الرسل
جاءتَ الرسالات السماوية كُلّها لهداية البشر ولإخراجهِم من ظُلمات الجهل والكُفر إلى نور الإيمان والتوحيد، وقد عانى الرُسل الكرام عليهِم السلام أشدَّ المُعانة مع الأقوام الذينَ أُرسِلوا إليهم، وهذا هوَ ديدن الحقّ مع الباطل على مرّ الزمان، وقد أرسلَ اللهُ مع هؤلاء الرُسلِ الكِرام من المُعجزات ما يُؤيدون بهِ للناس صدقَ ما أُرسلوا بهِ من عند ربّهم، ولكنَّ كَثيراً من الناس كانوا مُعاندين حتّى أرسلَ الله عليهِم العذاب والعُقوبة في الدُّنيا قبل الآخرة.
ويتفاوت الرُسل -عليهم السلام- في درجة الأذى الذي تعرّضوا له، وقد وصفَ الله الأنبياء الذين واجهوا أعظم الأذى وتحمّلوا أجملَ الصبر بأولي العزم من الرُسُل، فمن هُم هؤلاء الرُسل -عليهم الصلاة والسلام-.
أولو العزمِ من الرُّسُل
وردَ هذا الوصف العظيم للرُّسل الكرام في القُرآن الكريم في سورة الأحقاف الآية 35، حيثُ يقولُ الله تباركَ وتعالى للنبيّ -عليهِ الصلاة والسلام- :( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)، ومِنَ المعروف في اللغة العربيّة أنّ من معاني حرف الجرّ "مِن": التبعيض، أي أنَّ هؤلاء الرُّسل هُم بعضٌ من الرُّسُل، وقد قالَ العُلماء في تحديد الرُسُل أولي العزم بأنّهُم نوحُ -عليه السلام- وإبراهيم الخليل -عليه السلام- وموسى -عليه السلام- وعيسى -عليه السلام- ثُمّ خاتمُ الأنبياء والمُرسلين مُحمّد -عليهِ الصلاة والسلام-، فهُم خمسةُ رُسُلٍ كِرام تحمّلوا أعظم الأذى من أقوامهِم وصبروا أجملَ الصبر وأكمله، فكانوا أهلاً للعزم والصبر والجد، وهم كالتالي:
- نوح عليه السلام: من المعروف أنّهُ -عليه السلام- كانَ من أطول الرُسُل دعوةً إلى الله تعالى، وقد مكثَ ألف سنَةٍ إلّا خمسين عاماً يدعو قومه إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام، فكانت عُقوبتهُم بعد أن أصرّوا على الكُفر بأن أغرقهُم الله بالطُوفان الذي أتى على الكافرين وأنجى الله نبيّهُ والمؤمنين معه بالسفينة التي صنعها نوح -عليه السلام-.
- إبراهيم عليه السلام: وهو الملقّب بخليل الرحمن، والذي أُلقيَ في النار في بداية الدعوة إلى الله، وهوَ الذي ابتلاهُ الله بذبحهِ ابنه ففداهُ اللهُ بذبحٍ عظيم، وهو -عليه السلام- الذي ابتلاه الله أيضاً بترك ابنه الرضيع اسماعيل -عليه السلام- وزوجته هاجر في أرض مكّة حيث لا حياة هُناك ولا شجر ولا ماء، فكانَ أن أخرج الله ماء زمزم له، هوَ أبو الأنبياء -عليه السلام-، وهو الذي تحمّل الأذى وصبرَ في سبيل الدعوة إلى الله.
- موسى -عليه السلام-:هوَ الذي أرسلهُ إلى فرعون الطاغية، وهو الذي عانى في طفولته ونشأته، وصبر على أذى فرعون وجنده وعلى تكذيب بني اسرائيل وكُفرهم، فكانَ من الصابرين.
- عيسى عليه السلام: هوَ النبيّ الذي ابتلاه الله بقصّة مولده وبحياته في الدعوة بين الذين طاردوه ليقتلوه فأنجاهُ الله منهُم ورفعهُ إليه، فهوَ صابرٌ -عليه السلام- ومن أولي العزم من الرُسُل.
- مُحمّد -عليه الصلاة والسلام-: هوَ النبيّ الخاتم الذي كذّبهُ قومه وأقرب الناس له، ورموه بالحجارة وعذّبوا أصحابه، وقاطعوه وهجروه وقاتلوه، وأخرجوه من مكّة التي هي أرضه وبلده، فهو سيّد الصابرين وهوَ من أولي العزم من الرُسل -عليهِم جميعاً أفضل الصلاة والسلام-.