أهميّة أداء الفرائض
افترض اللهُ -سُبحانه وتعالى- على عباده عّدة فرائضَ، وجعلها أفضل القُرباتِ التي يُتقرَّب بها إليه، بل جعل أهلها القائمين بها على وجهها من أوليائِه، كما ثبت في الصحيح أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال فيما يرويه عن ربّه -عزّ وجلّ-: (مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه...)،[١] وتجدر الإشارة إلى أنّ الفرائض على درجاتٍ، فليست كلُّها مرتبةً واحدةً، وإنّ أعلاها منزلةً وأعظمَها في تقريب العبد من مولاهُ فريضةُ الصلاةِ، كما قال -سُبحانه-: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب)،[٢] وقال النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ).[٣][٤]
فَضْل صلاة العصْر
صلاة العصْر؛ هي: الصلاة الوُسطى التي ذكرها الله -سُبحانه- في كتابه الحكيم، وأمر بالمحافظة عليها، فقال -سُبحانه-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ)،[٥] ففي الآية السابقة خصّ الله -سُبحانه- صلاة العصْر بالذِّكر، وعطف الخاصّ على العام؛ تشريفاً للخاصّ، وتمييزاً وتفضيلاً له عن العام،[٦] وممّا يدلُّ على أنّ الصلاة الوُسطى هي صلاة العَصْر؛ قَوْلُ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يوم الخندق: (مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وبُيُوتَهُمْ نَارًا، كما شَغَلُونَا عن صَلَاةِ الوُسْطَى حتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ وهي صَلَاةُ العَصْرِ)،[٧] وقال الإمام النوويّ -رحمه الله- تعليقاً على الحديث السابق: "الَّذِي تَقْتَضِيهِ الأَْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ: إِنَّ الصَّلاَةَ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ"،[٨] ومن الفضائل المترتّبة على صلاة العصْر:
- بيَّن النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ المحافظةَ على صلاة العصر سببٌ لدخول الجنَّة، فقال: (مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ)،[٩] والبردان هما: الصُّبح والعَصْر،[١٠] وحذّر من تضييعها، والتهاونِ في أدائها، وبيّن أنّ مَن تركها فقد حبِطَ عملُه، فقال: (مَن تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ)،[١١] وما شُدِّدَ في أمر صلاة العصْر إلّا أنّها عُرضت على الأُمم السابقة فما قاموا بحقِّها؛ لأنَّ وقت العصر كان زمانَ سُوقهم، وأوانَ أشغالِهِم، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ هذِه الصَّلَاةَ عُرِضَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فمَن حَافَظَ عَلَيْهَا كانَ له أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ).[١٢][١٣]
- ضاعف الله أجر المُحافظة على صلاة العصْر مرّتين؛ الأولى المحافظة عليها، والثانية لأدائها كسائر الصلوات، قال الحافظ ابن حجَر -رحمه الله-: "مَرَّةٌ لِفَضْلِهَا لِأَنَّهَا الْوُسْطَى، وَمَرَّةٌ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا"،[١٣] وقد نبَّه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على عِظَم أجر صلاة العصْر، فقال: (إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ الغُرُوبِ} [ق: 39]).[١٤][١٥]
- تعبَّد الله -عزّ وجلّ- الملائكة بالاجتماع في وقت أداء صلاة العصْر؛ لُطفاً بالمؤمنين، وشهادةً لهم على إدراك خيرها، كما أخبر بذلك النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث قال: (المَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ، ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ، وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ، فيَقولُ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي، فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ).[١٦][١٧][١٨]
- أخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ المحافظة على أداء صلاة العصْر سببٌ في الوقاية من النّار، كما ثبت في صحيح الإمام مُسلم أنّه -عليه الصلاة والسلام- قال: (لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، يَعْنِي الفَجْرَ وَالْعَصْرَ...).[١٩][٢٠]
الترهيب من تَرْك صلاة العصْر
حذّر الشارع الحكيم من التهاون في أداء صلاة العصْر، أو التشاغل عنها، يدلّ على لك ما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (الذي تَفُوتُهُ صَلَاةُ العَصْرِ، كَأنَّما وُتِرَ أهْلَهُ ومَالَهُ)،[٢١] أي أنّ على المُسلم الحذر والخوف من تضييع أداء صلاة العصر كالخوف من تضييع الأهل والمال.[٢٢][٢٣]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
- ↑ سورة العلق، آية: 19.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 482، صحيح.
- ↑ زين الدين عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (2001)، جامع العلوم والحكم (الطبعة السابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 336، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 238.
- ↑ محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، السعودية: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، صفحة 7، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 6396، صحيح.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية-الكويت (1984-2007)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 303-304، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 574، صحيح.
- ↑ راشد العبد الكريم (2010)، الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية (الطبعة الرابعة)، المملكة العربية السعودية: دار الصميعي، صفحة 157-158. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 553، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي بصرة الغفاري، الصفحة أو الرقم: 830، صحيح.
- ^ أ ب علي بن (سلطان) محمد أبو الحسن القاري (2002)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر، صفحة 829، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جرير بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 554، صحيح.
- ↑ المهلب بن أحمد بن أبي صفرة (2009)، المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح (الطبعة الأولى)، الرياض: دار التوحيد، دار أهل السنة، صفحة 349، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3223، صحيح.
- ↑ زكريا بن محمد الأنصاري (2005)، منحة الباري بشرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، صفحة 331، جزء 6.
- ↑ شمس الدين البرماوي محمد بن عبد الدائم العسقلاني (2012)، اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (الطبعة الأولى)، سوريا: دار النوادر، صفحة 366، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمارة بن رويبة، الصفحة أو الرقم: 634، صحيح.
- ↑ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (2001)، السنن الكبرى (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 218، جزء 1.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 552، صحيح.
- ↑ محمد بن عزالدين الكَرمانيّ (ابن الملك) (2012)، شرح مصابيح السنة للإمام البغوي (الطبعة الأولى)، الكويت: إدارة الثقافة الإسلامية، صفحة 374، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ الحسين بن محمود مظهر الدين الزيداني (2012)، المفاتيح في شرح المصابيح (الطبعة الأولى)، الكويت: دار النوادر، وهو من إصدارات إدارة الثقافة الإسلامية - وزارة الأوقاف الكويتية، صفحة 24، جزء 2. بتصرّف.