محتويات
خلع الربيع على غصون البان
خلعَ الربيعُ على غصونِ البانِ
- حللاً، فواضلها على الكثبانِ
ونمتْ فروعُ الدوحِ حتى صافحتْ
- كفلَ الكثيبِ ذوائبُ الأغصانِ
وتتوجتْ بسطُ الرياضِ، فزهرها
- خدَّ الرياضِ شقائقُ النعمانِ
وتنوعتُ بسطُ الرياضِ، فزهرُها
- متباينٌ الأشكالِ والألوانِ
مِن أبيَضٍ يَقَقٍ وأصفَرَ فاقِعٍ،
- أو أزرَقٍ صافٍ، وأحمَرَ قاني
والظلُّ يسرقُ في الخمائلِ خطوهُ،
- والغُصنُ يَخطِرُ خِطرَة َ النَّشوانِ
وكأنما الأغصانُ سوقُ رواقصٍن
- قَد قُيّدَتْ بسَلاسِلِ الرَّيحانِ
والشمسُ تنظرُ من خلالِ فروعها،
- نحوَ الحدائقِ نظرة َ الغيرانِ
والطلعُ في خلبِ الكمامِ كأنهُ
- حللٌ تفتقُ عن نحورِ غوانِ
والأرضُ تَعجبُ كيفَ نضحكُ والحيا
- يبكي بدمعٍ دائمِ الهملانِ
حتى إذا افترتْ مباسمُ زهرِها،
- وبَكى السّحابُ بمَدمَعٍ هَتّانِ
ظلتْ حدائقهُ تعاتبُ جونهُ،
- فأجابَ معتذراً بغيرِ لسانِ
طفحَ السرورُ عليّ حتى إنهُ
- مِن عِظمِ ما قَد سَرّني أبكاني
فاصرفْ همومكَ بالربيعِ وفصلهِ،
- إنّ الرّبيعَ هوَ الشّبابُ الّثاني
إنّي، وقد صفَتِ المياهُ وزُخرفَتْ
- جَنّاتُ مِصرَ وأشرَقَ الهَرَمانِ
واخضرّ واديها وحدقَ زهرُهُ
وبهِ الجواري المنشآتُ كأنّها
- أعلامُ بيدٍ، أو فروعُ قنانِ
نهضتْ بأجنحة ِ القلوعِ كأنّها
- عندَ المَسيرِ تَهُمُّ بالطّيَرانِ
والماءُ يسرعُ في التدفقِ كلما
- عجلتْ عليهِ يدُ النسيمِ الواني[١]
آذار أقبل قم بنا يا صاح
آذار أقبل قم بنا يا صاح
- حىّ الربيع حديقة الأرواح
واجمع ندامى الظرف تحت لوائه
- وانشر بساحته بساط الرياح
صفو أُتيح فخذ لنفسك قسطها
- فالصفو ليس على المدى بمتاح
واجلس بضاحكة الرياض مصفقا
- لتجاوب الأوتار والأقداح
ربت كندمان الملوك خلالهم
- وتجملوا بمروءة وسماح
ملك النبات فكل أرض داره
- تلقاه بالأعراس والأفراح
منشورة أعلامه من أحمر
- قان وأبيضَ في الربى لماح
لَبِسَتْ لِمَقْدَمِهِ الْخَمَائِلُ وَشْيَهَا
- وَمَرِحْنَ فِي كَتِفٍ لَهُ وَجَنَاحِ
الوَرْدُ فِي سُرَرِ الْغُصُونِ مُفَتَّحٌ
- مُتَقَابِلٌ يُثْنِي عَلَى الفَتَّاحِ
مَرَّ النَّسِيمُ بِصَفْحَتَيْهِ مُقَبِّلاً
- مَرَّ الشِّفَاهِ عَلَى خُدُودِ مِلاحِ
هَتَكَ الرَّدَى مِنْ حُسْنِهِ وَبَهَائِهِ
- بِاللَّيْلِ مَا نَسَجَتْ يَدُ الإِصْبَاحِ
يُنْبِيكَ مَصْرَعُهُ، وَكُلٌّ زِائِلٌ
- أَنَّ الْحَيَاةَ كَغَدْوَةٍ وَرَوَاحِ[٢]
السادة الباقون
برق الربيع لنا برونق مائه
- فانظر لروعة ِ أرضه وسمائهِ
فالترب بين ممسك ومعنبر
