محتويات
الصِّدق
الأعمال في مُجملها كثيرة، تُقسَم إلى أعمال قلبيّة؛ مثل محبّة الله سبحانه وتعالى، والتوكُّل عليه، والخوف والرّجاء منه، والإنابة إليه، والصِّدق، وإخلاص الدين لله، ومنها أعمال الجوارح؛ مثل الصّلاة، والإحسان، والجهاد وغيرها، ومن خلال التأمل في الشريعة في مصادرها ومواردها يتبيّن أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الأعمال القلبيّة وأعمال الجوارح، وأنّ الأعمال القلبيّة أكثر إلزاماً للعبد من أعمال الجوارح؛ فبها يتميّز العبد المؤمن عن المنافق، وبها يدخل المرء الإسلام، فعبوديّة القلب أعظم من عبوديّة الجوارح وأدوم، فهي واجبة على العبد في كلِّ وقت.
والصِّدق هو أصل الأعمال القلبيّة جميعها، والكذب منشأ الرِّياء، والكِبَر والفخر، والبطر، والعجز، والكسل والجُبن، وغير ذلك من الأعمال الفاسدة، وجميع الأعمال الصّالحة ظاهرةً كانت أو باطنةً، فإنّ منشأها الصِّدق، وعقوبة الكذاب هي أن يُقعده الله تعالى عن مصالحه ومنافعه، ويثبطه عنها، أمّا الصّادق فيُثيبه الله تعالى على صدقه، ويوفّقه للقيام بجميع مصالحه الدنيويّة والأخرويّة.[١]
معنى الصِّدق وحقيقته
للصّدق معانٍ لغويّة واصطلاحيّة، بيانها فيما يأتي:
- معنى الصِّدق لغةً: هو اسم من المصدر صَدَقَ، وهو مُطابقة الكلام للواقع، حسب اعتقاد المتكلّم، ويُطلَق الصِّدق أيضاً على الصلابة والشِّدة، ويُقال: هو رجل صِدقٍ؛ أي أنّه رجل صادق لا يخون، وهي امرأةُ صِدقٍ، ويُعرَف الصِّدق أيضاً بأنّه الأمر الصالح الذي لا شية فيه من نقص أو كذب.[٢]
- تعريف الصِّدق اصطلاحاً: عرّف العلماء الصِّدق في الاصطلاح بعدّة معانٍ؛ منها أنّه يعني الإخبار عن الشيء على حاله التي يكون عليها، وهو ضدّ الكذب، وقد عرّفه الرّاغب الأصفهانيّ بأنّه (مُطابَقة القول الضمير والمخبر عنه معاً، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقاً تامّاً).[٣]
- حقيقة الصِّدق: يمكن إدراك حقيقة الصّدق بأن يكون الشخص صادقاً في تلك المواضع التي لا ينجو منها إلا إذا لجأ إلى الكذب، كما قيل بأنّ حقيقة الصِّدق تظهر بأن يوافق سرّ المرء ما ينطق به، فتظهر حقيقة الصِّدق وتنجلي باستواء حال الشخص سرّاً وعلانيّةً.[١]
مجالات الصِّدق
للصدق مجالات عديدة يمكن تطبيقه عن طريقها، ومن أهمِّ وأبرز تلك المجالات ما يأتي:[٤]
- الصِّدق في القصد والنيّة: هي من أهمِّ مجالات الصِّدق وأبرزها؛ فالصِّدق في القصد يستلزم من المرء أن يُخلص النيّة لله سبحانه وتعالى، في قوله وفعله وعبادته وفي جميع تصرفاته التي يتققرّب بها إلى الله سبحانه وتعالى؛ فالمرء لا يدعو الله تعالى ليطلب جاهاً، أو ليحمده غيره من الناس على ما دعا، فإذا تحصَّل الصِّدق في قصد المسلم، وتحقّق في أعماله وأقواله بالإخلاص في جميع أموره، أثمر لديه عزيمةً صادقةً، وإرادةً قويّةً.
- الصِّدق في القول: فالصِّدق يستلزم من المرء ألّا ينطق لسانه إلا بالحق، فلا ينطق بالباطل مهما تكن صورة الباطل؛ ولا ينطق بالكذب، أو يلجأ للسبّ، أو الشّتم، أو اللّعن، ولا يلجأ إلى الغيبة، أو النميمة، أو قول الزّور، أو غير ذلك من آفات اللسان، ولا يدعو إلّا على بصيرة، وعلم ويقين، ولا يعِظ الناس إلا بالصِّدق من الأمثال والقصص.
