على قدر أهل العزم
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
- وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
- وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ
- وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ
وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ
- وَذَلِكَ ما لا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ
يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمرًا سِلاحَهُ
- نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ
- وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها
- وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ
سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ
- فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا
- وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ
وَكانَ بِها مِثلُ الجُنونِ فَأَصبَحَت
- وَمِن جُثَثِ القَتلى عَلَيها تَمائِمُ
طَريدَةُ دَهرٍ ساقَها فَرَدَدتَها
- عَلى الدينِ بِالخَطِّيِّ وَالدَهرُ راغِمُ
تُفيتُ اللَيالي كُلَّ شَيءٍ أَخَذتَهُ
- وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ
إِذا كانَ ما تَنويهِ فِعلاً مُضارِعًا
- مَضى قَبلَ أَن تُلقى عَلَيهِ الجَوازِمُ
وَكَيفَ تُرَجّي الرومُ وَالروسُ هَدمَها
- وَذا الطَعنُ آساسٌ لَها وَدَعائِمُ
وَقَد حاكَموها وَالمَنايا حَواكِمٌ
- فَما ماتَ مَظلومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
أَتوكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُم
- سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ
إِذا بَرَقوا لَم تُعرَفِ البيضُ مِنهُمُ
- ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ
خَميسٌ بِشَرقِ الأَرضِ وَالغَربِ زَحفُهُ
- وَفي أُذُنِ الجَوزاءِ مِنهُ زَمازِمُ
تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وَأُمَّةٍ
- فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلا التَراجِمُ
فَلِلهِ وَقتٌ ذَوَّبَ الغِشَّ نارُهُ
- فَلَم يَبقَ إِلّا صارِمٌ أَو ضُبارِمُ
تَقَطَّعَ ما لا يَقطَعُ الدِرعَ وَالقَنا
- وَفَرَّ مِنَ الأَبطالِ مَن لا يُصادِمُ
وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ
- كَأَنَّكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ
تَمُرُّ بِكَ الأَبطالُ كَلمى هَزيمَةً
- وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ
تَجاوَزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنُهى
- إِلى قَولِ قَومٍ أَنتَ بِالغَيبِ عالِمُ
ضَمَمتَ جَناحَيهِم عَلى القَلبِ ضَمَّةً
- تَموتُ الخَوافي تَحتَها وَالقَوادِمُ
بِضَربٍ أَتى الهاماتِ وَالنَصرُ غائِبُ
- وَصارَ إِلى اللَبّاتِ وَالنَصرُ قادِمُ
حَقَرتَ الرُدَينِيّاتِ حَتّى طَرَحتَها
- وَحَتّى كَأَنَّ السَيفَ لِلرُمحِ شاتِمُ
وَمَن طَلَبَ الفَتحَ الجَليلَ فَإِنَّما
- مَفاتيحُهُ البيضُ الخِفافُ الصَوارِمُ
نَثَرتَهُمُ فَوقَ الأُحَيدِبِ نَثرَةً
- كَما نُثِرَت فَوقَ العَروسِ الدَراهِمُ
تَدوسُ بِكَ الخَيلُ الوُكورَ عَلى الذُرى
- وَقَد كَثُرَت حَولَ الوُكورِ المَطاعِمُ
