محتويات
التعليم
يُشكّل التعليم العنصر الأساسي في نهضة المجتمعات والأمم أو تخلفها، وقد تكون مهمّة إنشاء جيل متحصّن بالتعليم عالي الجودة من أهمّ المشاريع التنموية التي يجب على الدولة أن توليها فائق الاهتمام والرعاية لتخريج نخبةٍ تَعليميّة واعية قادرة على إدارة المستقبل وابتكار الحلول والتطبيقات العمليّة لأهمّ المشاكل والقضايا المعاصرة والتي عجزت الأجيال السابقة عن الإتيان بمثلها نظراً لعدم تطورالتعليم في ذلك الوقت بالدرجة الكافية أو لعدم توفر الوسائل التكنولوجيّة المُساعدة التي تتطوّر بسرعةٍ هائلة يوماً بعد يوم.
تعريف الجودة في التعليم
قامت المنظمة العالمية "اليونسف" المهتمّة برعاية حقوق الطفل وتطوير قدراته بتبنّي جودة التعليم وفقاً لما عرفه البروفيسور والخبيرالأكاديمي العالمي بريهان عام 1993 لجودة التعليم بأنها عملية التركيز على أساليب التعلّم والتعليم الفعّالة التي تدعم باستمرار قدرات المتعلّمين ومواهبهم المتنوّعة لاكتساب المعرفة اللازمة والمهارات العمليّة والسلوك التطبيقي الناتج عن منظومة فكريّة متطوّرة وملائمة مع احتياجات العصر وتحدّياته ودعم احتياجات الأطفال المتعلمين؛ بحيث تخرج أجيالاً متعلّمة قادرة على اتخاذ القرار ومساعدة أنفسهم وغيرهم على حلّ المشاكل وإيجاد الحلول المبتكرة للقضايا الشائكة، مع توفّر بيئةٍ آمنة للتعليم والإبداع والصحة والتفاعل الإيجابي بين الشرائح التعليميّة المختلفة والمجتمع المحيط.
العناصر الأساسية اللازمة لتعليم عالي الجودة
عندما نتحدث عن التعليم عالي الجودة فإنّنا نتحدث عن توافر عناصره الأساسية التي تُشكل فارقاً مميزاً في نتائجه وتتلخص في الفعاليّة، والجاهزية، والكفاءة، وتشكّل هذه العناصر الثلاث الفارق الأساسي لنقل أثر التعليم إلى أرض الواقع، واكتساب المتعلّمين للمعرفة والمهارات والسلوك الذي يُمكّنهم من تحقيق أبعاد وأهداف العمليّة التعليميّة، وتحويلها إلى حلولٍ مُبتكرة، ومشاريع تنمويّة على أرض الواقع. أغلب المَنظومات التعليميّة في الوطن العربي تفتقر للأسف إلى توفّر هذه العناصر الضروريّة لإثراء العملية التعليمية والتربوية، ممّا يَنعكس على رداءة المُخرجات التعليمية وضعف أثرها في تحقيق تنمية مستدامة ومشاريع حقيقيّة مساهمة في نهضة المجتمع وتطوير أفراده.
الجودة في المؤسسات التعليمية العربية بشكل عام
لقد عانت أغلب المؤسسات التعليمية العربية من نقص الكفاءة والبنية التحتية والجاهزيّة التكنولوجية اللازمة لمواكبة التطور الحاصل في المنظومة التعليمة العالمية والتغييرات التكنولوجية التي فرضت نفسها لإدارة الواقع ومستلزمات تطويره بسهولة وفعالية عالية، فتُركّز المنظومة العربية على تكديس المناهج التدريسية بكمٍّ هائل من المعلومات والمعارف المتنوعة دون وجود التسهيلات والاستراتيجيات اللازمة للتحقق من إمكانية تطبيقها على أرض الواقع وعلاقتها بالتحديات الحالية وحداثتها لتلائم آخر المستجدّات الحاصلة في هذه العلوم والمعارف، ممّا أدّى إلى إرهاق عقول المتعلمين بكمٍّ هائل جداً من المعلومات والعلوم غير الفاعلة مع عدم توفّر الأدوات التطبيقيّة الضروريّة لنقل أثر هذه المعارف لتلبية احتياجات السوق المحلي.
