الحجُّ
تتَّجه أنظار وقلوب ملايينٍ من المسلمين في شتّى بقاع الأرض في أشهُرٍ محدَّدةٍ من السَّنةِ الهجريَّة من كلِّ عامٍ صوب بيت الله الحرام والمشاعر المقدَّسة، بعضهم لأداء فريضة الحج وبعضهم للمشاركة الوجدانيّة بالمتابعة والحضور. وأشهُر الحجّ من السَّنة الهجريّة معلومة ومحدّدة؛ وهي: شهر شوّال، وشهر ذو القعدة، وشهر ذو الحجة (وهو الشَّهر الذي تبدأ فيه مناسك الحجِّ).[١] ويأتي المسلمون من بلادٍ ونواحٍ مختلفةٍ بأجسادهم وأرواحهم؛ رغبةً منهم في التَّقرُّب إلى الله تعالى، والتزاماً لأمره الذي خاطب به عباده في مُحكَمِ كتابه الكريم، كما جاء في قوله: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)،[٢] فيشدُّون رِحالهم إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحجِّ.
تعريف الحجِّ وحُكمه
الحجُّ عبادة عظيمة، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة التي بُني عليها. والمراد بالحجِّ: قصد بيت الله الحرام والمشاعر المقدَّسة، في أيام معلومات لأداء أعمالٍ مخصوصةٍ وفق هيئةٍ وشروطٍ مخصوصةٍ. وتتمثَّل هذه الأعمال وفق رأي جمهور الفقهاء بالوقوف بعرفة، والطّواف بالكعبة المشرَّفة، والسَّعي بين الصفا والمروة. وقد جاءت النُّصوص الشرعيَّة من القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبوية الشريفة مؤكّدة أنّ الحجّ فرضٌ على كلِّ مسلمٍ قادرٍ مستطيعٍ، والإجماع منعقدٌ على ذلك، وعلى أنّ الحجّ من المعلوم من الدِّين بالضرورة؛ حيث يكفر من أنكره وجحد فرضه.[٣] وقد جاء في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).[٤]
مراحل الحجِّ
ينتقل الحُجَّاج في أثناء أدائهم لمناسك الحجِّ من مرحلةٍ إلى أخرى، وفي كلِّ مرحلةٍ من هذه المراحل يقوم الحجَّاج بجزءٍ من أعمال الحجِّ ومناسكه، حتى يُتمّوها كلها ويعودوا إلى ديارهم. وقبل الشُّروع ببيان هذه المراحل، لا بدَّ من ذكر أنواع النُّسك الذي سيختاره الحاجُّ ويُحرِم به، إذ إنَّ للحجّ ثلاثة أنواع من النُّسك يختار الحاجُّ أحدها، وهي:[٥]
- حجُّ القِران: وهو أن يُحرِم الحاجُّ بالعمرة والحجِّ معاً، فيُقرِن بينهما.
- حجُّ الإفراد: وهو أن يُحرِم الحاجُّ بالحجِّ وحده فقط.
- حجُّ التَّمتُّع: وهو أن يُحرِم الحاجُّ بالعمرة في أشهرِ الحجِّ، ثمّ إذا أدَّى طواف العمرة وسعى سعيها، أحرَم بالحجِّ من مكانه.
مراحل الحج:
وعلى أيِّ صورةٍ أو وفق أي نوعٍ من أنواع الحجِّ أحرَم الحاجُّ فإنَّ المراحل التي تمرُّ بها مناسك الحجِّ متشابهةٌ، ويمكن إجمالها بالآتي:[٣]
- النيّة والإحرام: يقوم من أراد الحج بعقد النيّة بحسب الكيفيّة التي ينوي أداء الحجّ بها، فإن كانت إفراداً نوى الحجّ دون العمرة، وإن كانت قِراناً عقد النيّة لأداء الحج والعمرة معاً. وبعد عقد النيّة يُحرِمُ الحاجّ.
- اليوم الثامن من ذي الحجَّة: وهو اليوم المعروف بيوم التَّروية، وفي هذا اليوم يجدِّد من كان من الحُجَّاج متمتِّعاً إحرامه من مكانه، وينطلق الحجَّاج جميعهم إلى مِنى، ويصلُّون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيتون فيها ويؤدون صلاة فجر اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة فيها قبل مغادرتها.
- اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة: في هذا اليوم من أيام الحجِّ وهو اليوم المعروف بيوم عرفة، ينطلق الحُجَّاج بعد أدائهم لصلاة الفجر في منى إلى منطقة جبل عرفة، حتّى إذا حلَّ وقت الزوال -أي دخل وقت الظُّهر- يصلّي الحجَّاج صلاتي الظُّهر والعصر قصراً وجمع تقديمٍ في وقت الظُّهر. ويتوجّهون بعدها للوقوف بجبل عرفة، ويستثمرون وقوفهم الذي يمتدُّ حتى غروب شمس هذا اليوم بالذِّكر والدُّعاء والابتهال إلى الله تعالى، والوقوف بعرفة ركنٌ من أركان الحجِّ التي لا يصح الحجُّ بدونها، وقد رُوي عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قوله: (الحجُّ عرفةَ فمَن أدرك ليلةَ عرفةَ قبل طلوعِ الفجرِ من ليلةِ جمعٍ فقد تمَّ حجُّهُ)،[٦] ثمَّ ينفِر الحُجَّاج بعد مغيب الشَّمس إلى مزدلفة، ويصلُّون فيها صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخيرٍ في وقت العشاء مع قصرٍ لها، ويبيتون فيها ليلتهم، لينطلقوا منها بعد صلاة فجر اليوم العاشر، ويُعدُّ المبيت فيها واجباً عند جمهور الفقهاء، ويستحبُّ للحجَّاج جمع الحصى من مزدلفة استعداداً لرمي الجمرات في يوم النَّحر.
- اليوم العاشر من ذي الحجَّة: وهو اليوم المعروف بيوم النَّحر، وتتركَّز في هذا اليوم أكثر أعمال الحجِّ ومناسكه، يصل الحجَّاج إلى مِنى، ويشرَعون في رمي جمرة العقبة أو الجمرة الكُبرى، وتكون برمي سبع جمراتٍ -أي حصيات- ويكبِّرون عند كلِّ رميةٍ ويقطعون التَّلبية عند البدء بالرَّمي، ثمَّ يقوم الحجَّاج بذبح الهدي، وذبحه واجبٌ على الحاجِّ المتمتِّع والقارن، وسنَّةٌ في حقِّ سواهما، ثمّ يتحلَّلون بذلك من إحرامهم التَّحلَّل الأول أو الأصغر، فيحلُّ كلُّ ما كان محظوراً عليهم سوى الجِماع، ثم يتَّجهون إلى مكَّة المكرمة لأداء طواف الإفاضة -ويُسمَّى طواف الزِّيارة- ويسعى بين الصفا والمروة من لم يسعَ منهم عند أوّل قدومه مكَّة قبل يوم التروية، ومن بعدها يتحلَّل الحجَّاج التحلُّل الثَّاني أو الأكبر، ليحلَّل لهم بذلك كلَّ محظورٍ حُظِر عليهم من وقت إحرامهم بالحجِّ وأثناءه.
- أيام التَّشريق الثَّلاثة: وهي أيام الحادي عشر، والثَّاني عشر، والثَّالث عشر من شهر ذي الحِجَّة. وفي كلِّ يومٍ من هذه الأيام يرمي الحجَّاج بثلاث جمراتٍ هي: الجمرة الصغرى، والجمرة الوسطى، والجمرة الكبرى أو جمرة العقبة. في كلِّ جمرةٍ يرمي بسبع حصيات، والمبيت بِمنى في اليومين الحادي عشر والثَّاني عشر واجبٌ عند جمهور الفقهاء، ولا حرج على من أراد من الحُجَّاج التَّعجُّل بالعودة إلى مكَّة المكرمة ولم يرمِ الجمرات في اليوم الثالث عشر من ذي الحجَّة، كما جاء في قول الله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).[٧]
- ختام مناسك الحجِّ: وفي ختام مناسك الحجِّ، وقبل عودة الحجَّاج إلى بلدانهم وديارهم، يُقبِلون إلى مكَّة المكرَّمة، ويطوفون طواف الوداع؛ ليكون ختام مناسكه وآخر عهده بيت الله الحرام وطواف كعبته المشرَّفة، كما روى عبد الله بن عبَّاس -رضي الله عنهما- : (كان الناسُ ينصرفون في كلِّ وجهٍ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "لا ينفرِنَّ أحدٌ حتى يكون آخرَ عهدِه بالبيتِ")،[٨] وبطواف الوداع تُختتم مناسك الحجِّ وتنقضي أعماله، ويتمكَّن الحُجَّاج من العودة إلى ديارهم مغفوري الذنب مقبولي الأعمال بإذن الله تعالى وكرمه.
المراجع
- ↑ فضل الله ممتاز (10-10-2013)، وقت الحج وأبرز مناسكه، fiqh.islammessage.com اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية: 27.
- ^ أ ب مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية )، الكويت: دار السلاسل، صفحة 23-48، جزء 17.
- ↑ سورة آل عمران، آية: من الآية 97.
- ↑ "أنواع الحج أركانه وواجباته وسننه"، ar.islamway.net/، 15-9-2015، اطّلع عليه بتاريخ 22-10-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم: 3016، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 203.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1327، صحيح.