادٍ، وحين الخُلوة بالنفس، من غير تظاهرٍ ونفاقٍ؛ لتعويد النفس على ذلك، رُوي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، وإنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، ومن يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، ومن يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه).[١٠]
  • استشعار عظمة الله -سبحانه-، وأداء العبادة بتأنٍّ وتمهّلٍ، والتزام أحكامها وآدابها.
  • الامتثال والانقياد لأوامر الله، واستقبالها بالقبول التامّ، والرضا، وعدم رفضها.
  • الخوف، والخشية، والمهابة من الله -تعالى-، والتعلّق به وحده.
  • الالتماس وطلب الهداية من الله -تعالى- في أمور الخير والطاعات كلّها.
  • الإدراك بأنّ الله مُطَّلعٌ على تفاصيل القلوب والجوارح كلّها، ممّا يبعث على الحياء من الله، والخوف من غضبه أو ارتكاب ما نهى عنه، مع الحرص على إدراك فضل الله -تعالى- على عباده، ولُطفه بهم، وإحسانه إليهم.
  • سلامة النيّة، والحرص على الإخلاص في العبادات والطاعات، وتجنّب الرِّياء والنفاق.
  • معرفة الله -سبحانه- بأسمائه الحُسنى، وصفاته العُليا، مع العلم بما بثّه في الكون والإنسان من آياتٍ عظيمةٍ.
  • الحرص على تلاوة آيات القرآن الكريم دائماً بتأمُّلٍ وتدبُّرٍ.


أسباب عدم تحقيق الخشوع

يبذل العبد جهده ليُحقّق لقلبه الخشوع والطمأنينة، إلّا أنّ ذلك قد لا يتحقّق بسبب بعض العوارض التي لا تسمح لقلبه بالخضوع والسكون، وقد يرجع ذلك إلى ما يُعانيه القلب من السهو والغفلة؛ بسبب وساوس الشيطان، ولغوه، وكثرة الذنوب، والمعاصي،[١١] وتتعدّد الأسباب التي تؤدّي إلى قسوة القلب، يُذكر منها:[١٢]

  • الإعراض والصدّ عن ذكر الله، والغفلة عنه، قال الله -تعالى-: (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى). [١٣]
  • الاهتمام الزائد بالحياة الدنيا، وما فيها من مُلهياتٍ، وشهواتٍ، ومَلذّاتٍ.
  • تضييع وتجاوز أوامر الله -تعالى-، وفرائضه، والتهاون في أدائها، وعدم الحرص عليها، قال -تعالى-: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً)[١٤]
  • الإقبال على المعاصي والذنوب والآثام، وعدم تجنُّبها، بل المجاهرة بها، دون الخوف والخشية من الله -تعالى-، وقد حذّر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من ذلك، قائلاً: (كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه).[١٥]
  • أكل المال الحرام؛ إذ إنّه سببٌ في منع إجابة الدعاء، فقد رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: (ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ).[١٦]
  • الجهل، وعدم الحرص على العلم والتعلُّم، ومعرفة أمور الفقه والدِّين، قال الله -تعالى- في بيان فَضْل العلماء: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).[١٧]
  • السعي في تحقيق الأهواء، وميل النفس نحو الشهوات، والإعراض عن الحقّ، ممّا يُؤدّي إلى إعراض القلب عن الخير، كما قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).[١٨]


الحَثّ على خشوع القلب في القرآن والسنّة

وردت عدّة نصوصٍ في القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، تحثّ على الخشوع وترغّب فيه، بيان البعض منها فيما يأتي:

