حكم زواج المسلمة من مسيحي

كتابة - آخر تحديث: ٧:٤٩ ، ٢٣ يونيو ٢٠١٩
حكم زواج المسلمة من مسيحي

حكم زواج المسلمة من مسيحي

لقد اجتمع فقهاء المسلمين على أنّ زواج المسلمة من غير المسلم بغض النّظر عن ديانته هو أمر محرّم في الشّريعة الإسلاميّة، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) سورة البقرة، 221 ، ولقوله كذلك سبحانه وتعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) سورة الممتحنة، 10 .


وقد قال ابن قدامة في كتابه المغني، وذلك شرحاً لقول الخرقي: ولا يزوّج كافر مسلمةً بحال. قال: أمّا الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم، منهم: مالك، والشّافعي، وأبو عبيد، وأصحاب الرّأي. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم. وفي حال كون المسيحيّ لا يعتقد أنّ عيسى المسيح هو ابن الله، فإنّ ذلك لا يجعله مسلماً بأيّ حال، ولا يكون مسلماً إلا في حال نطق بالشّهادتين، مع نيّته أن يدخل في الإسلام، وذلك مع إقراره بمقتضاهما، وأن يعمل بهما، وإذا لم يفعل ذلك فإنّه يعتبر غير مسلم، ويحرم عليه الزّواج من مسلمة بأيّ حال. (1)


الحكمة من منع زواج المسلمة من مسيحي

إنّ الحكمة من تحريم زواج المسلمة من شخص غير مسلم أو كتابي، هو أنّ الإسلام دين يعلو ولا يُعلى عليه، وإنّ للزوج فيه قوامةً على زوجته، وهذا أمرممنوع في حقّ من كان كافراً، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) سورة النساء، 141، وفي هذه الحالة فإنّه لا يؤمن على المرأة أن تميل إلى زوجها في حال دعاها إلى اعتناق ديانته، ولا يؤمن على الأطفال أن يقوموا باتباع والدهم في ديانته، وأمّا في حال تزوّج المسلم بامرأة كتابيّة فإنّ هذه المفاسد لا تكون موجودةً، لأنّ القوامة تكون للزوج المسلم، ومن الممكن أن يؤثر هو على زوجته وبالتالي تسلم، والزّوج هو الكلف بأن ينشئ الأولاد تنشئةً إسلاميّةً تحميهم من متابعة الأمّ في دينها، وفي حال قصّر في هذا الأمر فإنّ حسابه يكون على الله عزّ وجلّ، وفي حال زواجه من امرأة كتابيّة فإنّه يكون مؤمناً بكتابها غير المحرّف وبنبيّها، وبالتالي يكون لديهما أساس للتفاهم ويمكن لحايتهما أن تستمرّ، وأمّا الكتابي عند زواجه بالمسلمة فإنّه لا يؤمن بدينها، ولا يوجد بينهما أيّ طريقة للتفاهم والوئام، ولذلك منع الشّارع هذا الزّواج ابتداءً. (2)


الزواج

إنّ الزّواج في اللغة يعني عقد التزويج، ويكون بمعنى وطء الزّوجة. قال أبو علي القالي: فرّقت العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح فلانةً أو بنت فلان أرادوا عقد التّزويج، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا الجماع والوطء.


معنى النّكاح في الشّرع: تعاقد بين رجل وامرأة يقصد به استمتاع كل منهما بالآخر، وتكوين أسرة صالحة، ومجتمع سليم. ولا يقصد بعقد النّكاح مجرّد الاستمتاع، بل يقصد به تكوين الأسرة الصّالحة والمجتمعات السّليمة، وقد يغلب واحد من هذين القصدين على الآخر، وذلك لاعتبارات معيّنة، وذلك بحسب حالة الشّخص. (3)


حكمه

إنّ النّكاح يعتبر مشروعاً مؤكّداً في حقّ كل إنسان له شهوة وقادر عليه، وهو من سنن الأنبياء، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً) سورة الرعد، 38 ، فعن أنسٍ رضي الله عنه: (أنَّ نفرًا مِن أصحابِ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - سألوا أزواجَ النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - عن عملِه في السرِّ؟ فقال بعضُهم: لا أتزوَّجُ النِّساءَ. وقال بعضُهم لا آكلُ اللَّحمَ. وقال بعضُهم: لا أنام على فراشٍ. فحمد اللهَ وأثنى عليه فقال: ما بالُ أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟ لكنّي أصلي وأنامُ. وأصوم وأفطرُ. وأتزوَّج النّساءَ. فمن رغب عن سُنَّتي فليس مِنِّي) رواه مسلم .


