صيام التطوّع
يُعَدّ صيام التطوُّع الصيام الذي نَدَبت إليه الشريعة الإسلاميّة، وسَنّه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كعبادةٍ تُقرّب المسلم إلى الله -تعالى-، وتزيده إيماناً، وهو يدخل في جُملة الأعمال والعبادات التي تُحقّق للمسلم رضى الله -تعالى- ومَحبّته؛ فالعبد يتقرّب إلى ربّه بنوافل الأعمال الصالحة، والطاعات؛ ليُحبّه، فإن أحبّه الله، وفَّقه إلى ما يرضاه من البِرّ والمعروف؛ فيُصلح حاله، ويستقيم منهاج حياته، ويُجنّبه ارتكاب الذنوب والمعاصي، ولا شكّ بأنّ صيام التطوُّع من أفضل القُربات، وأخصّ العبادات؛ فقد ورد في فَضْله ما أورده الإمام مسلم في صحيحه عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن صَامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا).[١][٢]
حُكم صيام شعبان
بيّن العلماء حُكم صيام شهر شعبان، وفصّلوا فيه، وبيان أقوالهم في ذلك آتياً:
- الحنفيّة: قالوا بإباحة صيام شهر شعبان؛ باعتباره أفضل صيام التطوُّع بعد الفريضة، ويُستحَبّ في سائر أيّامه، وقد استدلّوا على فَضْل صيام شهر شعبان بما ورد في السنّة النبويّة ممّا ورد عن الصحابيّ أنس -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (سُئل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيُّ الصَّومِ أفضلُ بعد رمضانَ قال: شعبانُ لتعظيمِ رمضانَ، قال: فأيُّ الصَّدقةِ أفضلُ ؟، قال: صدقةٌ في رمضانَ)،[٣] وورد في روايةٍ أخرى عن الصحابيّ الجليل أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: (يا رسولَ اللَّهِ! لم ارك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟! قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ).[٤][٥]
- المالكيّة: قالوا باستحباب صيام شهر شعبان؛ اقتداءً بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ كان يصوم أكثره، كما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قولها: (ما صام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شهرًا قطُّ كاملًا إلَّا رمضانَ، ولا أفطَر شهرًا كاملًا قطُّ، وما كان يصومُ شهرًا أكثَرَ ممَّا كان يصومُ في شعبانَ).[٦][٧]
- الشافعيّة: قالوا إنّ صيام شعبان من السُّنَن التي سَنّها النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وحَثَّ عليها؛ استدلالاً بأنّه كان صوم أغلب الشهر.[٨]
- الحنابلة: ذهبوا إلى أنّ صيام التطوُّع في شهر شعبان أفضل من صيام التطوُّع في غيره من الأشهر، ومنها شهر الله المُحرَّم، وقد استدلّوا على ذلك بأنّ شعبان يأتي قبل رمضان؛ أي أنّه قريب منه، كما أنّ منزلته كمنزلة السُّنَن الراتبة من الفرائض في الصلاة، فيتأكّد فَضْل صيام شهر شعبان على غيره من الأشهر؛ باعتبار قُربه من شهر رمضان الفضيل،[٩] وعلى الرغم من ذلك، إلّا أنّ الحنابلة استحبّوا عدم صيام شهر شعبان كلّه؛ اقتداءً بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ لم يرد أنّه صامه كاملاً، ولم يَصم شهراً كاملاً إلّا شهر رمضان، وقد ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ما صام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شهرًا قطُّ كاملًا إلَّا رمضانَ، ولا أفطَر شهرًا كاملًا قطُّ، وما كان يصومُ شهرًا أكثَرَ ممَّا كان يصومُ في شعبانَ).[٦][١٠]
صيام النصف الأخير من شعبان
اختلف العلماء في حُكم صيام النصف الثاني من شهر شعبان، واستدلّ كلٌّ منهم بأدلّة، وفيما يأتي بيان أقوالهم وآرائهم، وتفصيلها:
