علاقة الدنيا بالبلاء
إنّ خصائص الحياة الدنيا أنّها دار كدّ وبلاء وامتحان، فقد كتب الله -سبحانه- على البشر أن يعتريهم شيءٌ من الهمّ والحزن بين الحين والآخر، لأنها دار نقص لا كمال لأحدٍ فيها، حيث يتنقّل العبد فيها بين البلاء والسرور، حتّى يظلّ يطمح إلى الدار الآخرة ويتمنّاها ويعمل بعملها، وقد أوضح الله -سبحانه- أنّها الدار التي لا حزن فيها ولا همّ ولا نقص، وهي التي ينالها الإنسان إن كان من الفائزين، إذ قال الله -تعالى- على لسان أهل الجنّة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)،[١] وإذا فهم الإنسان هذه المعادلة جيداً وأدرك أنه ما من كمال وفرح دائمٍ في الدنيا، هدأت نفسه وسكنت، وصار ينظر إلى ما يجعل فرحه يدوم أكثر، وهو لا شكّ زيادة الدين والإيمان، والإقبال على الله -سبحانه- بإتيان الطاعات واجتناب النواهي، فهي مصدر فرحه وسروره في دنياه وأخراه، وذلك وعدٌ من الله -سبحانه- لعباده، حيث قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).[٢][٣]
معنى قهر الرجال
بالرّغم من معرفة الطريق الصحيح التي يجب على العبد أن يسلكها ليتجنّب الهموم والغموم، إلا أنّها كثيراً ما تحيط به رُغماً عنه بسبب ابتلاءات الحياة وتقلّباتها، وهذا ما أكّده النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رأى أحد الصحابة في المسجد مهموماً يُرى عليه الحزن، فلمّا سأله عن سبب حزنه أخبره أنّ ديونه عظيمة فاغتمّ لذلك، فعلّمه النبي عليه السلام دعاءً يكرّره يقضي به الله دينه ويُذهب همّه، وهو كما قال النبي -عليه السلام- معلّماً: (قُلْ إذا أصبَحتَ وإذا أمسَيتَ ؛ اللهم إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ، وأعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ ؛ وأعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ)،[٤] والمقصود بقهر الرجال الذي علّم النبي أصحابه أن يتعوّذوا منه ليس مرضاً يُعالج بالأدوية والمداواة، بل هو شعورٌ سلبيّ وانقباض يعتري الصدر فيضيّق على المرء عيشه، فهو حالةٌ يشعر خلالها المرء بالعجز عن تحصيل خير أو دفع سوء، وقد يصاحبه شماتة الأعداء وبعد الأصدقاء، فيُصاب حينها المرء بالقهر، وهو ما أسماه النبي عليه السلام بقهر الرجال.[٣][٥]
وأمّا كيفيّة التخلّص من قهر الرجال فأوّل ما يكون بالإقبال على الله سبحانه، واللجوء إليه بدفع البلاء وتيسير طيب العيش، وحُسن التوكّل على الله -سبحانه-، وإدراك أنّ كلّ ما يواجه المسلم في حياته هو بإرادة الله -تعالى- وحكمته، فمن أدرك وجود حكمةٍ لله سبحانه في أمره هان عليه ما يلاقي من امتحانات، وعلى المرء إن أصابته ضرّاء أن يحتسب أجر هذا المُصاب عند الله تعالى، فبهذا ينال الأجور العظيمة طالما أنّ البلاء قد حلّ على كلّ حال، ولا شكّ أن الشعور بالرّضا عن الحال يهوّن المُصاب ويكون سبباً في زواله أو تخفيف مقته وصعوبته، وبعد كلّ ذلك يجب على المرء أن يأخذ بالأسباب دائماً، فلا يعرّض نفسه للمهالك أو المواقف التي يظنّ أنّ فيها العسر والمقت، حتّى لا يكون هو السبب في إلحاق القهر والمقت لنفسه.[٥]
أذكار أخرى لدفع الهمّ والحزَن
ذكر العلماء والمشايخ العديد من الأذكار والأدعية الواردة في سنّة النبي عليه السلام التي تناسب من اعتراه همّ وغمّ وضاقت عليه نفسه، ومن ذلك الإكثار من قول (حسبي الله ونعم الوكيل)؛ فهي إعلان التفويض من العبد لربّه في تسيير شؤونه على الوجه الذي يراه خيراً له، وكذلك من الأذكار الإكثار من الحوقلة بقول (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وقبل ذلك كلّه يُفضّل أن يتمسّك المسلم بالإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي كفاية للهموم ومغفرة للذنوب، وقد ورد عنه أيضاً غير الأذكار أدعية أوصى بها من اعتراه همّ أو غمّ أن يكثر من ترديدها حتّى يكشف الله همّه، فيما يأتي تعدادٌ لبعض ما ورد عن النبي من أحاديث لكشف الهمّ والغمّ:[٦]
- وصيّة النبي -صلى الله عليه وسلّم- لمن أصابه مكروه أو همّ وغمّ أن يكثر من قول: (اللَّهمَّ رحمتَكَ أرجو فلا تكِلْني إلى نفسي طرفةَ عينٍ وأصلِحْ لي شأني كلَّه لا إلهَ إلَّا أنتَ).[٧]
- تعليم النبي -عليه السلام- صحابته دعاءً عظيماً ينبغي لكلّ من سمعه أن يتعلّمه لعظيم فضله عند الله سبحانه، وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما قال عبدٌ قطُّ إذا أصابه هَمٌّ أو حُزْنٌ: اللَّهمَّ إنِّي عبدُكَ ابنُ عبدِكَ ابنُ أَمَتِكَ ناصِيَتي بيدِكَ ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فيَّ قضاؤُكَ أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ سمَّيْتَ به نفسَكَ أو أنزَلْتَه في كتابِكَ أو علَّمْتَه أحَدًا مِن خَلْقِكَ أوِ استأثَرْتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَكَ أنْ تجعَلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ بصَري وجِلاءَ حُزْني وذَهابَ همِّي إلَّا أذهَب اللهُ همَّه وأبدَله مكانَ حُزْنِه فرَحًا، قالوا: يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أنْ نتعلَّمَ هذه الكلماتِ؟ قال: (أجَلْ، ينبغي لِمَن سمِعهنَّ أنْ يتعلَّمَهنَّ)).[٨]
- ملازمة النبي -عليه السلام- عند الكرب لدعاء: (لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السماواتِ وربُّ الأرضِ، وربُّ العرشِ الكريمِ)،[٩] وهو قدوة للمسلمين في ذلك.
- وصيّة النبي عليه السلام لأسماء بنت عميس إذا اعتراها همّ وكرب أن تُكثر من قول: (ألا أعلِّمُكِ كلِماتٍ تَقولينَهُنَّ عندَ الكَربِ أو في الكَربِ؟ اللَّهُ اللَّهُ ربِّي لا أشرِكُ بِهِ شيئًا).[١٠]
المراجع
- ↑ سورة فاطر، آية: 34.
- ↑ سورة النحل، آية: 97.
- ^ أ ب "اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-27. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2864، صحيح.
- ^ أ ب "قهر الرجال كيف تتجنبه وكيف تتخلص منه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-27. بتصرّف.
- ↑ "الذكر عند الكرب والهم"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-27. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي بكر الصدّيق، الصفحة أو الرقم: 970 ، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 972، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6346 ، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أسماء بنت عميس، الصفحة أو الرقم: 1525 ، صحيح.