وقد قال بعض العلماء: إنّ التّزويج مع الشّهوة أفضل من نوافل العبادة، لما يترتّب عليه من المصالح الكثيرة، والآثار الحميدة. ومن الممكن أن يكون الزّواج واجباً في بعض الأحيان، ومثال ذلك أن يكون الرّجل ذا شهوة قويّة، ويخاف على نفسه من المحرّمات، فيجب عليه أن يعفّ نفسه، ويكفّها عن الحرام (3)، وذلك لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنّه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم، فإنّه له وجاء) رواه البخاري .


شروطه

إنّ عقد الزّواج له مجموعة من الشّروط المهمّة، منها: (3)

  • رضا كلا الزّوجين: وبالتالي فإنّه لا يجوز أن يتمّ إجبار الرّجل على أن ينكح امرأةً لا يريدها، ولا تُجبر المرأة في المقابل على أن تنكح شخصاً لا تريده، قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً) سورة النساء، 9 ، وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تنكح الأيّم حتّى تستامر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) رواه البخاري .


وقد نهى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - عن أن تزوّج المرأة بغير رضاها، سواءً أكانت ثيّباً أم بكراً، إلا أنّ البكر يكون سكوتها علامة رضاها، لأنّها من الممكن أن تستحي أن تصرّح برضاها، وأمّأ الثّيب فلابدّ من أن تنطق بالرّضا، وإذا امتنعت المرأة عن الزّواج فإنّه لا يجوز لأحد أن يجبرها على ذلك، وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم: والبكر يستأذنها أبوها، ولا يوجد أيّ إثم على الأب في عدم تزويجها في هذه الحالة، وذلك لأنّها هي التي لم ترغب فيه، وعليه أن يحافظ عليها ويصونها.


  • الوليّ: لأنّ الزّواج لا يصحّ بدون وجود وليّ، وذلك لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا نكاح إلا بوليّ)، ولو أنّ المرأة قامت بتزويج نفسها فإنّ نكاحها باطل، سواءً أقامت بالعقد بنفسها أم وكّلت فيه، وأمّا الولي فهو: البالغ، العاقل، الرّشيد من عصباتها، مثل الأبّ، والجدّ من قبل الأبّ، والابن، وابن الابن وإن نزل، والأخ الشّقيق، والأخ من الأب، والعمّ الشّقيق، والعمّ من الأب، وأبنائهم الأقرب فالأقرب.


ولا تكون هناك ولاية من الأخوة من أم، ولا من أبنائهم، ولا أبو الأم، ولا الأخوال، لأنهم غير العصبة، ويجب على الوليّ أن يختار الأكفأ من الخطّاب إن تعدّدوا، فإذا خطبها شخص واحد وكان كفؤاً، ورضيت هي به، فإنّه من الواجب عليها أن يزوّجها به، وعلى هذا الوليّ مسؤوليّة كبيرة يجب أن يكون على قدرها، ويجب عليه أن يرعى الأمانة، ولا يصحّ له إحتكارها لينتفع بأغراض شخصيّة، أو أن يزوّجها بشخص غير كفؤ، وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة الأنفال، 27 ، وقال الله سبحانه وتعالى: (إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) سورة الحج، 38 ، وقد قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته).


