احكام الصلاة في السفر

كتابة - آخر تحديث: ١٢:٥٨ ، ١٩ سبتمبر ٢٠١٨
احكام الصلاة في السفر

الصلاة

إنّ الصلاة من أعظم العبادات في الإسلام؛ فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا بها، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ)،[١] وممّا يدلّ على علو منزلة الصلاة في الإسلام أنّ الله تعالى فرضها في السماء يوم الإسراء والمعراج، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه: (فُرِضَتْ عَلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ليلةَ أُسرِيَ بِه الصَّلواتُ خَمسينَ، ثُمَّ نَقصَتْ حتَّى جُعِلَتْ خَمسًا، ثُمَّ نودِيَ: يا محمَّدُ: إنَّهُ لا يُبَدَّلُ القولُ لديَّ، وإنَّ لَكَ بِهذِهِ الخمسِ خَمسينَ)،[٢] بالإضافة إلى أنّ آخر وصيّةٍ أوصى بها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو على فراش الموت: الصلاة، حيث قال: (الصلاةَ الصلاةَ وما ملكت أيمانُكم).[٣]


أحكام الصلاة في السفر

تتفرّع أحكامٌ كثيرةٌ عن مسألة السفر فيما يتعلّق بصلاة المسافر، وفيما يأتي عرضٌ لأهمّ الأحكام المتعلّقة بصلاة المسافر.


حكم الأذان في السفر

يُعتبر حكم الأذان فرض كفايةٍ على المسلمين؛ إذ إنّه من شعائر الإسلام الظاهرة التي يُميَّز بها بين المسلم وغيره، وقد قال المحقّقون بوجوب الأذان في السفر والحضر؛ لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لم يترك الأذان في السفر ولا في الحضر، وقد داوم عليه النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- والخلفاء الراشدون من بعده، بالإضافة إلى أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد أمر مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- بالأذان، حيث قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرتِ الصلاةُ، فلْيؤذنْ لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم)،[٤] والأمر الظاهر يُفيد الوجوب، كما قال ابن المنذر: (الأذان والإقامة واجبان على كلّ جماعةٍ في السفر والحضر؛ لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمر به مالك بن الحويرث).[٥]


حكم القصر في السفر

لقد شرع الله تعالى القصر، والدليل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا)،[٦] وعلى الرغم من أنّ ظاهر الآية الكريمة يدلّ على حصر القصر في حالة الخوف من فتنة الكفّار، إلّا أنّ هذا الحصر جاء لبيان الواقع؛ إذ إنّ أغلب أسفار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك الوقت كان فيها خوفٌ، فيجوز القصر أيضاً في حالة الأمن، وممّا يدلّ على ذلك؛ الحديث الذي روي عن علي بن أميّة رضي الله عنه، حيث سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن الآية السابقة وقد أمن الناس، فقال عمر: (عجبتُ ممّا عجبتَ منهُ، فسألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن ذلك، فقال: صدقةٌ تصدقَ اللهُ بها عليكم فاقبلوا صدقتَه)،[٧] بالإضافة إلى قول ابن عمر رضي الله عنهما: (صَحِبتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان لا يَزيدُ في السفَرِ على ركعتَينِ، وأبا بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ كذلك رضي اللهُ عنهم)،[٨] والحقيقة أنّ الكثير من العلماء يعتبرون القصر في السفر رخصةً، أو سنّةً مؤكّدةً؛ بحيث يجوز للمسافر أن يقصر صلاته ويجوز له إن شاء أن يُتمّها، والأفضل أن يقصرها اقتداءً بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولقوله عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تؤتى رُخَصُه كما يكرَهُ أنْ تؤتى معصيتُه).[٩][١٠]


مسافة القصر والجمع في السفر

اختلف العلماء في المسافة التي يجوز للمسافر القصر عند نيّة قطعها، وفيما يأتي بيان أقوالهم:[١١]

  • يرى الفريق الأول من العلماء: إنّ القصر لا يُشرع إلا إذا نوى المسافر قطع مسافة ستة عشر فرسخاً، والفرسخ؛ ثلاثة أميالٍ، فتكون المسافة ثمانيةً وأربعين ميلاً، وقد قدّرها ابن عبّاس -رضي الله عنهما- بالمسافة بين مكّة وجدّة، أو المسافة بين عسفان ومكّة، أو بين الطائف ومكّة، ومن أصحاب هذا القول؛ ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، والإمام الشافعيّ، والإمام مالكٌ، واسحاق.
  • يرى الفريق الثاني من العلماء جواز القصر في حال نيّة السفر لمسافة عشرة فراسخ، وهو ما يساوي ثلاثين ميلاً، فقد قال ابن المنذر: (ثبت أنّ ابن عمر كان يقصر إلى أرض له هي ثلاثون ميلاً)، وكذلك روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه كان يقصر في اليوم ولا يقصر فيما دونه، وهذا ما قال به الأوزاعي، وذهب إليه عامّة العلماء.
  • يرى الفريق الثالث: إنّ مسافة القصر هي مسيرة ثلاثة أيّامٍ، واستدلّ أصحاب هذا الرأي بما روي عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه: (أرخص للمسافرِ أن يمسَحَ ثلاثةَ أيَّامٍ ولياليَهنَّ)،[١٢] ومن أصحاب هذا القول؛ الإمام الثوري، وأبوحنيفة، وابن مسعود رضي الله عنه.
  • يرى الفريق الرابع جواز القصر في ما دون مسيرة يومٍ، كما قال الأوزاعيّ: (كان أنس يقصر فيما بينه وبين خمسة فراسخ، وكان قبيصة بن ذؤيب، وهانئ بن كلثوم، وابن محيريز يقصرون فيما بين الرملة وبيت المقدس، وروي عن علي -رضي الله عنه- أنّه خرج من بيته في الكوفة حتى أتى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ثم رجع من يومه، فقال أردت أن أعلّمكم سننكم)
  • يرى فريق من العلماء جواز القصر في حال قطع المسافر مسافةً تُسمّى سفراً في عرف الناس وعادتهم، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.


حكم الجمع بين الصلاتين في السفر

يجوز الجمع بين الصلاتين خلال السفر إذا كان في ترك الجمع مشقّة على المُسافر، فقد ثبت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه جمع في بعض أسفاره، ولم يجمع في بعضها الآخر، وهذا يدلّ على أنّ حكم الجمع في السفر ليس سنّةً مستحبّةً لكلّ مُسافرٍ، وإنّما يكون الجمع مستحبّاً في حال وجود المشقّة.[١٣]


المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2616 ، صحيح.
  2. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 213 ، صحيح.
  3. رواه ابن جرير الطبري، في مسند علي، عن أم سلمة هند بنت أبي أمية، الصفحة أو الرقم: 166، إسناده صحيح.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم: 631، صحيح.
  5. "حكم أذان المسافر ومن يصلي خارج البلد"، ar.islamway.net/fatwa، اطّلع عليه بتاريخ 1-9-2018. بتصرّف.
  6. سورة النساء، آية: 101.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 686 ، صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1102 ، صحيح.
  9. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2742 ، أخرجه في صحيحه.
  10. "صلاة المسافر ومدة القصر"، fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-9-2018. بتصرّف.
  11. "مسافة القصر ومتى يقصر وحكم الجمع"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-9-2018. بتصرّف.
  12. رواه يحيى بن معين، في التلخيص الحبير، عن خزيمة بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 1/253، صحيح.
  13. "هل يجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين أحيانا ، ولا يجمع أحياناً ؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 1-9-2018. بتصرّف.
1,669 مشاهدة