الزواج
ينظر الإسلام إلى الذّكر والأنثى على أنّهما جنسان مختلفان لنوعٍ واحدٍ، وهو النوع البشريّ، بهما يكتمل مشوار الحياة عن طريق الزواج الصحيح، حيث إنّه سنّةٌ من السنن التي أودعها الله تعالى في الحياة، لا تستمرّ إلا به، على اعتبار أنّه الطريق الأمثلُ لتكوين الأسرة، وقد أسسّت الشريعة الإسلاميّة أحكام الأسرة والأحوال الشخصيّة والمواريث وغيرها انطلاقاً من قاعدة أنّ الزواج الصحيح هو المنهج الوحيد لثبوت النسب، وفي سبيل تحقيق ذلك؛ فقد نظّمت الشريعة أحكامها لضبط مسألة تعدّد الزوجات بعد أن كان أمرها في الجاهليّة مفتوحاً بلا قيدٍ ولا ضابطٍ، وراعت في ذلك الحاجات الفرديّة والمجتمعيّة، حيث يعدّ موضوع حفظ النسل والعِرض من المقاصد السّامية في أحكام التّشريع، وبالرّغم من أنّ الإسلام أباح تعدّد الزوجات إلا أنّه جعل هذه الإباحة مشروطةً ومقيّدةً بضوابط واضحةٍ، أهمّها العدل بين الزوجات، وهذا المقال يبحث في كيفيّة العدل بين الزوجتين، ومقوّمات هذا العدل المطلوب.
العدل بين الزوجتين
ينظر الإسلام إلى العدل بين الزوجات على أنّه من أوجب الواجبات، ومنشأ ذلك أنّ المرأة ضعيفةٌ في غالب أحوالها، ومعقد أمرها في كثيرٍ من جوانب حياتها على زوجها، ولذا كانت محطّ اهتمام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حيث قال: (فاتقوا اللهَ في النِّساءِ، فإنكم أخذتموهن بأمانِ اللهِ، واستحللتُم فروجهنَّ بكلمةِ اللهِ)،[١] والحديث عن العدل بين الزوجات يدخل في باب الوصية بالنساء، لا سيما أنّ ظلم زوجةٍ على حساب أخرى قد ورد التّحذير منه بصورةٍ تسترعي الانتباه؛ فقد قال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (مَنْ كانَتْ لهُ امْرَأَتَانِ فمالَ إلى إحداهُما جاء يومَ القيامةِ وشِقُّهُ مائِلٌ)،[٢][٣] وقد تناول أهل العلم كيفيّة العدل المطلوب بين الزوجات ومجالاته بالتفصيل، ويمكن إجمال ذلك في ما يأتي:[٤][٥][٦]
- يجب على الزوج العدل بين زوجاته في المأكل والمشرب والكسوة، وسائر النفقات الأخرى التي تحتاجها كلّ واحدةٍ منهنّ على قدر وسعه وطاقته، وألّا يفرّق في ذلك بين زوجةٍ فقيرةٍ وأخرى غنيّةٍ؛ فقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يعدل بالقسمة بين زوجاته.
- يجب على الزوج أن يؤمّن كلّ زوجةٍ بمسكنٍ ومأوى خاص بها، وليس له أن يجمعهنّ في مسكنٍ واحدٍ إلا بملء رضاهنّ جميعاً؛ فإن أبت إحداهنّ ذلك فلها عليه أن يسكنها في مسكنٍ خاصٍ بها؛ فإنّ اجتماعهنّ في مأوى واحدٍ يحرّك مشاعر الغيرة بينهنّ، ويقود في حالاتٍ كثيرةٍ إلى المشاحنة والعداوة.
- يجب على الزوج أن يساوي بين زوجاته في المبيت، وأن يعدل القسمة في وقته بين بيوتهنّ؛ فلا يصحّ له أن يأتي إحداهنّ أكثر من غيرها، فإذا بات عند الأولى ليلتين بات عند الثانية ليلتين، وهكذا، وشرط العدل في المبيت مرجعه قسمةُ الليل.
- مال بعض الفقهاء إلى العدل بينهنّ بالجماع والمعاشرة الزوجيّة إن كان ذلك ضمن ما يستطيعه، وإلا فلا، وقد ذهب المالكيّة والشافعيّة إلى عدم اشتراط التسوية بينهنّ في الجماع والوطء؛ لأنّ سبيل ذلك ميلُ القلب وحصول الشهوة، وهو من الأمور التي لا يملك الزوج فيها إرادةً كاملةً، وهذا الذي عناه قول الله تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ)،[٧]
- يجوز للزوج أنْ يخرج من بيته في نوبة إحداهنّ إلى مجالس العلم أو السوق أو غيرها ممّا تقتضيه الحاجة، على ألّا يكون هذا متعمّداً في وقت إحداهنّ دون الأخرى، أو من نوبة إحداهنّ إلى بيت الأخرى.
