محتويات
أثر السفر في الصيام
تتميّز الشّريعة الإسلاميّة بكَوْنها سهلةً يسيرةً، ويظهر ذلك في الكثير من الأحكام والحالات التي تطرأ على الإنسان، ومنها: السَّفَر، والمرض، فقد أباحت الشريعة للمسافر الفِطْر في رمضان، مع ترتُّب القضاء عليه بعد رمضان، قال -تعالى-: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)،[١][٢] ويُراد بالسَّفَر: مغادرة مَحلّ الإقامة، وقَطع المسافات، مع عَقْد النيّة على ذلك،[٣] إلّا أنّ السَّفَر الذي يُبيح الترخُّص في الأحكام والمسائل الشرعيّة مقيّدٌ ببعض الأمور؛ فلا بُدّ أن تزيد مسافة السَّفَر المُبيحة للفِطْر عن واحدٍ وثمانين كيلومتراً، وقد اشترط جمهور العلماء من الحنفيّة، والشافعيّة، والمالكيّة دخول وقت الصيام أثناء السَّفَر؛ كأن يبدأ المسير في الليل قبل طلوع الفَجْر، وليس في النهار، أمّا الحنابلة فأجازوا الفِطْر للمسافر إن سافر وغادر البلد في النهار.[٤]
حُكم مَن جامَع زوجته في نهار رمضان وهو مسافرٌ
لا تترتّب كفّارةٌ على الجماع في نهار رمضان إن كان كلا الطرفَين مُسافرَين، بل يجب قضاء ذلك اليوم فقط؛ فالمسافر يُباح له الفِطْر في نهار رمضان؛ سواء بالأكل، أو الشُّرب، أو الجماع، أمّا إن كان أحد الطرفَين مسافراً مُفطِراً، والآخر مُقيماً صائماً، فلا يجوز للصائم المُقيم الترخُّص وإفطار نهار رمضان.[٥]
وتجدر الإشارة إلى اختلاف العلماء في حُكم الإمساك بقيّة اليوم لِمَن أفطر بعُذرٍ، ثمّ زال عُذره، وذهبوا في ذلك إلى ثلاثة أقوالٍ، بيانها آتياً:[٦]
- القول الأوّل: قال الحنفيّة، والحنابلة بوجوب الإمساك بقيّة اليوم على مَن أفطر بعُذرٍ ثمّ زال عُذْره، مثل: الحائض، والنفساء إن طهرتا بعد الفجر، والمسافر الذي أقام، والمريض الذي شُفيَ؛ لحُرمة وقت الصيام وشهر رمضان، مع ترتُّب قضاء ذلك اليوم.
- القول الثاني: قال المالكيّة بعدم استحباب إمساك بقيّة اليوم لِمَن أفطر بعُذرٍ ثمّ زال، كانتهاء الحيض، أو النفاس في نهار رمضان، أو انقضاء السفر، مع جواز التمادي في الفِطْر.
- القول الثالث: قال الشافعيّة باستحباب الإمساك بقيّة اليوم لِمَن انتهى عُذر فِطْره في نهار رمضان؛ لِحُرمة الوقت، فعلى سبيل المثال لا يُلزَم المسافر الذي أقام في نهار رمضان وكان قد أفطر يوم إقامته بإمساك بقيّة اليوم بعد إقامته؛ فانتهاء العُذر بعد الترخُّص به لا يُؤثّر، ولا يُؤخَذ به.
حُكم مَن نوى الصيام ثمّ سافر فجَامع
اختلف العلماء في حُكم الإفطار لِلمسافر الذي نَوى الصيام ليلاً وصام، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانهما فيما يأتي:[٧]
- القول الأوّل: قال الحنفيّة، والمالكيّة بعدم جواز الفِطْر للمسافر الذي عَقد النيّة على الصيام من الليل، أمّا إن أفطر، فلا تترتّب عليه الكفّارة عند الحنفيّة؛ لوجود الشُّبهة، وتترتّب عليه عند المالكيّة؛ لأنّ المسافر كان مُخيَّراً بين الفِطْر وعَدمه، فاختار الصيام، فصار من أهله، فيجب عليه ما يجب عليهم.
- القول الثاني: قال الشافعيّة، والحنابلة بجواز الفِطْر للمسافر الذي نوى الصيام من الليل؛ لأنّ عُذر المسافر ما زال قائماً ولم ينقطع، واستدلّوا أيضاً بحديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ إلى مَكَّةَ في رَمَضَانَ فَصَامَ حتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بقَدَحٍ مِن مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حتَّى نَظَرَ النَّاسُ إلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فقِيلَ له بَعْدَ ذلكَ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قدْ صَامَ، فَقالَ: أُولَئِكَ العُصَاةُ، أُولَئِكَ العُصَاةُ).[٨]
حُكم جِماع المسافر المُفطِر بعد قدومه من السفر
اتّفق العلماء على عدم ترتُّب الكفّارة في حَقّ مَن جامع زوجته في نهار رمضان بعد قدومه من السَّفَر وكان مُفطِراً بسبب سفره، وكانت زوجته مُفطِرةً لعُذرٍ، كمَن طهُرت بعد الفجر من الحيض أو النفاس؛ لأنّ كلّاً منهما أفطرَ بعُذرٍ، فلا تلزمهم الكفّارة، ولم يكن الصيام واجباً عليهم في اليوم الذي جامعا بعضهما فيه، وبالتالي ليس هناك انتهاكٌ لحُرمة الصيام.[٩]
حكم مَن جامع ثمّ سافر
اتّفق العلماء على وجوب الكفّارة في حَقّ مَن جامع زوجته، ثمّ طرأ عليه عُذرٌ، كالمرض، أو السَّفَر؛ لأنّه أفسد يوماً وجب عليه صيامه من رمضان.[١٠]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 184.
- ↑ عبدالله العجلان (2012-2013)، أحكام السفر في الفقه الإسلامي (الطبعة الرابعة)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 221. بتصرّف.
- ↑ عبدالله العجلان (2012-2013)، أحكام السفر في الفقه الإسلامي (الطبعة الرابعة)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 50. بتصرّف.
- ↑ "رخصة الفطر للمسافر اثناء رمضان"، www.aliftaa.jo، 3-11-2010، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2020. بتصرّف.
- ↑ "من جامع امرأته في نهار رمضان وهو مسافر فلا شيء عليه"، islamqa.info، 4-11-2003، اطّلع عليه بتاريخ 9-4-2020. بتصرّف.
- ↑ د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق - سوريا: دار الفكر، صفحة 703-705، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية (1993)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 50-51، جزء 28. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 1114، صحيح.
- ↑ رجاء بن عابد المطرفي (2008)، الكفارات في الفقه الاسلامي (الطبعة الاولى)، المدينة المنورة: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 144. بتصرّف.
- ↑ عبدالرحمن القحطاني (1406)، الإحكام شرح أصول الأحكام (الطبعة الثانية)، صفحة 248، جزء 2. بتصرّف.