إسماعيل عليه السلام
كانت سارة زوجة إبراهيم عليه السلام عقيماً لا تلد، وكانت وفيةً مخلصةً لزوجها، وذلك ما دفعها إلى تزويجه عندما بلغ الكبَر ولم يُرزق منها بولد، فأهدت إليه جاريةً لها اسمها هاجر، وطلبت منه أن يتزوجها، فرزقه الله من هاجر إسماعيل عليه السلام، ممّا دفع سارة إلى الغيرة من هاجر، فطلبت من إبراهيم عليه السلام أن يُبعد هاجر وابنها عنها، وقام بذلك فعلاً بوحي من الله تعالى، وسار بهما إلى أن وصلوا إلى مكان البيت العتيق بمكة المكرمة، وترك زوجته وابنه هناك، ولم يكن معهما أي طعام يكفيهما ليوم أو بعض يوم، فطلبت هاجر من زوجها ألا يتركها في ذلك المكان، وأخبرها أنّ ذلك أمر الله عز وجل، وأنّه لن يضيّعهما، ودعا الله تعالى، ثمّ عاد إبراهيم عليه السلام إلى فلسطين حيث مكان إقامة زوجته سارة، وخلال مدة قصيرة من الزمن نفد الماء والطعام من هاجر، فأخذت تجري في المكان الذي هي فيه، وتهرول كلما سمعت بكاء وصراخ ابنها، حتى أتمت ذلك سبع مرات بين الصفا والمروة.[١]
وبعد ذلك استجاب الله تعالى دعاء عبده إبراهيم، فرأت هاجر الماء يخرج من بين قدمي ابنها، وبعد ذلك مرّت قبيلة بالقرب من مكان إقامة هاجر تُدعى قبيلة جرهما، وكانت من اليمن، فرأت القبيلة الطيور تحوم على مكانٍ ما، فأيقنوا بوجود الماء هناك، فذهبوا إليه، واستأذنوا من هاجر للإقامة معها، وقبلت، وبقيت هاجر راعيةً لابنها، محافظةً عليه، وذات ليلة رأى إبراهيم عليه السلام رؤية صالحة أُمر فيها بذبح ابنه إسماعيل، وقصّ إبراهيم ما رأى على ابنه، فردّ إسماعيل على والده قائلاً: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)،[٢] وسلّم إسماعيل نفسه لأبيه، وطلب منه أن يربطه جيداً، وأن يجعل صدره إلى الأرض، وأن يحدّ السكين جيداً، وأن يمررها على رقبته بسرعةٍ، وذلك كله حتى لا يشفق الوالد على ابنه، ويخالف أمر الله تعالى، إلا أن الله تعالى أبدله كبشاً عظيماً حتى يذبحه بدلاً عن إسماعيل عليه السلام.[١]
حجر إسماعيل
إنّ حجر إسماعيل هو الجزء الشمالي من البيت الحرام، وهو الجزء الذي لم تستطِع قريش إكمال نفقاته عندما أرادوا بناء الكعبة، فجعلوا له جداراً مقوساً ليدلّ على أن ذلك الجزء يعدّ من البيت، ومما يدل على ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (سألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، عن الجَدْرِ ؟ أمنَ البيتِ هو ؟ قال " نعم " قلتُ : فلم لم يُدخلوهُ في البيتِ ؟ قال " إنَّ قومكَ قصرت بهم النفقةُ)،[٣] وتجدر الإشارة إلى أن إطلاق حجر إسماعيل على ذلك الجزء من المصطلحات العامة التي لا أصل لها في الشرع، حيث إنّ الجزء الذي لم يشمله بناء البيت والذي عُرف بالحجر كان بعد إسماعيل عليه السلام بزمنٍ طويلٍ، وبناءً على أنّ الحجر يعد جزءاً من الكعبة فلا يجوز الطواف بدونه.[٤]
أمّا الصلاة في الحجر فهي مستحبة، لأنّه من البيت، وممّا يدل على ذلك ما رواه الصحابي بلال بن رباح أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل الكعبة عام الفتح وصلّى فيها ركعتين، كما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: (صلِّي في الحِجرِ إذا أردتِ دخولَ البَيتِ فإنَّما هوَ قطعةٌ منَ البَيتِ)،[٥] إلا أنّ الأفضل والأحوط في صلاة الفريضة هو عدم أدائها في الحجر، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، وورد عن بعض أهل العلم أنهم قالوا: (إنها لا تصح في الكعبة ولا في الحجر لأنه من البيت)، فالمشروع في أداء صلاة الفريضة أداؤها خارج الكعبة المشرفة، وخارج الحجر أيضاً اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، وخروجاً من خلاف العلماء القائلين بعدم صحة الفريضة في الكعبة أو في الحجر.[٦]
بناء الكعبة
بيّنت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية أنّ بناء الكعبة المشرفة تمّ أربع مرات؛ الأولى منها ما بناه النبي إبراهيم عليه السلام، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ*فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)،[٧] وبقي ما بناه إبراهيم قائماً أكثر من ألفي عام، إلى أن أصبح معرّضاً للسقوط، وسكنته الحشرات والهوام في عهد قريش، ثمّ أعادت قريش بناءه، وكان ذلك قبل البعثة النبوية بخمس سنوات، وممّا حدث في ذلك أنّ الناس اختلفوا في موضع الحجر الأسود، حتى احتكموا إلى النبي عليه الصلاة والسلام.[٨]
والبناء الثالث للكعبة المشرفة كان على يد عبد الله بن الزبير، عندما احترقت في عهده بعد سنة ستين من الهجرة، وكان بناء عبد الله بن الزبير للكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام، فأدخل فيها حجر إسماعيل، وجعل لها بابَين في الشرق والغرب ملتصقين بالأرض، والبناء الرابع كان عند مقتل ابن الزبير، حيث كتب الحجاج إلى عبد الملك ليخبره بأن ابن الزبير بنى الكعبة على غير ما بنته قريش، فردّ عليه عبد الملك أن يهدم الكعبة، ويعيد بناءها من جديد، بأن يفصل الحجر عنها، ويجعل للكعبة باباً واحداً مرفوعاً عن الأرض، وقال المحققون بأنّ ما فعله ابن الزبير هو الصحيح.[٨]
المراجع
- ^ أ ب "قصة إسماعيل عليه السلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الصافات، آية: 102.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1333، صحيح.
- ↑ "تاريخ الكعبة وأطوار بنائها"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2028، صحيح.
- ↑ "حكم الصلاة في حجر إسماعيل وهل له مزيّة؟"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 96-97.
- ^ أ ب "حول بناء الكعبة المعظمة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2018. بتصرّف.