الحكمة التشريعيّة من إباحة التعدّد
جاءت التّشريعات الإسلاميّة المتعلّقة بالمعاملات معلّلةً بمقاصد وحِكَم جليلةٍ، وسواء عُلِمتْ الحكمة التشريعيّة أو أُخفيت؛ فإنّ الأصل في المسلم أنّه وقّافٌ عند حدود الله، وقد استنبط أهل العلم جملةً من حِكَم إباحة تعدّد الزوجات، ومن أهمّها:[٨]
- من الرحمة بالمرأة التي تأخر سنّها ولم تتزوّج، أو كانت مطلّقةً، أو ترمّلت بوفاة زوجها، أن تجد لها زوجاً آخر يحفظ سترها، ويعينها على تحصين نفسها، لا سيما وأنّ الدراسات الكثيرة تؤكّد أنّ عدد النساء في أغلب المجتمعات يفوق أعداد الرجال، الأمر الذي يجعل مسألة التعدّد لها وجهها ومبرّراتها، خاصةً أنّ الزواج بأمثال هؤلاء يشكّل لهنّ ضماناً اجتماعياً في رعايتهنّ والتكفّل بنفقتهنّ.
- يعين التعدّد في سدّ حاجة الراغب بزواجٍ آخر بهدف زيادة النسل وكثرة الأبناء، خاصةً إذا كانت زوجته الأولى مريضةً لا تقوى على الإنجاب، أو كانت عقيمةً في الأصل؛ إذ لا شكّ أنّ زواجه بأخرى خيرٌ من طلاقه لزوجته العقيم.
- لا ينكر الإسلام إذ أباح التعدد حالة الرجل الجنسيَّة؛ فبعض الرجال لا تسدّ حاجاته الجنسيّة زوجةٌ واحدةٌ، فكان التعدّد تفريغاً لطاقته وشهوته في الحلال، وتحصيناً له من الانسياق وراء الفواحش.
- يحقّق تعدّد الزوجات مصلحةً عامّةً للأمة الإسلاميّة، ومن أهمّ مظاهر ذلك: تكثير سواد الأمّة، وهذا مقصدٌ شرعيٌّ نبيلٌ، يؤكّده حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (تزوَّجوا الوَدودَ الوَلودَ؛ فإنِّي مُكاثرٌ الأنبياءَ يومَ القيامةِ)،[٩] وفيه أيضاً فرصةٌ لتوطيد علاقاتٍ جديدةٍ، وتقوية أواصر المودّة مع أصهارٍ جددٍ.
- التعدّد سبيلٌ من سُبل تحصين المجتمع من جرائم أخلاقيّةٍ وسلوكيّةٍ كثيرةٍ، وحماية جماعة المسلمين من ظهور صور البغاء والزنا.
- تجدر الإشارة إلى أنّ الحياة الزوجية مليئة بالأسرار والخبايا؛ فربّما كانت الزوجة الأولى باردة المشاعر؛ فلا تحرص على تحصين زوجها بإعطاءه حقّه بالمعاشرة الزوجيّة؛ فيكون الزواج الآخر سبيلاً لتحصين الزوج بغضّ البصر، أو التطلّع إلى ما حرّم الله سبحانه، والمقصود أنّ سبب التعدّد قد يكون خفيّاً، وليس من المناسب أن يُطلع الزوج أحداً عليه.
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1218، صحيح.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في بلوغ المرام، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 315، إسناده صحيح.
- ↑ جمعية التنمية الأسرية بالمنطقة الشرقية (وئام) (18-10-2016)، "العدل بين الزوجات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-8-2018. بتصرّف.
- ↑ محمد المنجد (16-8-2003)، "كيف يعدل بين زوجتيه ؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 1-8-2018. بتصرّف.
- ↑ إحسان العتيبي، "مفهوم العدل بين الزوجات"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-8-2018. بتصرّف.
- ↑ محمد المنجد (8-1-2009)، "العدل بين الزوجات"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 1-8-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 129.
- ↑ مقبل بن حمد (8-3-2011)، "تعدد الزوجات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-7-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4028 ، أخرجه في صحيحه.