الحج
شرع الله تعالى العبادات وكلَّف بها عباده المسلمين، وجُعلت العبادة إحدى غايات خَلق الله تعالى لخَلقه، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[١] ولعلَّ من أجلِّ العبادات وأهمها وأكثرها أثراً على المسلمين مجتمعين في شتَّى بقاع الأرض على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومساكنهم: عبادة الحجِّ، التي يشدُّ القادرون من المسلمين الرِّحال لأدائها في أشهر مخصوصةٍ من العام، قاصدين بيت الله الحرام والمشاعر المقدَّسة.
تعريف الحجِّ وحكمه
الحجُّ في اللغة مشتقٌّ من الجذر اللغوي حجج، الحاء والجيم المضعَّفة راجعةٌ إلى أصولٍ أربعة، أوَّلها الحِجَّة بمعنى السَّنة، ومنه قول الله تعالى كما جاء في قصة موسى -عليه السَّلام-: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ)،[٢] وثانيها الحِجاج؛ وهو العظم المستدير الذي يكون حول العينين، وثالثها الحجحجة أي النُّكوص، والأصل الرابع فهو القصد، ومنه الحجُّ إلى بيت الله الحرام؛ أي قصده بالزيارة، وهو المعنى المراد هنا.[٣]
وأمَّا الحجُّ في الاصطلاح الفقهي، فيراد به قصد بيت الله الحرام والمشاعر المقدَّسة، وذلك في أشهرٍ معلوماتٍ، لأداء أعمالٍ مخصوصةٍ وفق شروطٍ وهيئةٍ محدَّدةٍ، وهذه الأعمال بحسب جمهور الفقهاء هي الوقوف بعرفة والطَّواف بالبيت الحرام والسَّعي بين الصَّفا والمروة،[٤] وقد جاء في قول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).[٥]
والحجُّ ركنٌ من أركان الإسلام، وهو فرضٌ على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ قادرٍ عليه مستطيعٍ إليه، والنُّصوص الواردة في فرضه كثيرةٌ؛ منها قول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،[٦] والإجماع منعقدٌ على أنَّ الحجَّ فرضٌ على المسلم القادر، ومن أنكره وجحد فرضه يعتبر كافراً؛ لإنكاره معلوماً من الدين بالضرورة.[٤]
شرح مناسك الحجِّ
قبل الشُّروع في تفصيل مناسك الحجِّ، لا بدَّ من تبيان أنَّ الحاجَّ إذ يخرج ناوياً الحجَّ، فعليه اختيار وتحديد نوع النُّسك الذي سيختاره ويُحرم به، فثمَّة أنواعٌ ثلاثة لنسك الحجِّ يختار الحاجُّ قبل الإحرام للحجِّ أحدها، وهذه الأنواع هي:[٧]
- حجُّ التَّمتُّع: وهو أن يُحرِم الحاجُّ للعمرة وحدها في أشهر الحجِّ، فإذا وصل مكَّة المكرَّمة، طاف بالبيت الحرام وسعى بين الصَّفا والمروة، وتحلَّل من إحرامه، ثمَّ عاد ليجدِّد إحرامه للحجِّ في اليوم الثَّامن من شهر ذي الحجَّة من مكانه.
- حجُّ القِران: وهو أن يُحرِم بالعمرة والحجِّ معاً وبقرن بينهما.
- حجُّ الإفراد: وهو الإحرام بالحجِّ وحده.
