محتويات
الحَجّ
يُعرّف الحجّ في الاصطلاح الشرعيّ بأنّه التوجّه إلى البيت الحرام من أجل القيام بأعمالٍ مشروعةٍ؛ منها ما هو فرض، ومنها ما هو سنّة، وهو قصد مكّة المكرّمة، وفيها الكعبة المشرفة؛ لأداء أعمالٍ مخصوصةٍ في وقتٍ مخصوصٍ، والمقصود بالوقت المخصوص هو أشهر الحجّ، وأمّا الأعمال المخصوصة فهي القدوم في حال الإحرام لأداء المناسك في أماكن معيّنة مع قصد نيّة الحجّ.[١]
كيفيّة حجّ رسول الله
الاستعداد للحجّ
خطب الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في المسلمين يوماً مُخبراً إيّاهم بأنّه ينوي الحجّ من ذلك العام، فقال لهم: (يا أَيُّها الناسُ خُذُوا عَنِّي مناسكَكم، فإني لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعد عامي هذا)،[٢] فاستعدّ الصحابة -رضي الله عنهم- للحجّ مع رسول الله، وأقبلوا على المدينة من كلّ حدب وصوب؛ حتى يشهدوا هذا النُسك العظيم مع الرسول عليه السلام.[٣]
الإحرام والتلبية والطواف
خرج الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- -إلى ميقات المدينة، وهو ميقات ذي الحليفة، فأهلّ منه بعد أن اغتسل وتجرّد من مخيط الثياب، ثمّ صلّى في الميقات، وبدأ بالتلبية من مصلّاه، ثمّ ركب ناقته القصواء، وبدأ بالتلبية مجدّداً، حتى إذا وصل مكّة بدأ بالطواف مباشرةً، فقد كان من سنّته أنّه دائماً ما يبدأ بالطواف عند دخوله مكّة المكرّمة، وكان يبدأ طوافه باستلام الحجر الأسود والاضطباع، ويرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، ثمّ يكمل الأربعة الباقية مشياً، وبعد أن أنهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- طوافه اتجه إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ قول الله تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)،[٤] ثمّ كبّر وصلّى ركعتين؛ هما: ركعتا الطواف المسنونتان بعد كلّ طواف للمسلم.[٣]
شرب ماء زمزم والسعي بين الصفا والمروة
ذهب الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لشرب ماء زمزم، فشرب منها، وانطلق نحو الحجر الأسود فقبّله، وذهب إلى الصفا ليبدأ سعيه، وقبل أن يصعد على الصفا قرأ قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)،[٥] وقال أبدأ بما بدأ الله به، ثمّ صعد على الصفا، وكبّر الله ثلاث مرات، وقال لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأنجز وعده، وهزم الأحزاب وحده، ثمّ دعا، وكرّر ذلك ثلاث مرّات، ثمّ انطلق بالسعي بين الصفا والمروة، إلى أن أتمّ سبعة أشواط.[٣]
يوم التروية ويوم عرفة
في اليوم الثامن من ذي الحجّة، وهو يوم التروية، خرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى مِنى، فصلّى فيها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، وبات ليلته فيها، بعدها غدا الصحابة مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى عرفات ذاكرين لله سبحانه، ونزل الرسول في نَمِرة، ولم يدخل إلى عرفات قبل زوال الشمس وصلاة الظهر، فلمّا زالت الشمس ركب ناقته القصواء، وانطلق إلى وادي عرنة، حيث خطب في الناس خطبة الوداع التي جمع فيها مقاصد الإسلام، وبعد الخطبة أمر بلالاً -رضي الله عنه- فأذّن للظهر، ثمّ أقام الصلاة، فصلّى الظهر والعصر جمع تقديم، وظلّ يدعو في عرفات حتى غابت الشمس، ثمّ دفع إلى مزدلفة، وأدّى المغرب والعشاء جمع تقديم في مزدلفة، وبات ليلته هناك، وفي الصباح صلّى الفجر في أوّل وقته؛ حتى يتبقى لديه متسع للدعاء، وظلّ يدعو إلى أن قاربت الشمس على الطلوع فدفع حينها إلى منى، وهناك حيّاها برمي جمرة العقبة، ولم ينقطع عن التلبية إلّا عند وقت الرمي، فرمى سبع حصيات، وكبّر مع كلّ واحدة فيهن.[٣]
يوم النحر