- الصِّدق في العمل؛ بموافقة العمل للقول، وموافقة القول والعمل لما في القرآن الكريم والسنة النبويّة.
أهميّة الصِّدق
للصدق أهميّة كبيرة وفضائل عظيمة أشار إليها الله -سبحانه وتعالى- في العديد من النصوص في كتابه العزيز، ومن أهمِّ وأعظم وأبرز الفضائل التي تُظهر أهميّة الصِّدق المستندة إلى كتاب الله ما يأتي:[٥]
- الصِّدق صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا).[٦]
- الصِّدق صفة مُلازِمة لجميع الأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام، وهو دليل نبوّتهم وصدق رسالتهم، قال الله سبحانه وتعالى: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).[٧]
- الصِّدق من صفات عباد الله المُتّقين؛ الذين لا ينطقون إلا ما هو صدق وحقّ، وقد ذكر الله تلك الصفة لعباده المؤمنين في العديد من المواضع في كتابه العزيز، ومن تلك المواضع قول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ*الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ*الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ).[٨]
فوائد الصِّدق
للصدق آثار عظيمة وفوائد عديدة، وتظهر تلك الآثار على الشخص الصادق في عقيدته، وعبادته التي يتقرَّب بها إلى الله، وسلوكه وتعامله مع الناس، ومن أبرز هذه الفوائد ما يأتي:[٥]
- الصادق خير الناس، وأفضلهم وأشدّهم قرباً من الناس؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الناسِ ذُو القلبِ المخمُومِ واللسانِ الصَّادِقِ، قِيلَ: ما القلبُ المخمُومِ؟ قال: هو التَّقِيُّ النَّقِيُّ الذي لا إِثْمَ فيه ولا بَغْيَ ولا حَسَدَ، قِيلَ: فَمَنْ على أثَرِهِ؟ قال: الَّذي يَشْنَأُ الدُّنيا، ويُحِبُّ الآخِرةَ، قِيلَ: فمَنْ على أثَرِهِ؟ قال: مُؤمِنٌ في خُلُقٍ حَسَنٍ).[٩]
- الصادق مُجاب الدُّعاء، وله الأجر الكبير من الله سبحانه وتعالى، حتّى وإن عجز عن العمل الذي نواه بصدق مع العزم عليه والصِّدق في طلبه، فسيجزيه الله أجر ما نوى؛ حيث أخرج الإمام مسلم في صحيحه من رواية سهل بن حنيف أن النبي -صلى الله عليه وسل- قال: (مَن سأَل الشَّهادَةَ بصِدقٍ، بلَّغه اللهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ، وإنْ مات على فِراشِه).[١٠]
- في الصِّدق حصول للبركة في البيع والشراء؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا).[١١]
- في الصِّدق طمأنينة للقلب والنفس، وسكينة للصادق، وراحة له في سائر أحواله.
- في الصِّدق ارتقاء إلى منازل الأخيار والأبرار من الأنبياء، والصدِّيقين، والصالحين.
- في الصِّدق فوز برضوان الله سبحانه وتعالى.
- الصِّدق ضمان لدخول الجنة؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِرِّ ، وإنَّ البِرَّ يَهدي إلى الجنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَصدُقُ حتَّى يَكونَ صدِّيقاً، وإنَّ الكذِبَ يَهدي إلى الفُجورِ، وإنَّ الفجورَ يَهدي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَكذِبُ، حتَّى يُكتَبَ عندَ اللَّهِ كذَّاباً).[١٢]
المراجع
- ^ أ ب خالد حسن محمد البعداني (28-12-2012)، "الصِّدق"، www.jameataleman.org، اطّلع عليه بتاريخ 1-11-2017. بتصرّف.
- ↑ "معنى الصِّدق"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 1-11-2017. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (1433هـ)، موسوعة الأخلاق الإسلاميّة، موقع الدرر السنيّة، صفحة: 334، جزء: 1. بتصرّف.
- ↑ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، الخلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة، السعوديّة: مطبعة سفير، صفحة: 42-44. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد عماري (14-12-2014)، "مكانة الصِّدق في الاسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-11-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آيّة: 122.
- ↑ سورة يس، آية: 52.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 15، 16، 17.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3291 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سهل بن حنيف، الصفحة أو الرقم: 1909 ، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن حكيم بن حزام، الصفحة أو الرقم: 2110، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6094، صحيح.