في اليوم الثَّامن من شهر ذي الحجَّة وهو اليوم المعروف بيوم التَّروية، يجدِّد من كان من الحجَّاج متمتِعاً أو من كان من أهل مكَّة إحرامهم ويخرجون جميعاً إلى مِنى للمبيت فيها، ويؤدون فيها صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر اليوم التَّاسع، فإذا أدَّوا صلاة الفجر في اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة أي يوم عرفة، انتقل الحُجَّاج إلى جبل عرفة؛ استعداداً للوقوف به. ويسنُّ أَلَّا يقف بعرفة إلا بعد زوال الشَّمس -أي دخول وقت الظُّهر- وأداء صلاتي الظُّهر والعصر قصراً وجمع تقديمٍ، ثمَّ يقف بعرفةً منشغلاً بالدُّعاء والذِّكر ومناجاة الله -عزَّ وجلَّ- حتى غروب شمس هذا اليوم، فإذا غربت الشَّمس بدأ الحُجَّاج بالنفير إلى مزدلفة، ويصلون فيها المغرب والعشاء جمع تأخيرٍ، ويبيتون فيها ويصلُّون فجر اليوم العاشر فيها كذلك. والمبيت بمزدلفة واجبٌ عند جمهور الفقهاء، ويستحبُّ للحجَّاج التقاط الجمرات وجمعها من مزدلفة؛ استعداداً لرميها في اليوم العاشر من ذي الحجَّة.[٤]
وفي اليوم العاشر من ذي الحجَّة، وهو اليوم المعروف بيوم النَّحر، وفيه أكثر أعمال الحجِّ، يقوم الحُجَّاج بالذَّهاب إلى مِنى، ورمي جمرة العقبة أو الجمرة الكُبرى، فيرمون في هذه الجمرة بسبع حصيات، يكبِّرون عند رمي كلِّ حصاة، ويقطعون التَّلبية عند البدء برمي الجمرات، ثمَّ يقومون بذبح الهدي، وذبحه واجبٌ في حقِّ المتمتِّع والقارن وسنَّةٌ في حقِّ الحاجِّ المُفرِد، ويتحلَّل الحُجَّاج بعدها التَّحلُّل الأول أو الأصغر، فيحلقون ويقصِّرون، ويحلُّ لهم بذلك ما كان محظوراً عليهم سابقاً باستثناء الوطئ والجماع، ويتوجهون بعد ذلك إلى مكَّة لأداء طواف الإفاضة ويسمَّى كذلك طواف الزِّيارة، ويسعى بين الصَّفا والمروة من لم يسعَ منهم عند أول قدومه لمكة، ويتحلَّلون بعدها التَّحلُّل الثَّاني أو التَّحلُّل الأكبر الذي يبيح لهم كلَّ ما كان محظوراً عليهم.[٤]
وفي اليومين الحادي عشر والثَّاني عشر من ذي الحجَّة أو ما يعرف بثاني وثالث أيام النَّحر، أو أول وثاني أيام التَّشريق، يقوم الحجَّاج في هذين اليومين بالمكوث في مِنى، ويعتبر المبيت فيها في هذين اليومين واجباً عند جمهور الفقهاء، فيقومون برمي ثلاث جمراتٍ في كلِّ يومٍ من هذين اليومين، وهي: الجمرة الأولى أو الصُّغرى، والجمرة الثَّانية أو الوسطى، والجمرة الثَّالثة التي تعرف بالجمرة الكبرى أو جمرة العقبة، يرمي في كلِّ واحدةٍ من هذه الجمرات بسبع حصياتٍ، ويكرِّر ذلك ويرمي بذات الجمرات الثَّلاثة في اليوم الثالث عشر من ذي الحجَّة ثالث أيام التَّشريق من لم يكن من الحجَّاج متعجِّلاً، فمن تعجَّل وخرج من منى بعد رمي جمرات اليوم الثاني من أيام التَّشريق فلا إثم ولا حرج عليه، بدليل قول الله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)،[٨] وبعد ذلك يتبقَّى على الحُجَّاج العودة إلى مكَّة لأداء طواف الوداع؛ حتى يكون آخر عهده من الحجِّ بيتُ الله الحرام.[٤]
المراجع
- ↑ سورة الذاريات، آية: 56.
- ↑ سورة القصص، آية: من الآية 27.
- ↑ ابن فارس (1979)، مقاييس اللغة، دمشق: دار الفكر، صفحة 29-31، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 23-48، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 197.
- ↑ سورة آل عمران، آية: من الآية 97.
- ↑ "أنواع الحج أركانه وواجباته وسننه"، ar.islamway.net، 15-9-2015، اطّلع عليه بتاريخ 29-9-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 203.