أسماء حجّة النبيّ
أُطلِقت على حجّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عدّة أسماءٍ، منها: حجّة الوداع؛ لأنّها كانت آخر حجّة له في حياته -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان قد ودّع الناس فيها، وبيّن لهم أحكام الحجّ، فكان يقول -عليه الصلاة والسلام-: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه)،[١] وسُمِّيت أيضاً حجّة الإسلام؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أدّى حجّ الفريضة فيها، وبيَّنَ للمسلمين كيفيّة أداء الحجّ، كما سُمِّيت حجّة البلاغ؛ بسبب الخُطبة التي ألقاها النبيّ؛ إذ تضمّنت قواعد دينيّةً أصوليّةً، وقِيَماً اجتماعيّةً أوصى بإبلاغها إلى الناس كافّةً.[٢]
صِفة حَجّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم
حَجّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في السنة العاشرة للهجرة، وقد نُقِلت العديد من الآثار التي تُبيّن كيفيّة حَجّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها الحديث الطويل الوارد عن الصحابيّ جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-، والذي احتجّ العلماء واستدلّوا به في ما يتعلّق بتفاصيل أحكام الحجّ،[٣] إذ بدأ النبيّ حَجّه بالخروج من المدينة المُنوَّرة، والإحرام من ميقات ذي الحليفة، والصلاة في مسجده، والتلبية بقَوْل: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لكَ)،[٤] وطاف بالكعبة سَبعاً، وصلّى خلف مَقام إبراهيم ركعتَين، وسعى بين الصفا والمروة سَبعاً، وبَقِي على إحرامه، وأمرَ مَن لم يأتِ بالهَدْي بالتحلُّل من الإحرام، أمّا هو -عليه الصلاة والسلام- فقد بَقِيَ على إحرامه، وتوجّه إلى مِنى في اليوم الثامن من ذي الحِجّة؛ يوم التروية، وأدّى فيها صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفجر اليوم الثاني.[٥][٦]
وفي اليوم التاسع من ذي الحِجّة؛ جُعِلت له خيمةً في نَمِرَة، وخطبَ بالناس خُطبةً بليغةً جامعةً، ثمّ أدّى صلاة الظُّهر والعصر جَمع تقديمٍ، ثمّ توجّه إلى عرفة، مُستقبِلاً القِبلة، مُتوجِّهاً إلى الله -سبحانه بالدُّعاء، والذِّكر، والتضرُّع إلى أن غابت الشمس، ثمّ شَدَّ رِحاله إلى مُزدلفة بخِفّةٍ وسكينةٍ، وصلّى فيها المغرب والعشاء جَمع تأخيرٍ، بأذانٍ واحدٍ وإقامتَين، واستراح -عليه الصلاة والسلام- في مُزدلفة إلى أنّ أدّى صلاة الفجر، ثمّ توجّه إلى المَشعر الحرام في مُزدلفة، واستقبل القِبلة، ودعا ربّه، وهلَّلَ، وكبَّرَ، ووَحَّدَ، ثمّ رمى الجمرة الكُبرى، بسبع حَصَياتٍ، وكبَّرَ في كلٍّ منها، ثمّ نَحرَ الهَدْي، وتَحلَّلَ من إحرامه، ثمّ توجّه إلى مكّة المُكرَّمة، وأدّى طواف الإفاضة، وصلّى الظهر فيها، ولم يسعَ بين الصفا والمروة؛ إذ إنّه أدّى السَّعي بعد طواف القدوم، ثمّ عاد إلى مِنى، وأقام فيها ثلاثة أيّامٍ؛ لرَمْي الجَمَرات؛ الجمرة الصُّغرى، ثمّ الوُسطى، ثمّ الكُبرى في كلّ يومٍ، ووقف مُتوجِّهاً إلى الله بالدعاء والتضرُّع بعد رَمْي الجمرتَين؛ الصُّغرى، والوُسطى فقط، أمّا الكُبرى فلم يَدعُ الله بَعدها، وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة نزل في مكانٍ يُسمّى المحصّن بعد أن أدّى صلاة الظُّهر، ثمّ توجّه إلى المسجد الحرام، وأدّى طواف الوداع، وصلّى فَجر اليوم التالي، وارتحلَ عائداً إلى المدينة المُنوَّرة.[٥][٦]
نوع حجّة النبيّ
تعدّدت آراء العلماء في نوع حِجّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إن كان قدّ أدّى الحَجّ قارناً، أو مُتمتِّعاً، أو مُفرِداً، استدلالاً بعدّة أحاديث، منها: ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: (تَمَتَّعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ وأَهْدَى)،[٧] وما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الحَجَّ)،[٨][٩] وفيما يأتي بيان تفصيل ما ذهب إليه كلّ مذهبٍ من المذاهب الفقهيّة:
- الشافعيّة: قالوا إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بدأ حَجّه مُفرِداً، إلّا أنّه قَرَن وأدخل العُمرة على الحجّ، فأصبح حَجّه قارناً، وقد نوّه الشافعيّة إلى عدم جواز إدخال العُمرة على الحجّ، إلّا أنّ ذلك جاز للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- فقط.[١٠]
- المالكيّة: قالوا إنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أفردَ بالحَجّ، وأنّ الصحابة -رضي الله عنهم- أفردوا بالحَجّ أيضاً بَعده، كأبي بكرٍ، وعمر، وعثمان.[١١]
- الحنفيّة: قالوا إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أدّى الحَجّ قارناً؛ إذ جمعوا بين ما استدلّ به كلّ فريقٍ، إضافة إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يعمل بما يُوحى إليه.[١٢]
- الحنابلة: قالوا إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حَجّ قارناً؛ استدلالاً بما أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُلَبِّي بالحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا).[١٣][١٤]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 1297، صحيح.
- ↑ عطية سالم، شرح بلوغ المرام، صفحة 3، جزء 172. بتصرّف.
- ↑ عطية سالم، شرح بلوغ المرام، صفحة 6، جزء 172. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 1218، صحيح.
- ^ أ ب مسلم النيسابوري، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 886، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد العثيمين، اللقاء الشهري، صفحة 5، جزء 43. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1691، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1211، صحيح.
- ↑ عبدالله البسام (2003م)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامِسَة)، مكّة المكرّمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 59، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ يحيى النووي، المجموع شرح المهذب، الأردن: دار الفكر، صفحة 159، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ أحمد النفراوي (1995م)، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، الأردن: دار الفكر، صفحة 370، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن عابدين (1992م)، رد المحتار على الدر المختار (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 529، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1232، صحيح.
- ↑ منصور البهوتى، كشاف القناع عن متن الإقناع، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 376، جزء 2. بتصرّف.