- من نوره بل مائه وروائه
والماء بين مُصندل ومكفر
- من حسن كدرته ولون صفائه
والطير مثل المحسنات صوادح
- مثل المغنّي شادياً بغنائه
والورد ليس بمسك رياه بل
- يُهدي لنا نفحاته من مائه
زمن الربيع جلبت أزكى متجر
- وجلوت للرائين خير جلائه
فكأنه هذا الرئيس إذا بدا
- في خلقه وصفائه وعطائهِ
يعشو إليه المجتدي والمجتني
- والمجتوي هو هارب بذَمائه
ما البحر في تزخاره والغيث في
- أمطاره والجود في أنوائهِ
بأجلّ منه مو اهباً ورغائباً
- لا زال هذا المجد حول فنائه
والسادة الباقون سادة عصره
رقت حواشي الدهر فهي تمرمر
رقتْ حواشي الدهرُ فهيَ تمرمرُ
- وغَدَا الثَّرَى في حَلْيِهِ يَتكسَّرُ
نَزلَتْ مُقَدمَة ُ المَصِيفِ حَمِيدة ً
- ويدُ الشتاءِ جديدة ُ لا تكفرُ
لولا الذي غرسَ الشتاءُ بكفهِ
- لاَقَى المَصِيفُ هَشَائِماً لاتُثْمِرُ
كمْ ليلة ٍ آسى البلادَ بنفسهِ
- فيها ويَوْمٍ وَبْلُهُ مُثْعَنْجِرُ
مَطَرٌ يَذُوبُ الصَّحْوُ منه وبَعْدَه
- صَحْوٌ يَكادُ مِنَ الغَضَارة يُمْطِرُ
غَيْثَانِ فالأَنْوَاءُ غَيْثٌ ظاهِرٌ
- لكَ وجههُ والصحوُ غيثٌ مضمرٌ
وندى ً إذا ادهنتْ بهِ لممُ الثرى
- خِلْتَ السحابَ أتاهُ وهو مُعَذرُ
أربيعنا في تسعَ عشرة َ حجة ً
- حَقّاً لَهِنَّكَ لَلرَّبيعُ الأزْهَرُ
ما كانتِ الأيامُ تسلبُ بهجة ً
- لو أنَّ حسنَ الروضِ كانَ يعمرُ
أولا ترى الأشياءَ إنْ هيَ غيرتْ
- سَمُجتْ وحُسْنُ الأرْضِ حِينَ تُغَيَّرُ
يا صاحِبَيَّ تَقصَّيا نَظرَيْكُمَا
- تريا وجوهَ الأرضِ كيفَ تصورُ
تريا نهاراً مشمساً قد شابهُ
- زهرُ الربا فكأنما هو مقمرُ
دنيا معاشٌ للورى حتى إذا
- جليَ الربيعُ فإنما هيَ منظرُ
أضحتْ تصوغُ بطونها لظهورها
- نَوْراً تكادُ له القُلوبُ تُنَورُ
مِن كل زَاهِرَة ٍ تَرقْرَقُ بالنَّدَى
- فكأنها عينٌ عليهِ تحدرُ[٤]
أكان الصبا إلا خيالا مسلما
أتَاكَ الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً
- منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا
وَقَد نَبّهَ النّوْرُوزُ في غَلَسِ الدّجَى
- أوائِلَ وَرْدٍ كُنّ بالأمْسِ نُوَّمَا
يُفَتّقُهَا بَرْدُ النّدَى، فكَأنّهُ
- يَنِثُّ حَديثاً كانَ قَبلُ مُكَتَّمَا
وَمِنْ شَجَرٍ رَدّ الرّبيعُ لِبَاسَهُ
- عَلَيْهِ، كَمَا نَشَّرْتَ وَشْياً مُنَمْنَما
أحَلَّ، فأبْدَى لِلْعُيونِ بَشَاشَةً،
- وَكَانَ قَذًى لِلْعَينِ، إذْ كانَ مُحْرِما
وَرَقّ نَسيمُ الرّيحِ، حتّى حَسِبْتُهُ
- يَجىءُ بأنْفَاسِ الأحِبّةِ، نُعَّمَا[٥]