  • قول الله -تعالى-: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)،[١٩] فالله -تعالى- يحثّ عباده على الخضوع والخشوع لذِكره؛ والمقصود به القرآن الكريم، والانقياد لأوامره، واجتناب نواهيه، بالإضافة إلى ما ورد في السنّة النبويّة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.[٢٠]
  • ما رُوي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أوَّلُ شيءٍ يُرْفَعُ مِنْ هِذِهِ الْأُمَّةِ الخشوعُ حتى لا تَرَى فيها خاشِعًا)،[٢١] فالنبيّ -عليه الصلاة والسلام- يحثّ المسملين على التزام الخشوع، وتحقيقه في القلوب، وتحقيق الأسباب المُؤدّية له،[٢٢] كما أنّ الحديث يحرّض العباد على تدارك الخشوع، والإقبال عليه بكلّ ما أُوتي العبد من جُهدٍ، والابتعاد عمّا يُعيقه من مُلهياتٍ، ومشاغل الدنيا.[٢٣]


أنواع خشوع القلب

تتفاوت القلوب وتتباين حال الخشوع؛ إذ إنّها تختلف من شخصٍ إلى آخرٍ؛ فالبعض يخشى الله رهبةً وخوفاً من عذابه، ومنهم من يخضع لكماله وحبّه؛ رغبةً ولهفةً لملاقاته، والبعض يُدرك حضور الله ووجوده في الأمور كلّها، فيغمره الحياء منه،[٢٤] ولخشوع القلب أربعة أنواعٍ، بيانها فيما يأتي:[٥]

  • تواضع قلب العبد وجسده وخضوعهما لله وحده؛ وذلك بسبب يقينه بأنّ الله -تعالى- مُطَّلعٌ على حركاته وسَكَناته كلّها.
  • قبول أوامر الله -تعالى-، والانقياد التامّ لها دون تردُّدٍ، والتأكُّد بأنّ الهداية حتماً بيد الله -عزّ وجلّ-.
  • مراقبة النفس، وتدريبها على ترك المعاصي، والآفات، وتقويمها إن ظهرت.
  • كبح النفس، والحرص على خضوعها، وخشوعها، وانكسارها، مع عدم إظهار ذلك لباقي الخَلْق، والحرص على الإسرار بها.


المراجع

  1. "تعريف و معنى خشوع في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-3-2020. بتصرّف.
  2. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 3423، حسن صحيح.
  3. زين الدين الحنبلي (2001 م)، الجامع لتفسير الإمام ابن رجب الحنبلي (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: دار العاصمة ، صفحة 6، جزء 2. بتصرّف.
  4. سورة المؤمنون، آية: 1-2.
  5. ^ أ ب محمد التويجري، موسوعة فقه القلوب، الأردن: بيت الأفكار الدولية، صفحة 1342-1343، جزء 2. بتصرّف.
  6. غالية محمد ، "الخشوع "، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-3-2020. بتصرّف.
  7. محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب ، صفحة 427-428، جزء 8. بتصرّف.
  8. سورة محمد، آية: 17.
  9. سورة المطففين، آية: 14.
  10. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي الدرداء وأبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2328 ، حسن.
  11. "ما أسباب عدم الخشوع والبكاء؟ وما العلاج؟"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 21-3-2020. بتصرّف.
  12. خالد البليـهد، "علاج قسوة القلب "، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-3-2020. بتصرّف.
  13. سورة طه، آية: 124.
  14. سورة المائدة، آية: 13.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6069، صحيح.
  16. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1015، صحيح.
  17. سورة فاطر، آية: 28.
  18. سورة الصف، آية: 5.
  19. سورة الحديد، آية: 16.
  20. عبد الرحمن السعدي (2000م )، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 840. بتصرّف.
  21. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 2569، صحيح.
  22. محمد الحسني (2011 م)، التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ (الطبعة الأولى)، الرياض : مكتبة دار السلام ، صفحة 334، جزء 4. بتصرّف.
  23. علي الشهير بالعزيزي، السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير ، صفحة 207، جزء 2. بتصرّف.
  24. زين الدين الحنبلي (2001 م)، الجامع لتفسير الإمام ابن رجب الحنبلي (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: دار العاصمة، صفحة 11، جزء 2. بتصرّف.
1,859 مشاهدة