آثاره

هناك مجموعة من الآثار للزواج، منها آثار مشتركة على الزّوجين، وهي: (4)

  • حلّ المعاشرة والاستمتاع: إنّ من الآثار المترتبة على عقد الزّواج الصّحيح هو حلّ المعاشرة والاستمتاع لكلا الزّوجين، والمعاشرة تعني الاختلاط والسّكن تحت سقف واحد، والحياة معاً، والتلذّذ والاستمتاع البدنّي والنّفسي لكلا الزّوجين بالطرف الآخر، وهذا من حقوق الزّوجين المشتركة، وهو أيضاً واجب من كلا الطّرفين نحو الطرف الآخر.
  • التّوارث: ففي حال كان عقد الزّواج صحيحاً، ومات واحد من أطراف العقد، فإنّه يثبت الميراث في مال الميّت للحيّ، وقد كتب الله عزّ وجلّ هذا الأمر على أنّه فريضة، فقد جعل للزوج نصف مال الزّوجة عند وفاتها، وذلك في حال لم يكن لها ولد منه أو من غيره، وجعل له الرّبع من مال زوجته في حال كان لها ولد منه أو من غيره.


وأمّا الزّوجة فقد أعطاها الشّارع ربع تركة زوجها، وذلك في حال لم يكن له ولد منها أو من غيرها، وأعطاها الثّمن في حال كان له ولد منها أو من سواها، وهي تشترك مع غيرها من الضّرائر في الثّمن في حال كُنّ على قيد الحياة بعد وفاة الزّوج، قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) سورة النساء، 12 ، ويكون هذا الميراث من حقّ كلّ من الزّوج والزّوجة في مال الآخر بمجرد أن تمّ العقد، وحتّى لو لم يحصل الدّخول.

  • ثبوت النّسب: يعتبر عقد النّكاح وثيقةً يتمّ من خلالها إثبات صحّة نسبة المولود إلى رجل بعينه، وهذا يتمّ تحت شرطين، الأوّل أن يولد الطفل بعد مدّة كافيّة لتخلقه في بطن والدته، ثمّ ولادته حيّاً، حيث أنّ جمهور العلماء على قول أنّ أقلّ مدّة يتمّ فيها إثبات النّسب هي ستّة شهور، وقد توصلوا إلى هذا القول بعد الجمع بين مختلف النّصوص الشّرعية، واستنباط ذلك من الحالات التي كانت على زمنهم، وقد ورد في الحديث الصّحيح: (إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوماً نطفةً، ثمّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمّ يكون مضغةً مثل ذلك، ثمّ يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الرّوح...).


وأمّا الشّرط الثّاني فهو أن يتمّ الدّخول بالمرأة، وهذا من شروط جمهور العلماء ما عدا الإمام أبو حنيفة، والذي لم يعتبر ذلك شرطاً لثبوت النّسب.


انتهاؤه

يمكن أن ينتهي عقد الزّواج بواحد من الحالات الآتية: (4)

  • الموت: وهذا أمر من سنن الحياة، ولا يمكن الهروب أو الفرار منه أبداً، وهو أمر يمرّ به الأزواج كما كلّ النّاس على اختلاف أعمارهم وحالاتهم، والموت يعمل على تفريق الأزواج عن بعضهم البعض، ولكنّ ذلك لا يعمل على هدم العقد نهائيّاً، بل هم أزواج في الجنّة إن ماتا على الخير والصّلاح.
  • الطلاق: يعدّ الطلاق عمليّةً يتمّ فيها هدم الأسرة، وقد يكون في بداية الحياة الزّوجية، أو قد يأتي متأخّراً عن ذلك بعد أن يكون هناك أطفال بين الزّوجين، والإسلام لم يعمل على إباحة الزّواج مطلقاً، بل وضع لذلك مجموعةً من الضوابط والشّروط، وذلك عندما يصل الأمر إلى مرحلة يشتدّ فيه الخلاف بين الزّوجين، مع عدم إمكانيّة الإصلاح بينهما، وتحوّل زواجهما من طريق إلى رضا الله عزّ وجلّ إلى طريق لسخط الله عزّ وجلّ وشقائهما.
  • الفراق أو الخلع: وقد ثبتت مشروعيّة ذلك في السّنة النّبوية، فيما رواه البخاري والنّسائي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شمّاس إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقالت: (يا رسول الله، إنّي ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنّي أكره الكفر في الإسلام، فقال صلّى الله عليه وسلّم: أتردّين عليه حديقته، قالت: نعم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقةً)، وهذا دليل على جواز أن تطلب المرأة إنهاء عقد زواجها من الرّجل، وإن كان لا بأس في خلقه، أو دينه، أو أيّ شيء آخر، لكنّها أبغضت الحياة معها لسبب ما في نفسها، كما يعتبر عقد المختلعة أو المفارقة لزوجها حيضةً واحدةً لا ثلاث حيضات مثل عدّة الطلاق، وهذا ما ثبت في حديث الرّبيع بنت معوّذ: (أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أمر امرأةً اختلعت من زوجها أن تتربّص حيضةً واحدةً وتلحق بأهلها) رواه النسائي.
  • اتهام الرّجل زوجته بالزّنا: وهذا يعتبر إنهاءً لعقد الزّواج بسبب طورء أمر يفسد عقد الزّواج، وهو أن يتّهم الرّجل زوجته بأنّها قد زنت، وإنّ اتهام شخص ما بالزّنا هو أمر قد شدّد عليه الإسلام، فإمّا أن يأتي بأربعة شهداء يشهدون بحدوث ذلك، أو أم يجلد ثمانين جلدةً وتسقط شهادته أبداً، قال الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) سورة النور، 4 .


