مشروعية تعدد الزوجات
إنّ الزواج بأكثر من امرأة تشريع قديم أباحته الشرائع السابقة؛ كالتملود والتوراة والمسيحية، ثمّ جاء الإسلامُ وقيَّد تعدد الزوجات، وحدّده بعدد معيّن للحد من الفوضى، ومراعاةً للظروف الأسرية والاجتماعية التي قد تستدعي التعدد،[١] ومن الأدلة على مشروعية تعدد الزوجات قوله تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)،[٢] فالإسلام لم يجعل تعدد الزوجات واجباً ولم يعده أمراً مستحسناً، وإنّما أباحه إباحةً مربوطةً بتفضيل الإكتفاء بزوجةٍ واحدة خاصة عند الخوف من عدم العدل.[٣]
الحكمة من تعدد الزوجات
شرع الله -سبحانه وتعالى- تعدد الزوجات مع القدرة عليه؛ لما فيه من مصالح متعددة تعود على الرجل والمرأة بالنفع والفائدة،[٤] ولحكم متعددة أهمها ما يأتي:[٥]
- معالجة عقم الزَّوجة: يوجد حالات تكون فيها المرأة عقيماً ولا تلد، ويوجد بينها وبين زوجها من المحبة والمودَّة ما يمنعه من تطليقها، وفي طلاقها ظلم لها، وفي نفس الوقت لا يمكن حرمان الزوج من الذُّرية التي هي من أهداف الزواج الرئيسية، ولو منعنا التعدد في هذه الحالة لأدّى ذلك إلى طلاق المرأة، وهو بلا شك أشد ألماً من الزواج عليها بأخرى، فلا نجمع عليها بتطليقها الحرمان من الولد، والزوج الذي يصونها ويكرمها.
- معالجة مرض الزَّوجة: يوجد حالات تتعرض فيها المرأة للإصابة بمرضٍ عُضال، أو مرضٍ مزمن، يصعُب معه القيام بواجباتها تجاه الزَّوج، أو يمنعها من المعاشرة الزوجية، ولكن الزَّوج يرغب بإبقائها زوجةً له، من باب الإخلاص وحق العشرة، وفي نفس الوقت يحتاج إلى زوجة أخرى تقوم بواجباته وتُشبع رغباته الغريزية، وهنا نجد التعدد أفضل من تطليق الزوجة مع حاجتها لرعاية الزوج بسبب مرضها.
- مراعاة كثرة أسفار الزَّوج: إنّ طبيعة عمل بعض الرجال بحاجة إلى كثرة السفر والتنقّل، وقد يبقى في سفره مدةً طويلةً قد تمتد لعدة شهور، أو عدة سنوات، ويَصعُب عليه أن يعيش في سفره وحيداً دون زوجة، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يأخذ زوجته وأبناءه معه كلما سافر، ومع كثرة الفتن في هذا الزمان كان الزواج بأخرى هو الحل لكي يُحصِّن نفسه ويعفّها.
- صلة الرَّحم وكفالة الأيتام: قد يلجأ الرجل إلى التعدد رغبةً منه في صلة الرَّحم، وحل مشكلة اجتماعية بالزواج من امرأة تُوفِّي عنها زوجها وهي قريبة له، وعندها أطفالٌ أيتام يحتاجون إلى الرعاية والحماية، أو قد تكون امرأة عانس، أو امرأة ليس لها من يعولها.