تَظُنُّ فِراخُ الفُتخِ أَنَّكَ زُرتَها
- بِأُمّاتِها وَهيَ العِتاقُ الصَلادِمُ
إِذا زَلِقت مَشَّيتَها بِبِطونِها
- كَما تَتَمَشّى في الصَعيدِ الأَراقِمُ
أَفي كُلِّ يَومٍ ذا الدُمُستُقُ مُقدِمٌ
- قَفاهُ عَلى الإِقدامِ لِلوَجهِ لائِمُ
أَيُنكِرُ ريحَ اللَيثَ حَتّى يَذوقَهُ
- وَقَد عَرَفَت ريحَ اللُيوثِ البَهائِمُ
وَقَد فَجَعَتهُ بِاِبنِهِ وَاِبنِ صِهرِهِ
- وَبِالصِهرِ حَملاتُ الأَميرِ الغَواشِمُ
مَضى يَشكُرُ الأَصحابَ في فَوتِهِ الظُبا
- بِما شَغَلَتها هامُهُم وَالمَعاصِمُ
وَيَفهَمُ صَوتَ المَشرَفِيَّةِ فيهِمُ
- عَلى أَنَّ أَصواتَ السُيوفِ أَعاجِمُ
يُسَرُّ بِما أَعطاكَ لا عَن جَهالَةٍ
- وَلَكِنَّ مَغنومًا نَجا مِنكَ غانِمُ
وَلَستَ مَليكًا هازِمًا لِنَظيرِهِ
- وَلَكِنَّكَ التَوحيدُ لِلشِركِ هازِمُ
تَشَرَّفُ عَدنانٌ بِهِ لا رَبيعَةٌ
- وَتَفتَخِرُ الدُنيا بِهِ لا العَواصِمُ
لَكَ الحَمدُ في الدُرِّ الَّذي لِيَ لَفظُهُ
- فَإِنَّكَ مُعطيهِ وَإِنِّي ناظِمُ
وَإِنّي لَتَعدو بي عَطاياكَ في الوَغى
- فَلا أَنا مَذمومٌ وَلا أَنتَ نادِمُ
عَلى كُلِّ طَيّارٍ إِلَيها بِرِجلِهِ
- إِذا وَقَعَت في مِسمَعَيهِ الغَماغِمُ
أَلا أَيُّها السَيفُ الَّذي لَيسَ مُغمَدًا
- وَلا فيهِ مُرتابٌ وَلا مِنهُ عاصِمُ
هَنيئًا لِضَربِ الهامِ وَالمَجدِ وَالعُلا
- وَراجيكَ وَالإِسلامِ أَنَّكَ سالِمُ
وَلِم لا يَقي الرَحمَنُ حَدَّيكَ ما وَقى
- وَتَفليقُهُ هامَ العِدا بِكَ دائِمُ
الخيل والليل والبيداء تعرفني
وَاحَـرّ قَلبـاهُ مـمّن قَلبُـهُ شَبِـمُ
- وَمَن بجِسمـي وَحالي عِنـدَهُ سَقَـمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبًّا قَد بَـرَى جَسَـدي
- وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّولـةِ الأُمَـم ُ
إن كَـانَ يَجمَعُنَـا حُـبٌّ لِغُرّتِـهِ
- فَلَيتَ أنّـا بِقَـدرِ الحُـبّ نَقتَسِـمُ
قد زُرتُهُ وَسُيُـوفُ الهِنـدِ مُغمَـدَةٌ
- وَقـد نَظَـرتُ إلَيـهِ وَالسّيُـوفُ دَمُ
فكـانَ أحسَـنَ خَلـقِ الله كُلّهِـمِ
- وَكانَ أحسنَ ما فِي الأحسَنِ الشّيَـمُ
فَوتُ العَـدُوّ الـذي يَمّمتَـهُ ظَفَـرٌ
- فِـي طَيّـهِ أسَـفٌ فِي طَيّـهِ نِعَـمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ وَاصطنعت
- لَكَ المَهـابَـةُ ما لا تَصنَـعُ البُهَـمُ
ألزَمتَ نَفسَكَ شَيئـاً لَيـسَ يَلزَمُهـا
- أن لا يُـوارِيَهُـم أرضٌ وَلا عَـلَـمُ
أكُلّمَا رُمتَ جَيشـاً فانثَنَـى هَرَبـاً
- تَصَرّفَـت بِـكَ فِي آثَـارِهِ الهِمَـمُ
عَلَيـكَ هَزمُهُـمُ فِي كـلّ مُعتَـرَكٍ
- وَمَا عَلَيـكَ بِهِم عَـارٌ إذا انهَزَمُـوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلـواً سِـوَى ظَفَـرٍ
- تَصافَحَت فيهِ بِيضُ الـهِندِ وَاللِّمـمُ
يا أعدَلَ النّـاسِ إلاّ فِـي مُعامَلَتـي
- فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصمُ وَالحكَـمُ
أُعِيذُهـا نَظَـراتٍ مِنـكَ صادِقَـةً
- أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمـهُ وَرَمُ
وَمَا انتِفَـاعُ أخـي الدّنيَـا بِنَاظِـرِهِ
- إذا استَوَت عِنـدَهُ الأنـوارُ وَالظُّلَـمُ
سَيعلَمُ الجَمعُ مـمّن ضَـمّ مَجلِسُنـا
