محتويات
الشهيد
الشهيد لغةً: الحاضر، وقيل: الشهيد هو الذي لا يغيب عن علمه شيء، والشهيد اسمٌ من أسماء الله تعالى، وقال ابن سِيده: الشاهد العالم الذي يُبيّن ما عَلِمه، ويأتي الشهيد بمعنى المقتول في سبيل الله تعالى، ويُجمع على شهداء، وقال ابن الأنباري: سُمّي الشهيد بذلك؛ لأن الله -تعالى- وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: سُمّوا بذلك لأنهم ممّن يشهدون يوم القيامة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأمم السابقة، قال الله تعالى: (لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)،[١][٢] وأمَّا شرعاً فقد عرّفه الفقهاء الشافعية فقالوا: هو من مات من المسلمين في جهاد الكفار، وكان موته بسببٍ من أسباب قتالهم، وذلك قبل انتهاء الحرب؛ كأن يقوم كافرٌ بقتله، أو أصابه سلاح مسلم خطأً، أو رجع عليه سلاحه فقتله، أو سقط في بئرٍ أو حُفرةٍ، أو رفسته دابّته فمات، أو كان موته بسبب مسلم من أهل البغي استعان به أهل الحرب على قتال المسلمين.[٣]
حكم الصلاة على الشهيد
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن شهيد المعركة لا يُغسّل؛ لما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بشهداء أُحد أن يُدفنوا بثيابهم، ولم يُصلّي عليهم، وقال الحسن البصري وسعيد بن المسيَّب: يُغسّل كل مسلمٍ مات؛ لأن كل ميِّتٍ تصيبه الجنابة،[٤] واختلف الفقهاء في حكم الصلاة على الشهيد، وبيان اختلافهم على النحو الآتي:
- الحنفية: ذهب الحنفية إلى وجوب الصلاة على الميّت، وذلك لأن الصلاة على الميّت تكون لإظهار كرامته، ولهذا اختصّ بها المسلمين دون الكفار، والشهيد أولى بالكرامة.[٥]
- المالكية: ذهب المالكية إلى أن شهيد المعركة لا يُغسّل، ولا يُكفّن، ولا يُحنّط، ولا يُصلّى عليه، وإنما يُدفن في ثيابه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: زمِّلوهم بكُلُومِهِم فإنهم يُبعثون يوم القيامة اللون لون دم، والريح ريح مسك.[٦]
- الشافعية: ذهب الشافعية إلى تحريم غسل الميّت والصلاة عليه؛ لأنه حيٌّ بنص القرآن الكريم، وقال الإمام الشافعي رحمه الله: جاءت الأحاديث من وجوهٍ متواترة أنه لم يُصلَّ عليهم.[٧]
- الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى القول بتحريم غسل شهيد المعركة الذي قُتل بأيدي الكفار، ولا يُصلّى عليه أيضاً، ويدخل في ذلك المقتول ظلماً، ومن قتله الكفار في غير الحرب؛ لأنهم مقتولون بغير حقٍ فأشبهوا قتلى الكفار.[٨]
أقسام الشهداء
ينقسم الشهيد إلى ثلاثة أقسام، وبيان كل قسمٍ على النحو الآتي:[٩]
- شهيد الدنيا والآخرة: وهو المجاهد الذي يُقتل في سبيل الله -تعالى- مقبلاً غير مدبر، ولم يكن مراده متاعاً من متاع الدنيا، ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: (جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، والرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، والرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فمَن في سَبيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا فَهو في سَبيلِ اللَّهِ).[١٠]
- شهيد الدنيا: وهو من قُتل في الجهاد، ولكن كان قتاله رياءً، أو حتى ينال غرضاً من أغراض الدنيا، ولم يكن في سبيل الله تعالى، فيُعامل في الدنيا معاملة الشهداء، فلا يُغسّل، ولا يُصلّى عليه، وأمَّا في الآخرة فإنه يُحاسب على سوء نيَّته، وقصده، وخبث طويّته.