مرحى ومرحى يا ربيع العام
مرحى ومرحى يا ربيع العامِ
- أشرق فدْتك مشارقُ الأيامِ
بعد الشتاء وبعد طولِ عبوسه
- أرِنا بشاشةَ ثغرِكَ البسّامِ
وابعث لنا أرجَ النسيمِ معطراً
- متخطراً كخواطر الأحلامِ[٦]
مرحباً بالربيع
وَرَدَ الرَّبيعُ، فمرحَباً بوُرُودِهِ،
- وبنُورِ بَهجَتِهِ، ونَوْرِ وُرُودِهِ
وبحُسنِ مَنظَرِهِ وطيبِ نَسيمِهِ،
- وأنيقِ ملبسهِ ووشي برودهِ
فصلٌ، إذا افتخرَ الزمانُ، فإنهُ
- إنسانُ مُقلَتِهِ، وبَيتُ قَصيدِهِ
يُغني المِزاجَ عن العِلاجِ نَسيمُهُ،
- باللطفِ عندَ هبوبهِ وركودهِ
يا حبذا أزهارهُ وثمارهُ،
- ونباتُ ناجمهِ، وحبُّ حصيدهِ
وتَجاوُبُ الأطيارِ في أشجارِهِ،
- كَبَناتِ مَعبَدَ في مَواجِبِ عُودِهِ
والغصنُ قد كُسِيَ الغَلائلَ، بعدَما
- أخَذَتْ يَدا كانونَ في تَجرِيدِهِ
نالَ الصِّبَا بعدَ المَشيبِ، وقد جَرَى
- ماءُ الشبيبة ِ في منابتِ عودهِ
والوردُ في أعلى الغصونِ، كأنهُ
- ملكٌ تحفّ بهِ سراة ُ جنودهِ
وكأنما القداحُ سمطُ لآلىء ٍ،
- هو للقضيبِ قلادة ٌ في جيدهِ
والياسَمينُ كعاشِقٍ قد شَفّهُ
- جورُ الحبيبِ بهجرهِ وصدودهِ
وانظرْ لنرجسهِ الشهيّ كأنهُ
- طرفٌ تنبيهَ بعدَ طولِ هجودهِ
واعجبْ لأذريونهِ وبهارهِ،
- كالتبر يزهو باختلافِ نقودهِ
وانظُرْ إلى المَنظُومِ من مَنثُورِهِ،
- متنوعاً بفصولهِ وعقودهِ
أو ما ترى الغيمَ الرقيقَ، وما بدا
- للعَينِ من أشكالِهِ وطُرُودِهِ
والسّحبُ تَعقُدُ في السّماءِ مآتماً،
- والأرضُ في عُرسِ الزّمانِ وعيدِهِ
ندبتْ فشقّ لها الشقيقُ جيوبهُ،
- وازرَقّ سَوسَنُها للَطمِ خُدودِهِ
والماءُ في تيارِ دجلة َ مطلقٌ،
- والجِسرُ في أصفادِهِ وقُيُودِهِ
والغيمُ يحكي الماءَ في جريانهِ،
- والماءُ يحكي الغيمَ في تجعيدهِ
فابكُرْ إلى رَوضٍ أنيقٍ ظِلُّهُ،
- فالعيشُ بينَ بسيطهِ ومديدهِ
وإذا رأيتَ جَديدَ روضٍ ناضرٍ،
- فارشفْ عتيقَ الراحِ فوقَ جديدهِ
من كفّ ذي هيفٍ يضاعفُ خلقُه
- سُكرَ المُدامِ بشَدوِهِ ونَشيدِهِ
صافي الأديمِ تَرَى ، إذا شاهَدتَهُ،
- تِمثالَ شَخصِكَ في صَفاءِ خُدودِهِ
وإذا بَلَغتَ من المُدامَة ِ غايَة ً،
- فأقلِلْ لتُذكي الفَهمَ بعدَ خُمودِهِ
إنّ المُدامَ، إذا تَزايَدَ حَدُّها
- في الشّربِ، كان النّقصُ في محدودِهِ[٧]
الربيع الفاتن في نجد
جاء الربيع فماس الكون ترحيبا
- وغنت الورق فوق الأيك تطريبا
وصارت الأرض مخضرا جوانبها
- بالنبت تلقاه مفروشا ومنصوبا
فلو نظرت ضحى نحو الرياض وما
- فيها من الحسن مبثوثا ومسكوبا
وطالعت عينك الأزهار باسمة