- تقوية أواصر المحبة والمودة بين الناس: إن تعدد الزوجات يجعل المسلم يتزوج من عدة قبائل وعدة عشائر، مما يقوي الترابط بين أفراد المجتمع المسلم، ويزيد التعاون والحب والتآلف بين المسلم وأصهاره وأنسابه، ممّا يُعينه على أمور الدين والدنيا معاً.[٤]
- زيادة أعداد الأمة الإسلامية: إنّ كثرة النسل وزيادة أعداد المواليد في الأمة الإسلامية شيء مقصود ومطلوب، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (تزوَّجوا الودود الولود فإنِّي مُكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة)،[٦][٤] وتكثير عدد المسلمين يحصل بالزواج، ولا شك أنّ تعدد الزوجات سيؤدي إلى كثرة النسل، وهذا سيؤدي بدوره إلى زيادة عدد السكان، ويزيد القِوى العاملة، ويحسّن الاقتصاد، وبالتالي يقوّي الأمة الإسلامية، خاصة عند استثمار موارد الدولة بالشكل المطلوب من قبل أشخاص مؤهّلين لذلك، لا سيّما أنّ الله -تعالى- تكفّل برزق العباد.[٧]
- إعفاف النّاس: يجب على الرجل إذا أراد أن يعدّد إخلاص نيّته في هذا الزواج؛ كإعفاف نفسه، وإعفاف المرأة التي يريد الزواج منها،[٨] لأنّ زيادة عدد النساء من علامات آخر الزمان كما أخبر بذلك النّبي صلى الله عليه وسلم، فكان من رحمة الله -تعالى- أن يتزوج الرجل أربع زوجات فيعفّهن، وينفق عليهن، ويصونهن، فقد لا تجد كل امرأة رجل يكون لها وحدها، وتعود زيادة عدد النساء إلى الحروب،[٤] وإلى طبيعة الأعمال التي يقوم بها الرجال عادةً، حيث تجعلهم معرّضون للموت والخطر أكثر من النساء؛ كالعمل بالمناجم، والبحور، والزراعة التي تجعلهم عُرضةً للموت من لسع الأفاعي، وافتراس الحيوانات الوحشية، فإذا زاد عدد النساء على الرجال، مع منع التعدد، فلا تجد كثير من النساء أزواجاً يتكفّلن بهن، ويقومون بإصلاح شؤنهن، فإن لم يتم الزواج والإحصان لهؤلاء النساء يُخشى عليهن من كثرة الفساد.[٩]
- مراعاة القوة الغريزية عند الرَّجل: إنّ المرأة تمرّ بفتراتٍ معينةٍ يُمنع فيها الرجل من معاشرتها على التحريم للضرر الثابت طبّياً من الجماع في هذه الأحوال كالحيض، والنفاس الذي قد يستمر أربعين يوماً، ومن الرجال من تكون شهوته قوية، وقد لا تكفيه امرأة واحدة، ولو أقفلنا الباب أمامه على التعدد لربما أصبح في مشقة شديدة، أو ربما فكر في أن يُشبِع رغبته بوسائل مُحرَّمة.[٧]
شروط تعدد الزوجات
اشترط الإسلام أموراً لا بدّ من توفرها حتى يصبح تعدد الزوجات مباحاً شرعاً، وهذه الشروط هي:[٧]
- العدل: فقد اشترط الإسلام لإباحة تعدد الزوجات قدرة الرجل على العدل بين الزوجات، لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)،[١٠] والعدل المطلوب في الآية الكريمة هو العدل المادي؛ أي: المساواة بين الزوجات في النفقة والمسكن والملبس، وجميع الأمور المادية التي في حدود استطاعة الزوج، أمّا العدل القلبي والمحبة القلبية، فهو غير مطالبٌ ولا مكلفٌّ به شرعاً؛ لأنّه لا يستطيع تحقيقه، وهو المقصود في قوله تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا).[١١]
- القدرة على الإنفاق: اشترط الله -تعالى- في المُقبل على الزواج أن يكون لديه القدرة المالية والبدنية، ومن لم يستطيع دفع المهر للزوجة، أو لا يستطيع الإنفاق عليها فعليه أن يستعفف، لقوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ).[١٢]
- أن لا تكون الزوجات قريبات جداً: منع الإسلام الرجل من أن يجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وذلك لما قد يسبب ذلك من قطع لصلة الرحم، والعداوة بين الأقارب، واستجابةً لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يُجمعُ بين المرأة وعمَّتها، ولا بين المرأة وخالتها).[١٣][١٤]
المراجع
- ↑ محمود غريب (2004)، تعدد الزواجات بين حقائق التنزيل وافتراءات التضليل (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار القلم للتراث، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ سورة سورة النساء، آية: 3.
- ↑ عبد الجبار زيدان (24-11-2013)، "تعدد الزوجات في الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-3-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "الحكمة من تعدد الزوجات"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 26-3-2019. بتصرّف.
- ↑ محمود الدوسري (8-1-2018)، "حكمة مشروعية تعدد الزوجات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-3-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1784، صحيح.
- ^ أ ب ت "حكم تعدد الزوجات والحكمة منه"، www.islamqa.info، 29-4-2002، اطّلع عليه بتاريخ 26-3-2019. بتصرّف.
- ↑ "قضية تعدد الزوجات بأعين الأمم المعاصرة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2019. بتصرّف.
- ↑ ضياء أديب (21-4-2014)، "حكمة تعدد الزوجات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-3-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 3.
- ↑ سورة النساء، آية: 129.
- ↑ سورة النور، آية: 33.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5109، صحيح.
- ↑ "كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2019. بتصرّف.