بعد أن أتمّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- الرمي ذبح بيده الشريفة ثلاثة وستين بدنة، ثمّ وكّل عليّاً أن يكمل ما تبقّى، وكان هديه مئة بدنة، وبعدها حلق للتحلّل الأصغر، فقدّم شقّ رأسه الأيمن للحلاق أولاً، ثمّ الشقّ الأيسر، ووقف بعدها للناس يسألونه ما يحتاجون، وكان يُيسّر عليهم، ويخفّف عنهم، ثمّ انطلق إلى بيت الله الحرام، فطاف فيه طواف الإفاضة راكباً بعيره، وبعدها اتّجه إلى مِنى، فصلّى فيها الظهر والعصر، وبات هناك ليلة الحادي عشر، وانتظر حتى إذا غابت الشمس بدأ بالجمرة الصغرى فرمى بسبع حصياتٍ، ثمّ اتّجه إلى جهة الوادي ودعا، ثمّ رمى الجمرة الوسطى بسبع حصياتٍ واتجه مرّةً أخرى جهة الوادي ودعا، ثمّ رمى الجمرة الكبرى من بطن الوادي فأتمّ بذلك الرمي بالجمرات، وبات ليلة الثاني عشر في مِنى أيضاً، ولم يتعجّل، وبعدها أمر الناس بطواف الوداع، واتّجه لتأديته، ثمّ عاد إلى المدينة.[٣]
حكم الحجّ
شُرع الحجّ ونزل الأمر بفرضه على المسلمين في أواخر العام التاسع للهجرة، وكان ذلك في قول الله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)،[٦] ويعدّ من يُنكر فرضيّة الحجّ على المسلمين كافراً مرتدّاً عن الإسلام، إلّا إن كان جاهلاً بذلك، فحينها يُعلّم، فإن أصرّ على الإنكار حُكم بكفره وردّته،[١] واتفق العلماء على فرضيّة الحجّ مرّةً واحدةً في العمر على المسلم، واستدلّوا على ذلك بالحديث الوارد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (أيها الناسُ؛ قد فرض اللهُ عليكم الحجَّ فحجُّوا فقال رجلٌ: أكل عامٍ يا رسولَ اللهِ؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لو قلتُ نعم؛ لوجبت، ولما استطعتم).[٧][١]
وقد يكون الحجّ واجباً في حقّ المسلم أكثرمن مرّةٍ، وذلك إذا نذر حجاً لله تعالى، كما أن حُكمه قد ينصرف إلى الحُرمة في بعض الإحيان؛ كمثل أن يكون المال المُراد أن يحجّ به الإنسان مالاً حراماً، وقد يكون حُكمه مكروهاً في بعض الاحوال أيضاً؛ كحجّ المدين الذي لا يملك من المال ما يقضي به دينه، واختلف الفقهاء في حُكم تأخير الحجّ للقادر عليه، فبعضهم قال بوجوب الحجّ على الفور عند المقدرة، وهم الحنابلة والحنفية والمالكية، واستدلّوا لقولهم بعدّة أدلّة؛ منها: قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ( تَعَجَّلُوا إلى الحَجِّ، فإنَّ أحَدَكُمْ لا يَدرِي ما يَعرِضُ لَهُ)،[٨] وقال بعضهم بجواز التراخي في أداء الحجّ حتى مع القدرة، واستدلّوا لذلك بأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أدّى الحجّ سنة عشرة للهجرة، مع أنّه قد فرض -في الراجح لديهم- سنة ستة للهجرة، وكان ذلك التأخير دون عذر.[١]
فضل الحجّ في الإسلام
ورد في فضل الحجّ العديد من الأحاديث، منها:[٩]
- الحجّ المبرور سبب في مغفرة ذنوب العبد، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَن حجَّ للهِ، فلم يَرفُث ولم يَفسُقْ، رجَع كيوم ولدَته أمُّه).[١٠]
- الإكثار والمتابعة بين الحجّ والعُمرة يباعدان بين الإنسان والفقر، حيث قال الرسول: (تابِعوا بين الحجِّ و العُمرةِ؛ فإنَّ متابعةً بينَهُما تَنفِي الفقرَ والذنوبَ، كما ينفِي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ).[١١]
- الحجّ من أفضل الأعمال عند الله تعالى، فقد سُئل رسول الله عن أفضل الأعمال، فقال: (إيمان بالله ورسوله، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: حج مبرور).[١٢]
المراجع
- ^ أ ب ت ث "الحج (تعريفه - منزلته - حكمه - شروطه) "، www.ar.islamway.net، 2007-11-27، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-9. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 7882، صحيح.
- ^ أ ب ت ث ج محمد بن محمد المختار الشنقيطي، "صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-9. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 125.
- ↑ سورة البقرة، آية: 158.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 97.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1337، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2957، صحيح.
- ↑ د.جمال المراكبي، "فضل الحج وفوائده"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-9. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1521، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 2899، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1519، صحيح.