- شهيد الآخرة: هو من يأخذ يوم القيامة أجر الشهداء، ولكن لا تجري عليه في الدنيا أحكام الشهيد من عدم الغُسل والصلاة، بل يُغسّل، ويُصلّى عليه، ومنهم؛ المقتول ظلماً من غير قتالٍ، ومن مات بسبب مرضٍ في بطنه، أو بسبب الطاعون، أو من مات غرقاً، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الشُّهَداءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، والْمَبْطُونُ، والْغَرِقُ، وصاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ).[١١]
صفة الشهيد الذي لا يُغسل ولا يُصلى عليه
ذهب الفقهاء إلى عدم تغسيل من قتله المشركون في الحرب، أو وُجد ميتاً في ميدان المعركة وعليه أثر الجروح والدماء، واختلفوا في غير ذلك، واختلافهم على النحو الآتي:[١٢]
- المالكية والشافعية: ذهب الفقهاء من المالكية والشافعية إلى عدم تغسيل كل مسلمٍ مات بسبب قتال الكفار حال قيام الحرب، سواءٌ قتله الكفار، أو أصابه سلاح مسلم خطأً، أو عاد عليه سلاح فقتله، أو سقط عن دابّته، أو رَمَحته دابّةٌ فمات، أو وجد قتيلاً بعد المعركة، ولم يُعلم سبب موته، سواءٌ وجدت عليه آثار الدماء أم لا، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، والحرِّ والعبد، والصبيِّ والبالغ.
- الحنفية: قال الفقهاء من الحنفية: يُغسّل كل مسلمٍ قُتل بالحديد ظلماً وهو طاهرٌ بالغ، فإن كان جنباً، أو كان صبياً، أو وجب في قتله القصاص، فإنه يُغسّل، وأمَّا من وجد قتيلاً في مكان المعركة، فإن ظهر فيه أثرٌ للجروح أو الدم في موضعٍ غير معتاد فلا يُغسّل، كأن يخرج الدم من عينه، وإن كان خروج الدم من موضعٍ يخرج منه عادةً بغير آفةٍ في الغالب؛ كالأنف، أو الدُّبر، أو الذَّكر فإنه يُغسّل، والأصل في غسل الشهيد أن كل من صار مقتولاً في قتال أهل الحرب، أو البغاة، أو قطّاع الطريق، وأصبح قتله مضافاً إلى العدوِّ كان شهيداً لا يُغسّل، سواءٌ قتله العدوّ مباشرةً، أو تسبّب في مقتله، و لا يكون شهيداً كل من صار مقتولاً بمعنىً غير مضافٍ إلى العدو، كأن يرمي مسلمٌ العدو فيُصيب مسلماً آخر فيقتله؛ فإنه يُغسل.
- الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن الشهيد لا يُغسّل، سواءٌ كان مكلّفاً، أو غير مكلّفٍ، إلا إن كان المقتول قد أصابته جنابة، أو كانت امرأةً حائضاً، أو نُفساء قد طهرت من حيضها أو نفاسها، ووجب عليها الغسل، وأمَّا إن سقط عن دابّته، أو وُجد ميتاً ولا أثر للجروح والدماء عليه، أو سقط من شاهقٍ في الحرب، أو رفسته دابةٌ فمات منها، أو عاد عليه سهمه، فالصحيح من مذهب الحنابلة أنه يُغسّل، بشرط ألا يكون ذلك من فعل العدو، وأمَّا من قُتل مظلوماً بأي سلاحٍ كان، كالذي قتله اللصوص؛ فإنه يُلحق بشهيد المعركة في أصحّ الروايتين عن الإمام أحمد.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 143.
- ↑ ابن منظور (1414)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 238-242، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ أحمد أبو عيد (3-11-2015)، "الشهادة في سبيل الله تعالى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2019. بتصرّف.
- ↑ ابن رشد الحفيد (2004)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، القاهرة: دار الحديث، صفحة 239، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ أبو بكر الكاساني (1986)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 325، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد ابن عليش (1989)، منح الجليل شرح مختصر خليل، بيروت: دار الفكر، صفحة 518، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ الخطيب الشربيني (1994)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 33-34، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ منصور البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 98-100، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ "الشهادة أنواعها والفروقات بينها"، www.fatwa.islamweb.net، 2002-12-26، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس، الصفحة أو الرقم: 2810، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1914، صحيح.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ( 1992)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 276-277، جزء 26. بتصرّف.