ويتعذّر على الرّجل أن يرى زوجته على هذه الحال ثمّ يأتي بأربعة شهداء، وبالتالي فإنّ الشّارع قد أباح للزوج إذا تحقّق من زنا زوجته أن يعلنه، ولا يترتّب عليه عليه حدّ القذف إذا لم يقدر على لإثبات ذلك من خلال أربعة شهود، وهو ما يطلق عليه اللعان. ففي حال قام الزّوج ابتهام زوجته بأنّها زانية ولم يثبت ذلك من خلال الشّهود، فإنّه يتمّ استدعاء المرأة، وهي إمّا أن تقرّ بما صرّح به زوجها، أو ترفض ما صرّح به الزّوج من اتهام لها.


ولا تقبل دعوى الزّوج إلا أن يحلف أربع مرّات بالله على صدقه فيما يرمي به زوجته، ويحلف اليمين الخامسة على أنّ لعنة الله عليه في حال كان كاذباً فيما يدّعيه، وأمّا المرأة فهي إمّا تقرّ وينفّذ فيه الحدّ، وإمّا أن تقوم برفض دعواه، وتقسم أربع مرّات بالله أنّه كاذب فيما قام برميها به من الزّنا، وتحلف في الخامسة يميناً أنّ غضب الله عليها إن كان صادقاً، قال الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) سورة النور، 6-9 .


وفي حال انتهاء الأمر على هذه الحالة فإنّ واحداً من الزّوجين يعدّ كاذباً، ولكنّ الإسام يأمر فقط بالأخذ بالظاهر من الأمور، وفي حال وقوع اللعان وتكذيب كلّ من الزّوجين للطرف الآخر، فإنّ الحياة تصبح بينهما مستحيلةً تماماً، ويتمّ التّفريق بينهما بالفرقة الأبديّة التي لا رجعة فيها، لا من خلال عقد جديد، أو مهر جديد، ففي حال كان الزّوج هو الكاذب فإنّه ليس جديراً أن تكمل الحياة معه، وإن كانت المرأة هي الكاذبة فإنّها لا تعدّ جديرةً أن تكمل حياتها في بيت زوجها مرّةً ثانيةً.


كما أنّه لا يجوز أن يقوم الزّوج باسترداد شيء كان قد أعطاه لزوجته، لا المهر ولا سواه، لأنّه في حال كذبه فإنّ هذا المال لا يحلّ له، وفي حال صدقه فإنّه قد استمتع بزوجته قبلاً، وبالتالي استحلّ منها ما هو جزاء المهر.


المراجع

[١][٢][٣]

[٤]
  1. "تحريم زواج المسلمة من غير المسلم مطلقاً"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2018. بتصرّف.
  2. "الحكمة من منع زواج المسلمة من كتابي"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2018.
  3. "كتاب الزواج لابن عثيميين"، shamela.ws، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2018. بتصرّف.
  4. "كتاب الزواج في ظل الإسلام لعبد الرحمن بن عبد الخالق"، shamela.ws، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2018. بتصرّف.
2,279 مشاهدة