الوجود
اختَلفَ العديد من الفلاسفة في بيان مفهوم الوجود وحقيقته، وهل إذا كان هذا المفهوم من المُشتركات اللفظيّة أم المعنويّة، لكنّهم جميعاً اتفقوا على كونه أحد المفاهيم البديهيّة بالاستناد إلى أمرين، الأوّل لأنّ الوجود جليٌ وواضح، والأمر الآخر لأنّه لا يُعتبر فصلاً ولا جنساً. كانت الأبحاث حول الوجود تتحدث عن مفهومه، وعن خصوصيّة الحمل؛ لأن الوجود يحمل كلّ ما عداه، وقد أدّى هذا الأمر إلى وقوع خلافٍ آخر بين الفلاسفة بشأن أمر أصالة الوجود وأصالة الماهيّة.
المعنى الحقيقي للوجود
مِن الصعب تحديد المدلول الحقيقي لكلمة الوجود إلا من خلال القيام بفهمٍ تجزيئي تفصيلي لعددٍ من المُفردات المجتمعة لتشكيل صورةٍ تشخيصيّة له، وتتكاثف كافة المفردات من مصادرها فيما بينها لتشكيل وحدة معرفيّة دقيقة منضبطة ومجرّدة تُسيطر على النتيجة ولا تسيطر النتيجة عليها، فعلى سبيل المثال إذا صادف الفرد شيئاً غير معروف أو محدّد له من قبل، ولا حتى من قبيل الإحساس بهذا الشيء حتّى من خلال الفطرة هنا يجب محاولة انتزاع المعنى من كليهما، فهذا الفرد يقف ضمن مجهول مطلوب منه تحديده، فلا بدّ له من مفرداتٍ أساسيّة ضروريّة توضّح حقيقته، وهي ضروريّة لتوضيح ماهيّة هذا الشيء المجهول.
أوّل ما يمكن الاستعانة به هو العقل بكافة محسوساته المكتسبة والطبيعيّة، وعلاقة تلك المَحسوسات بالمَكان والزّمان والمادة، وربطها جميعاً بالنتيجة المُراد تصديقها، فلو أثبتت النتائج بأنّ هذا الشيء المجهول تحوّل لكيانٍ حقيقي من خلال النتائج إذاً فهو (وجود)؛ حيث تُعتبر هذه هي الخطوة الأولى والأهم لفهم المعنى ومنها يبدأ التعمّق بالتفاصيل الدقيقة والجزئيّة.
تُغاير الطريقة المذكورة في فهم المعنى المفهوم الكلاسيكي، وكيفيّة تعبير القدماء عنه من خلال مبحث التعريف ومبحث التحليل، ويظهر هذا الأمر في تراث أرسطو يليه الفارابي، وذلك من خلال نظريّةٍ بُنيت على سؤالٍ الافتراضي مفاده: (هل مَفهوم الوجود بحاجةٍ إلى التعريف، أم أنه مستغنى عن التعريف)؟.
إن كان هذا مفهوم الوجود بحاجةٍ إلى التعريف فيكون هذا التعريف بشكلٍ نظري؛ لأنه يتمّ الاستدلال على المعنى الحقيقي للوجود من خلال غيره، كتعريف الإنسان على أنه عبارة عن (حيوانٍ وناطق)، غير أنّ هذه الحقيقة غير صحيحة، لأنّه لا يُمكن وصف حيوان ناطق على أنه بحاجة لواسطة، لأن هناك أنواع أخرى من الحيوانات كالببغاوات تنطق عن طريق تلقينها لتنطق، إذاً هي بحاجة لواسطة للنطق، لهذا فإن الإنسان في ماهيته الحقيّقة التي وجد عليها هو حيوانٌ ناطق عاقل، أيضاً كتعريف الماء بأنّه عبارة عن اتحاد عنصري الأكسجين والهيدروجين، فهذا التعريف جاء نتيجة دلالة الأجزاء الماهيّة للشيء وليس نتيجة الواسطة، فلا يتمّ الخُروج عن حقيقة الشيء المُراد تعريفه والذي هو عبارة عن عمليّةٍ علميّة وليست عمليّة نظريّة، فإن كان مستغنياً عن التعريف فإنّ الشيء يكون بديهيّاً بأن يتمّ العلم به ومعرفته، وبالتالي يتعقّله الإنسان.
بداهة مفهوم الوجود
أوضح الدكتور (عبد الجبار الرفاعي) في بحثه بداهة مفهوم الوجود قائلاً: "إذا أردنا تعريف شيء، فلا بدّ أن نعرفه بما هو أعمّ وهو الجنس، وبما هو مساوٍ وهو الفصل، والوجود ليس هناك ما هو أعمّ منه، إذاً فلا جنس له، كما أنّه لا فصل له ولا خاصّة، ومعلومٌ أنّ التّعريف إنما يتمّ بهذه الأمور الثلاثة؛ فالتّعريف إمّا حدٌ أو رسم، والحدّ والرسم يتألفان من هذه الثلاثة: الجنس والفصل والخاصّة، كما أنه مقسم الجنس والفصل والخاصّة الذي يتفرعان عنه هو الماهيّة، والماهيّة في مقابل الوجود، إذاً هذه ماهيّات والماهيّة مقابلة للوجود، وعلى هذا ما دام المعرّف يتألف من هذه الأمور، وهذه الأمور مقابلة للوجود، فلا معرّف حقيقي للوجود، والتعاريف التي تذكر هي عادةً تعاريف لفظيّة".