الجهاد
الجهاد من أعظم الأعمال التي من الممكن أن يقوم بها المسلم في حياته؛ لأنّ الجهاد يعني أن يقوم المسلم بالدفاع عن دينه، ووطنه، وأرضه، وعرضه في سبيل الله عزوجل، فمنذ قديم الزمان وأعداء الإسلام يقومون بغزو واستباحة أراضي المسلمين وأوطانهم ودمائهم، لذا فإنّ الله عزوجل شرع الجهاد للمسلمين كي يدافعوا عن أنفسهم، كما جاء في قوله عزوجل : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"، وقد تم تشريع الجهاد لأوّل مرة في العهد المدنيّ، أي بعد هجرة رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام مع المسلمين إلى المدينة المنورة، وقد الجهاد في عهده عليه الصلاة والسلام مرتبطاً بالغزوات ومفردها غزوة، والتي تعني قتال العدو ومحاربته، والهدف من الغزوات هو كسر شوكة الكفار والمشركين في بلاد المسلمين ورفع راية الإسلام عالياً ونشرها في جميع أنحاء العالم، وقد جرت العديد من الغزوات في عهده صلى الله عليه وسلم إذ بلغ عددها 28 غزوة، منها غزوة تبوك التي سنتحدث عنها في هذا المقال.
أحداث غزوة تبوك
غزوة تبوك هي إحدى الغزوات التي حدثت في عهد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وقعت في شهر رجب في السنة التاسعة للهجرة، بعد فتح مكّة، وهي آخر غزوة شارك فيها عليه الصلاة والسلام، ولهذه الغزوة مكانة عظيمة في التاريخ الإسلامي، لأنّ المسلمين فيها استطاعوا إثبات قوّتهم أمام العالم أجمع.
لقد كان السبب الرئيسيّ من هذه الغزوة هو التخلّص من الخطر المحدق بالإسلام والمسلمين من قبل الروم، الذين لم يحتملوا خسارتهم في معركة مؤتة أمام المسلمين، عدا عن ذلك فقد قام المنافقين بمراسلة الروم ودسّ المكائد للمسلمين وارتكاب العديد من الجرائم في حق رسول الله وفي حق المسلمين، كما قاموا ببناء مسجد الضرار لإيهام المسلمين، إلا أنّ هذا المسجد شكل مركزاً لتجمع المنافقين، ولم يدخل الرسول عليه الصلاة والسلام إليه أبداً، وقام بهدمه بعد إنتهاء هذه المعركة، ومن دهاء وخبث المنافقين أنّهم جعلوا الأمور بالنسبة للمسلمين غير واضحة أبداً، إلا أنّهم تأكدوا من نوايا الروم تجاههم من خلال الأنباط القادمين من الشام.
بعد أن تأكّد عليه الصلاة والسلام من نوايا الروم قام بإعداد جيش عظيم وصل عدد مقاتليه إلى 30000 مقاتل، عدا المنافقين الذين لم يخرجوا معهم واختلقوا الأعذار ليبقوا في بيوتهم، فكشفهم الرسول عليه الصلاة والسلام، لذا سمّيت هذه الغزوة بالفاضحة؛ لأنّه فيها تم كشف المنافقين ونواياهم الخبيثة، وخرج عليه الصلاة والسلام بجيشه لمواجهة جيش الروم الذي بلغ عدد مقاتليه 40000 مقاتل، إلا أنّ الجو كان في ذلك الوقت شديد الحرارة والأرض مجدبة، وفي الطريق شحّ الماء والطعام، فأكل المسلمون أوراق الشجر، وفتحوا بطون البعير ليشربوا الماء منها، لذا سمّيت هذه الغزوة أيضاً بغزوة العسرة، للصعوبات والعقبات التي واجهت المسلمين وهم في طريقهم إلى مكان المعركة، كما أنّ بعض المسلمين تخلّفوا عن الخروج إلى هذه الغزوة فعاتبهم الله عزوجل في قوله : " انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ".
عندما وصل المسلمون إلى عين تبوك، وهي مكان الغزوة وإليه نسب اسمها، كان الروم هناك ينتظرون قدومهم، إلا أنّه بمجرد رؤيتهم للمسلمين دبّ في قلوبهم الرعب وفرّوا هاربين خائفين من مواجهة المسلمين، وانتصر المسلمون في هذه المعركة دون قتال ودون سفك دماء، وكان من نتائج هذه المعركة أن دخل حلفاء الروم وهم النصارى لحلف الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين مقابل أن يدفعوا الجزية، كما تمّ إخضاع إمارة دومة الجندل وإمارة أيلة (العقبة) إلى حكم المسلمين.