ومن هنا بدأ الاهتمام بتشكيل مبادرات محليّة وإقليمية والاستعانة بالخبرات الأكاديميّة العالمية لتجهيز البيئة التعليميّة العربية لإدراج مفهوم الجودة المستدامة في عملياتها التعليمية المختلفة، وبرزت عدّة مبادرات حكوميّة وخاصة لإدارة مفهوم الجودة المستدامة في المدارس والجامعات العربية كمبادرة التعليم الوطنية برعاية جلالة الملكة رانيا العبد الله في الأردن بهدف تعزيزالإصلاح التعليمي وتبنّي الأساليب التعليميّة المتطورة والتكنولوجيّة المتوافقة مع التطورات العالمية في هذا المجال.
بالإضافة إلى تجهيز المدارس الحكومية بالبنية التحتية اللازمة لدعم احتياجات الطلاب وتوفير البيئة المناسبة لتعلّمهم والاهتمام بنواحي الصحة والغذاء والتواصل السليم بين الأفراد والهيئة التعليمية، كما تبنّت الحكومة الإماراتيّة عدة مبادرات تعليمية تهدف إلى الارتقاء بجودة التعليم ومواكبة آخر المستجدات التعليمية في الأساليب والطرق التدريسية الأكثر فعالية؛ كمبادرة السمو الشيخ محمد بن راشد الذي أطلقها مؤخّراً في 3 فبراير عام 2016م لاختيار وزراء من القطاع التعليمي الأكثر تميّزاً في أدائه من طلاب وخرّيجين متميّزين.
وعلى الرغم من إمكانيّة تطبيق نظام الجودة التعليمي في مؤسسات التعليم العربية إلا أنّها تحتاج إلى دقة في التنفيذ والمراقبة وإعادة التقييم للتحقّق من كفاءة المخرجات التعليمية، وبرزت هنا تحدّيات تمكّنت الكثير من المؤسسات التعليمية العربية من اجتيازها بمساعدة المبادرات الحكومية والخاصّة كتوفر بنية تحتية مناسبة للعمليّة التعليميّة، وتهيئة المناخ المناسب وسط دعم الكوادر البشرية العاملة، وتجهيز المختبرات، وإمداد المدارس والجامعات بالأجهزة والأدوات الداعمة لعمليّة التعليم التطبيقي والفعّال.
المتطلبات الأساسية الداعمة للمجتمع التعليمي الحديث
لسد الفجوة الحاصلة في بعض المنظمات التعليمية المتأخرة والتطور الهائل الحاصل في قيادة المنظومة التعليمية الحديثة، لا بدّ من توفير المتطلّبات الأساسيّة لإمكانيّة تطبيق أنظمة إدارة الجودة الحديثة في المدارس والجامعات التعليمية والمتمثلة فيما يلي:
- توفير العناية الصحيّة للمتعلّمين وتغطية احتياجاتهم الأساسية من غذاء صحي وبيئة آمنة للتمكّن من المشاركة بفعالية مع معطيات النظام التطويري لإدارة جودة التعليم.
- دعم المجتمع المحلي والأهالي للتعليم، وتعزيز مهارات أبنائهم وتشجيعهم على تنميتها، مع توفير بيئةٍ مناسبة للتعلّم والانخراط في الأنشطة التطويرية المختلفة.
- تطوير المناهج التعليميّة لمواكبة التطوّر الحاصل في النواحي التدريسية المختلفة، ومتابعة آخر المستجدّات الحاصلة في العلوم والمعارف التعليمية.
- تدريب الطلّاب على المهارات الحياتية اللازمة لإدارة حياتهم وتواصلهم مع العالم الخارجي، وتمكينهم من مواجهة الأزمات، ومساعدتهم على اتخاذ القرار.
- تجهيز الكوادر البشريّة من مُعلّمين ومساعدين، وتدريبهم على تطبيق العمليّات التعليميّة الحديثة التي تُمكّن الطالب من فهم المعلومة بأبسط الطرق وأكثرها فاعليةً، وتحويلها إلى مهارات وتطبيقات عمليّة، وسلوكيّات جديدة تُعزّز من منهج التطوير المستمر وسط بيئة مشجعة ترسخ قيم التشارك والأخلاق التربوية.
- ربط النتائج التعليمية بالأهداف التربويّة ومقارنتها بالنتائج الفعلية لتقييم وتحسين الدورة التعليميّة، وربط إنجازاتها بمبادرات اجتماعية ومشاريع تنموية حقيقية.