- والطير صادحة والماء مصبوبا
أيقنت أن الربيع الغض مؤتلقا
- مغنى من الخلد لكن ليس محجوبا
ثم أرتمت عنك آلام الحياة كما
- قد أسعد الأمل المحبوب مكروبا
فهل غدوت إلى أعشاب مشجرة
- كيما ترى بكمال العيش مصحوبا
ورحت تنظر تصعيدا إلى أفق
- ناء وطورا إلى الاشجار تصويبا
وأبصرت عينك الغدرانصافية
- تصطف من حولها الأزهار ترتيبا
لأنت نشوان رحب الصدر حين ترى
- وجه السماء بوجه الأرض مقلوبا
قل للذي زار لبنانا وجنته
- فبات من عقله المخدوع مسلوبا
لا تذهبن بك الذكرى مجنحة
- وترتقي بك فوق السحب منهوبا
فنجد لبنان في فصل الربيع لذا
- أمسى الجمال لنجد اليوم منسوبا
انظر إلى الربوات الفيح قد خلعت
- يد الجلال عليهن الجلابيبا
وانشق شذا عرفها الفواح في دعة
- وشمَّ فيها نسيما يحمل الطيبا
فمن خزامى إلى رند يضوع بما
- يشفي الصدور ويقضي الهم محروبا
ومن مغان بها الآرام واثبة
- يرحمن ما خفن قناصا ولا ذيبا
يقطفن نور الربى الخضراء في جذل
- وينتحن لجين الماء مشروبا
مفاتن تدع الأشجان نافرة
- من القلوب وتكسو النفس تهذيبا
لو أوتي الطير إفصاحا ومعرفة
- لراح ينظم فيها الشعر تشبيبا
فاجعل لها ساعة وانعم بمشهدها
- إن كنت تلمس في دنياك تعذيبا
واخلص النفس مما قد أضر بها
- ما دمت من نفحات الحسن موهوبا
تلك الطبيعة فانهل من مناهلها
- وقف بها كي ترى فيها الأعاجيبا
يعلو بك الفكر في تمجيد مبدعها
- من أحسن الخلق تكوينا وأسلوبا
حتى بروح لسان الحال منطلقا
- بين التلال رفيع الصوت مرعوبا
يا ملبس الكون أثوابا مصبغة
- من الجمال سهولا أو أهاضيبا
ريع الشتاء فولي مدبرا وبدا
- وجه الربيع ضحوكا الثغر محبوبا
وما تروق لنا أصناف روعته
- حتى يزول بلف الصيف منكوبا
جعلت أيامنا نوعين منك فذا
- يبدو رهيبا ذاك مرغوبا[٨]
المراجع
- ↑ "خلعَ الربيعُ على غصونِ البانِ"، adab، اطّلع عليه بتاريخ 12-2-2019.
- ↑ "آذار أقبل قم بنا يا صاح"، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 12-2-2019.
- ↑ بديع الزمان الهمذاني، كتاب ديوان بديع الزمان الهمذاني، صفحة 30.
- ↑ "رقتْ حواشي الدهرُ فهيَ تمرمرُ"، adab، اطّلع عليه بتاريخ 12-2-2019.
- ↑ "أكان الصبا إلّا خيالا مُسلِّما"، adab، اطّلع عليه بتاريخ 12-2-2019.
- ↑ "مرحى ومرحى يا ربيع العام"، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 12-2-2019.
- ↑ صفي الدين الحلي، كتاب ديوان صفي الدين الحلي، صفحة 551.
- ↑ "الربيع الفاتن في نجد"، adab، اطّلع عليه بتاريخ 12-2-2019.