- بأنّني خَيـرُ مَن تَسعَـى بـهِ قَـدَمُ
أنَا الذي نَظَـرَ الأعمَـى إلى أدَبـي
- وَأسمَعَت كَلِماتـي مَن بـهِ صَمَـمُ
أنَامُ مِلءَ جُفُونـي عَـن شَوَارِدِهَـا
- وَيَسهَـرُ الخَلـقُ جَرّاهَـا وَيختَصِـمُ
وَجاهِلٍ مَـدّهُ فِي جَهلِـهِ ضَحِكـي
- حَتَّـى أتَتـه يَـدٌ فَـرّاسَـةٌ وَفَـمُ
إذا رَأيـتَ نُيُـوبَ اللّيـثِ بـارِزَةً
- فَـلا تَظُـنّـنّ أنّ اللّيـثَ يَبتَسِـمُ
وَمُهجَةٍ مُهجَتـي من هَمّ صَاحِبـها
- أدرَكتُـهَا بجَـوَادٍ ظَـهـرُه حَـرَمُ
رِجلاهُ فِي الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَـدٌ
- وَفِعلُـهُ مَا تُريـدُ الكَـفُّ وَالقَـدَمُ
وَمُرهَفٍ سرتُ بينَ الجَحفَلَيـنِ بـهِ
- حتَّى ضرَبتُ وَمَوجُ المَـوتِ يَلتَطِـمُ
الخَيـلُ وَاللّيـلُ وَالبَيـداءُ تَعرِفُنـي
- وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرطاسُ وَالقَلَـمُ
صَحِبتُ فِي الفَلَواتِ الوَحشَ منفَـرِداً
- حتى تَعَجّبَ منـي القُـورُ وَالأكَـمُ
يَا مَـن يَعِـزّ عَلَينَـا أن نُفَارِقَهُـم
- وَجدانُنا كُلَّ شـيءٍ بَعدَكـم عَـدَمُ
مَا كـانَ أخلَقَنَـا مِنكُـم بتَكرِمَـةٍ
- لَـو أنّ أمرَكُـمُ مِـن أمرِنَـا أمَـمُ
إن كـانَ سَرّكُـمُ ما قالَ حاسِدُنَـا
- فَمَـا لجُـرحٍ إذا أرضـاكُـمُ ألَـمُ
وَبَينَنَـا لَـو رَعَيتُـم ذاكَ مَعـرِفَـةٌ
- إنّ المَعارِفَ فِي أهـلِ النُّهَـى ذِمَـمُ
كم تَطلُبُونَ لَنَـا عَيبـاً فيُعجِزُكـم
- وَيَكـرَهُ الله مـا تَأتُـونَ وَالكَـرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ من شَرَفِـي
- أنَـا الثّرَيّـا وَذانِ الشّيـبُ وَالهَـرَمُ
لَيتَ الغَمَامَ الذي عنـدي صَواعِقُـهُ
- يُزيلُهُـنّ إلـى مَـن عِنـدَهُ الدِّيَـمُ
أرَى النّـوَى يَقتَضينـي كلَّ مَرحَلَـةٍ
- لا تَستَقِـلّ بِهَـا الوَخّـادَةُ الرُّسُـمُ
لَئِـن تَرَكـنَ ضُمَيـراً عَن مَيامِنِنـا
- لَيَحـدُثَـنّ لـمَن وَدّعتُهُـم نَـدَمُ
إذا تَرَحّلـتَ عن قَـومٍ وَقَد قَـدَرُوا
- أن لا تُفـارِقَهُـم فالرّاحِلـونَ هُـمُ
شَرُّ البِـلادِ مَكـانٌ لا صَديـقَ بِـهِ
- وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسـانُ ما يَصِـمُ
وَشَـرُّ ما قَنّصَتـهُ رَاحَتـي قَنَـصٌ
- شُهبُ البُـزاةِ سَـواءٌ فيهِ والرَّخَـمُ
بأيّ لَفـظٍ تَقُـولُ الشّعـرَ زِعنِفَـةٌ
- تَجُوزُ عِنـدَكَ لا عُـربٌ وَلا عَجَـمُ
هَـذا عِتـابُـكَ إلاّ أنّـهُ مِـقَـةٌ
- قـد ضُمّـنَ الـدُّرَّ إلاّ أنّـهُ كَلِـمُ[٢]
يؤمم ذا سيف أماله
يُؤمِّمُ ذا السّيفُ آمَالَهُ
- وَلا يَفعَلُ السّيفَ أفعَالَهُ
إذا سارَ في مَهمَهٍ عَمَّهُ
- وَإن سارَ في جَبل طَالَهُ
وَأنتَ بِمَا نُلتَنَا مَالِكٌ
- يُثَمرُ مِن مَالِهِ مَالَهُ
كأنّكَ ما بَينَنَا ضَيغَمٌ
- يُرَشِّحُ للفَرسِ أشبَالَهُ[٣]
المراجع
- ↑ المتنبي (1983)، ديوان المتنبي، بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، صفحة 385-386-387-388-389.
- ↑ أبو الطيب المتنبي، "الخيل والليل والبيداء تعرفني"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-28.
- ↑ المتنبي، "يؤمم ذا السيف آماله"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-28.