- الحنفيّة: أباحوا الصيام بعد انتصاف شهر شعبان دون كراهةٍ، وقد استدلّوا على ذلك بما ورد عن السيدة عائشة -رضي الله عنها-، إذ قالت: (كانَ أحبَّ الشُّهورِ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن يَصومَهُ: شعبانُ، ثمَّ يصلُهُ برمضانَ)،[١١] أمّا ما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بما يُفيد كراهة الصيام إن انتصف شهر شعبان، ومن ذلك قَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لا صومَ بعدَ النِّصفِ مِن شعبانَ حتَّى يجيءَ شهرُ رمضانَ)،[١٢] فقد حمله الحنفيّة على أنّه خطابٌ مُوجّهٌ للمسلمين؛ بسبب إشفاق النبيّ عليهم من أن يعتريَهم الضعف أو الوَهن قبل شروعهم في صيام رمضان، فكان ذلك الصيام محظوراً في حَقّهم، ومُباحاً في حَقّ نبيّهم، ثمّ وردت أدلّةٌ أخرى تُفيد إباحة ذلك الصيام، وأنّه داخلٌ في جُملة صيام التطوُّع المَسنون، ومن ذلك ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه- من قَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عن صيام نبيّ الله داود -عليه السلام-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ له: أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا)،[١٣] ووجه الاستدلال من الحديث أنّ أفضل الصيام صيام يومٍ وإفطار يومٍ في سائر شهور السنة، بما فيها شهر شعبان.[١٤]
- المالكيّة: قالوا بجواز الصيام في النصف الثاني من شعبان؛ استدلالاً بما ورد في السنّة النبويّة من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يحرص على صيام شعبان بتمامه.[١٥][١٠]
- الشافعيّة: قالوا بكراهة صيام النصف الثاني من شهر شعبان؛ للنَّهي الوارد عن ذلك، إلّا إن اقتضى العُذر الشرعيّ الصيام، كأن يكون على المسلم كفّارةٌ من صيامٍ، أو نَذْر، أو قضاء، فحينئذٍ لا يُكرَه في حقّه، كما لا يُكرَه صيام النصف الثاني من شعبان في حَقّ مَن وصله بما قَبله، ومثال على ذلك صيام اليوم الذي يسبق يوم انتصاف شعبان، ثمّ صيام يوم الانتصاف، أمّا إن صام المسلم اليوم الذي يسبق يوم الانتصاف، ثمّ أفطر، فيكون صيامه مكروهاً دون مُسوِّغٍ شرعيٍّ.[١٦]
- الحنابلة: أجازوا الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان.[١٧]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1153، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1992)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار القلم، صفحة 97، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه المنذري، في صحيح الترغيب والترهيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2/131، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 2356، حسن.
- ↑ أحمد بن محمد القدوري (2006)، التجريد (الطبعة الثانية)، مصر: دار السلام، صفحة 1458، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3580، أخرجه في صحيحه.
- ↑ محمد بن أحمد ميارة المالكي (2008)، الدر الثمين والمورد المعين ، مصر: دار الحديث، صفحة 452. بتصرّف.
- ↑ ابن حجر الهيثمي (2000)، المنهاج القويم في شرح المقدمة الحضرمية (الطبعة 1)، بيروت : دار الكتب العلمية ، صفحة 264. بتصرّف.
- ↑ علي بن سليمان المرداوي (1995)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (الطبعة الأولى)، مصر: دار هجر، صفحة 528، جزء 7. بتصرّف.
- ^ أ ب عبدالله الطيار (2011)، الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية: مدار الوطن، صفحة 23-24، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2431، صحيح.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3591، إسناده صحيح على شرط مسلم.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1131، صحيح.
- ↑ أبو محمد علي بن أبي يحيى الأنصاري الخزرجي (1994)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (الطبعة الثانية)، سوريا: دار القلم، صفحة 407، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ القاضي عبد الوهاب (2007)، شرح الرسالة (الطبعة 1)، بيروت : دار ابن حزم، صفحة 175، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ درية العيطة، فقه العبادات على المذهب الشافعي ، صفحة 59، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أسامة علي سليمان، التعليق على العدة شرح العمدة ، صفحة 17، جزء 1. بتصرّف.