كثيراً ما نسمع بمقولة الصببر مفتا ح الفرج ، ففي حياتنا نمر بكثير من المواقف التي تستلزم الصبر على قضاء الله و قدره و حسن الظن به ،و من الأحاديث التي قالها الرسول صلى الله عليه و سللم عن الصبر :
1.عن أبي يحيى صهيب بن سنانٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(عجباً لأمر المؤمن كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم
المعنى أنَّ المؤمنَ الكاملَ في الحالَينِ عَلَى خَيرٍ هُوَ عِنْدَ اللهِ إِنْ أصَابتهُ نِعْمَةٌ بَسْطٌ وَرَخَاءٌ في الرِّزْقِ وغيرِ ذلكَ يَشْكُرُ اللهَ وإنْ أصَابَتهُ ضَرَّاءٌ أيْ بليةٌ ومُصِيبةٌ يصْبرُ ولا يَتسَخّطُ عَلى ربِّه بلْ يَرْضَى بقَضَاءِ ربِّه فيكونُ لهُ أجْرٌ بهذِهِ المصيبةِ. ومَعْنَى الشكْرِ هو أنْ يَصْرِفَ الإِنسَانُ النعَمَ التي أعْطَاهُ اللهُ فيمَا يحبُّ اللهُ ليسَ فيمَا حَرَّمَ اللهُ، وليسَ الشكرُ مجرد أنْ يفرحَ الإنسانُ بالنعَمِ التي يَنَالُها ويقولَ إذا فَرِحَ الحمْدُ للهِ والشكرُ للهِ، لا يكونُ العبدُ بهَذا شَاكرًا للهِ
2.وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احاديث للرسول (صلى الله عليه وسلم )عن فضل الصبر على الابتلاءاتومن يتصبر يصبره الله، فما أعطي أحد عطاءً خيراً من الصبر) متفق عليه.
3.عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((ما يصيب المؤمن من نصبٍ، ولا وصبٍ ولاهمٍ، ولا حزنٍ ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه)) متفق عليه
قال ابن حجر في فتح الباري:[[قوله من نصب بفتح النون والمهملة ثم موحدة هو التعب وزنه ومعناه قوله ولا وصب بفتح الواو والمهملة ثم الموحدة أي مرض وزنه ومعناه وقيل هو المرض اللازم قوله ولا هم ولا حزن هما من أمراض الباطن ولذلك ساغ عطفهما على الوصب قوله ولا أذى هو أعم مما تقدم وقيل هو خاص بما يلحق الشخص من تعدي غيره عليه قوله ولا غم بالغين المعجمة هو أيضا من أمراض الباطن وهو ما يضيق على القلب وقيل في هذه الأشياء الثلاثة وهي الهم والغم والحزن أن الهم ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به والغم كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل والحزن يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده وقيل الهم والغم بمعنى واحد وقال الكرماني الغم يشمل جميع أنواع المكروهات لأنه إما بسبب ما يعرض للبدن أو النفس والأول إما بحيث يخرج عن المجرى الطبيعي أو لا والثاني إما أن يلاحظ فيه الغير أو لا وإما أن يظهر فيه الانقباض أو لا وإما بالنظر إلى الماضي أو لا]]
4.وري عن النبي صلى الله عليه وسلم( (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه، حتى يوافى به يوم القيامة))رواه الترمذي
5. عن النبي صلى الله عليه وسلم( (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.6. عن النبي صلى الله عليه وسلم((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
قوله : ( ما يزال البلاء بالمؤمن ) أي ينزل بالمؤمن الكامل ( والمؤمنة ) الواو بمعنى أو بدليل [ ص: 68 ] إفراد الضمير في نفسه وماله وولده ، ووقع في المشكاة بالمؤمن أو المؤمنة قال القاري : أو للتنويع ووقع في أصل ابن حجر بالواو ، فقال الواو بمعنى أو بدليل إفراد الضمير وهو مخالف للنسخ المصححة والأصول المعتمدة ( وولده ) بفتح الواو واللام وبضم فسكون أي أولاده ( حتى يلقى الله ) أي يموت ( وما عليه خطيئة ) بالهمزة والإدغام أي وليس عليه سيئة لأنها زالت بسبب البلاء .
