فليقل خيرا او ليصمت

كتابة - آخر تحديث: ١٨:٠٠ ، ٦ يونيو ٢٠١٨
فليقل خيرا او ليصمت

حفظ اللسان

يعدّ اللسان من نعم الله العظيمة على الإنسان، وفي استقامته والعمل بغايته المحمودة خيري الدنيا والآخرة، فالإنسان يوحّد الله -تعالى- بلسانه، ويدعو الناس إليه، فيكون سبباً في إسلام غيره أيضاً، وفي المقابل فإنّ الإنسان قد يوظّفه في الحرام والكفر بالله والعياذ بالله، فيكون سبباً لهلاكه وخسارته، ويكون أحياناً ضرر اللسان وشرّه على الإنسان أكثر من ضرر اليد وبطشها، لذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (المسلمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويدِه)،[١] فقُدّم اللسان على اليد؛ لشرّه، وعظيم سوءه.[٢]

ولأنّ اللسان يمكن أن يكون نافعاً فيرفع شأن الإنسان، أو ضاراً فيلحق الضّرر والسوء بصاحبه أولاه الإسلام أهميّةً خاصّةً، فجاءت أحاديث نبوية شريفة، وآيات كريمة تتحدّث عن حفظه، وتلفت عناية المسلم لذلك، فقد قال الرسول: (مَن صمَتَ نجا)،[٣] وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)،[٤] ففي الصمت والابتعاد عن اللغو حفظاً للسان، ويكون حفظ اللسان بالترفّع عن الحديث القبيح، والكلام الفاحش، وترك الإكثار من الكلام الفارغ الذي لا فائدة منه، ولا خير فيه، وهي صفة العلماء والمتعلّمين العاملين بما تعلّموا، فقد رُوي عن الخلّال كلامه عن عطاء -رحمه الله- أنّه قال: كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدُّون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن نقرأه، أو أمراً بمعروفٍ، أو نهياً عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك بما لا بدّ لك منه، وقد ذُكر في فضائل اللسان أنّ صاحبه قد يجني بسببه رضا الله تعالى؛ فيفلح في الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، لا يُلقي لها بالاً، يرفعُه اللهُ بها درجاتٍ).[٥][٢][٦]


فليقل خيراً أو ليصمت

ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن اللسان قوله: (ومن كانَ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيراً أو ليصمُتْ)،[٧] وقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في أمرٍ أو حُكمٍ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) يدلّ على أنّ هذه الخصال من خصال الإيمان، وأنّ هذه الأعمال تزيد إيمان المرء أو تنقصه، وفي هذا الحديث أمر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- المسلم أن يقول الخير في سائر كلامه، فإن لم يكن يحوز خيراً في أمره فإنّ الخير له أن يصمت، وفي هذا دلالة على أنّ سائر كلام الإنسان لا يمكن أن يكون خيراً، وسوى ذلك في آنٍ واحد، بل إمّا أن يكون الكلام خيراً؛ فأمر النبيّ بإطلاقه، أو أنّه عدا ذلك؛ فأمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حينها أن يصمت عنه، وقد سأل معاذ -رضي الله عنه- رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن المؤاخذة باللسان، فأجابه: (ثكلتك أمك يا مُعاذٍ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلّا حصائد ألسنتهم).[٨][٩]

وقد اختلف العلماء في ما إن كان كلّ ما نطق الإنسان قد كُتب في صحيفته، أم إنّه لا يُكتب عنه إلّا ما فيه ثواب أو عقاب، فقال ابن عبّاس رضي الله عنه: (إنّ كلّ ما نطق ابن آدم كُتب في صحُفه حتّى حركاته وسكناتُه، حتى إذا جاء يوم الخميس رُفع كل ّما كتب عنه فأُخذ منه ما فيه عقاب أو ثواب، ثمّ طُرح ما خلا ذلك)، وهذا تفسير قول الله تعالى: (يَمحُو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتابِ)،[١٠] ولو أنّ الإنسان لم يكن مؤاخذ بما ليس فيه حُرمة من القول، إلّا أنّه نادم على الوقت الذي ضاع هباءً دون فائدة، وتلك عقوبة بحدّ ذاتها، وفي المقابل فلا بدّ أن يتذكّر المسلم أنّ ليس كلّ الصمت محمود، بل إنّ الكلام الذي يرضاه الله -تعالى- خيرٌ من الصمت، فقد قال بعض السلف: (يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكلّ ساعةٍ لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات)، وقال أحد الصالحين: (إنّما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلّم فيما يعنيك من أمر دنياك)، فكانت هذه الأوجه التي تستحقّ الكلام فيها وإلّا فلا.[٩]


فوائد حفظ اللسان

إذا عمل المسلم بوصيّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فأطلق لسانه في ذكر الله، والأمر بالمعروف، وطاعة الله عموماً، وكفّه عن الخبيث والفاحش من الكلام؛ فإنّه سيجني العديد من الفوائد التي يفرح بها في الدنيا والآخرة، منها:[٢]

  • حفظ اللسان يعدّ سبباً لاستقامة الإيمان، وأساساً لصلاح القلب، وسائر الأعضاء، ففي هذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقِيمَ قلبُهُ، ولا يَسْتَقِيمُ قلبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لسانُهُ).[١١]
  • حفظ اللسان دليل على حُسن إسلام المرء، وحسن سيرته، فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ تركَه ما لا يَعنيه).[١٢]
  • حفظ اللسان سبب لعلوّ الدرجات، ودخول أعلى الجنان في الآخرة، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ في الجنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظاهرُها من باطنِها وباطنُها من ظاهرِها، فقال أبو مالكٍ الأشعريُّ: لمن هي يا رسولَ اللهِ؟ قال: لمن أطاب الكلامَ، وأطعم الطَّعامَ، وبات قائماً والنَّاسُ نِيامٌ).[١٣]
  • حفظ اللسان سبب لتحقيق رضا الله تعالى، ففي الحديث السّابق ذكره: (إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، لا يُلقي لها بالًا، يرفعُه اللهُ بها درجاتٍ).[٥]


المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 6484 ، صحيح.
  2. ^ أ ب ت "حفظ اللسان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-4. بتصرّف.
  3. رواه الزرقاني، في مختصر المقاصد، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1045 ، حسن.
  4. سورة المؤمنون، آية: 3.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6478 ، صحيح.
  6. "حفظ اللسان وفوائده"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-5. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6018 ، صحيح.
  8. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2616 ، حسن صحيح.
  9. ^ أ ب "الحديث الخامس عشر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-5. بتصرّف.
  10. سورة الرعد، آية: 39.
  11. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2554، حسن.
  12. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 229، أخرجه في صحيحه.
  13. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 4/375، إسناده حسن أو صحيح او ما قاربهما.
1,725 مشاهدة