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مالك في الموطأ عنه مرفوعا بلفظ : ما يزال المؤمن يصاب في ولده وخاصته حتى يلقى الله وليست له خطيئة . وأخرجه أيضا أحمد وابن أبي شيبة بلفظ : لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة كذا في الفتح وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر حديث أبي هريرة هذا : رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، انتهى .
قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وأخت حذيفة بن اليمان ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري . وأما حديث أخت حذيفة بن اليمان فأخرجه النسائي وصححه الحاكم . وأخت حذيفة اسمها فاطمة بنت اليمان صرح به الحافظ في الفتح .
7.عن النبي صلى الله عليه وسلم((فما يبرح البلاء في العبد، حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) رواه ابن ماجة و ابن أبي الدنيا و الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، قوله : ( أي الناس أشد ) أي أكثر وأصعب ( بلاء ) أي محنة ومصيبة ( قال الأنبياء ) أي هم أشد في الابتلاء لأنهم يتلذذون بالبلاء كما يتلذذ غيرهم بالنعماء ، ولأنهم لو لم يبتلوا لتوهم فيهم الألوهية ، وليتوهن على الأمة الصبر على البلية . ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرعا والتجاء إلى الله تعالى ( ثم الأمثل فالأمثل ) قال الحافظ : الأمثل أفعل من المثالة والجمع أماثل وهم الفضلاء . وقال ابن الملك : أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى رتبة ومنزلة . يعني من هو [ ص: 67 ] أقرب إلى الله بلاؤه أشد ليكون ثوابه أكثر قال الطيبي : " ثم " فيه للتراخي في الرتبة والفاء للتعاقب على سبيل التوالي تنزلا من الأعلى إلى الأسفل واللام في الأنبياء للجنس . قال القاري : ويصح كونها للاستغراق إذ لا يخلو منهم من عظيم محنة وجسيم بلية بالنسبة لأهل زمنه ، ويدل عليه قوله : ( يبتلى الرجل على حسب دينه ) أي مقداره ضعفا وقوة ونقصا وكمالا . قال الطيبي : الجملة بيان للجملة الأولى واللام في الرجل للاستغراق في الأجناس المتوالية ( فإن كان ) تفصيل للابتلاء وقدره ( في دينه صلبا ) بضم الصاد المهملة أي قويا شديدا وهو خبر كان واسمه ضمير راجع إلى الرجل والجار متعلق بالخبر ( اشتد بلاؤه ) أي كمية وكيفية ( وإن كان في دينه رقة ) أي ذا رقة ويحتمل أن يكون رقة اسم كان أي ضعف ولين . قال الطيبي : جعل الصلابة صفة له والرقة صفة لدينه مبالغة وعلى الأصل . قال القاري : وكان الأصل في الصلب أن يستعمل في الجثث وفي الرقة أن تستعمل في المعاني ، ويمكن أن يحمل على التفنن في العبارة ، انتهى . ( ابتلي على قدر دينه ) أي ببلاء هين سهل ، والبلاء في مقابلة النعمة ، فمن كانت النعمة عليه أكثر فبلاؤه أغزر ( فما يبرح البلاء ) أي ما يفارق أو ما يزال ( بالعبد ) أي الإنسان ( حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ) كناية عن خلاصه من الذنوب ، فكأنه كان محبوسا ثم أطلق وخلي سبيله يمشي ما عليه بأس .
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والدارمي والنسائي في الكبرى وابن ماجه وابن حبان والحاكم كذا في الفتح .
8.عن أبي سعيد: (أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك على قطيفة، فوضع يده فوق القطيفة، فقال: ما أشد حماك يا رسول الله! قال: (( إنا كذلك يشدد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر، ))
ثم قال: يا رسول الله! من أشد الناس بلاءً؟ قال: (( الأنبياء،)) قال: ثم من؟ قال: ((العلماء،)) قال: ثم من؟ قال: (( الصالحون،)),,, (( كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله، ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها، ولأحدهم كان أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء)) رواه ابن ماجة و ابن أبي الدنيا واللفظ له، وقال: صحيح على شرط مسلم .
9.وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره، حتى يبلغه إياها) وفي رواية أخرى: (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، فلم يبلغها بعمل، ابتلاه الله في جسده، أو ماله أو ولده، ثم صبر على ذلك، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل) رواه أحمد و أبو داود و أبو يعلى و الطبراني في الكبير و الأوسط .