رحمة الله
إنّ من رحمة الله -تعالى- بالإنسان أن جعل باب التّوبة مفتوحاً له طول العمر وفي كلّ وقت ومتى ينوي الإنسان ذلك، ونفس الإنسان جُبلت على شهوات ورغبات قد تحيد به عن الطريق الصحيح؛ لذلك فإنّ الله -تعالى- أوجب التوبة على الإنسان ورغّبه بها، حتى لا ييأس الإنسان ويقنط ويظنّ أن لا ملجأ إلى الله أن لا سبيل للرجوع إذا وقع في الذنب أو تمادى به؛ حيث قال الله تعالى مؤمّلاً أهل المعاصي والذنوب وأهل الإكثار منها: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)،[١] فكان ذلك نداء من الله -عزّ وجلّ- لأهل المعاصي والمحرّمات أيّاً كان شكلها أن يُقبلوا على الله -تعالى- بالتوبة والاستغفار؛ حيث إنّ الله -تعالى- شَمِل التائبين برحمته ومغفرته، وورد في الأحاديث النبويّة كذلك ما يبشّر بشمول توبة الله -تعالى- لمن يتوب، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الصحيح: (لو أنَّ ابنَ آدَمَ أُعْطيَ وادياً مَلئاً مِن ذهَبٍ أحَبَّ إليهِ ثانياً، ولو أُعْطيَ ثانياً أحَبَّ إليهِ ثالِثاً، ولا يَسُدُّ جَوفَ ابنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَُتوبُ اللُّه علَى مَن تابَ).[٢]
قبول توبة الزّاني
إنّ الزّنا من الكبائر في الإسلام، فالزّنا فعل قبيح جدّاً، وإذا كان الزّاني مُحصَن؛ أي متزوّج فذنبه أعظم وأشنع، حيث أنعم الله -تعالى- عليه بنعمة الزوجة والأسرة، ثمّ بحث عن سبيل محرّم لقضاء شهوته، وكفّارة ذلك في الإسلام الرجم حتى الموت كما حكم الله تعالى، ولكن إذا لم يُبح الزّاني بجريمته ولم تصل إلى أولي الأمر ولم يكن عليه شهود على فعلته فإنّ الله -تعالى- ستر عليه عمله، وعليه أن يتوب إلى الله -تعالى- توبة نصوحاً وألّا يعود إلى ذلك العمل أبداً، وأكّد على ذلكقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (لا تَزنوا، ولا تقتُلوا أولادكم، ولا تَأتوا ببُهتانٍ تفتَرونه بين أيدِيكم وأرجُلِكم، ولا تَعصوا في معروفٍ، فمَن وَفَّى منكم فأجرُه على اللهِ، ومَن أصاب من ذلك شيئاً فعوقِبَ في الدنيا فهو كَفَّارةٌ له، ومَن أصاب من ذلك شيئاً ثمّ سَتَرَه اللهُ فهو إلى اللهِ، إن شاء عَفا عنه وإن شاء عاقَبَه)،[٣] وعلى التائب أن يُكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، ويقطع أيّ عمل قد يُوصل به إلى طريق الوقوع المعصية التي تاب منها، حيث إنّ الله -تعالى- يحبّ التائبين، فورد في القرآن الكريم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).[٤][٥]
توبة زاني زمن النبيّ
ورد في صحيح مسلم قصّة عن صحابيّ اسمه ماعز؛ حيث ذهب إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عندما كان جالس بن أصحابه -رضي الله عنهم- فقال ماعز: (يا رسول الله طهّرني)، فأشار إليه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن يرجع ويستغفر الله تعالى، ثمّ رجع ماعز إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وطلب ذات الطلب أكثر من مرّة، فسأله النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن الذي قام به ليتطهر منه، فأخبره ماعز أنّه وقع في فاحشة الزّنا، فسأل عنه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأنه مجنون أم شارب للخمر أم لا، فتأكّد بأنّه عاقل وبأنّه يعي ما يقول، فأقام عليه الحدّ بالرجم حتى الموت، فأصبح الصّحابة -رضي الله عنهم- يتسائلون عن حاله هل أحاطت به خطيئته فيكون مصيره إلى النّار أم أنّ الله -تعالى- قَبِل منه توبته، فجاء الخبر من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث قال: (لقد تاب توبةً لو قُسِّمَتْ بين أُمَّةٍ لوسِعَتْهُم).[٦][٧]
وورد أيضاً أنّ امرأة تلقّب بالغامديّة ذهبت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وطلبت منه أن يطهّرها، وعَلِم أنّها حُبلى من الزّنا، فأخّرها حتى وضعت، ثمّ ذهبت إلى الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- فأمره أن ترضعه، فأرضعته حتى ذهبت به إلى النبيّ وفي يده كسرة خبز، فحين رآه وافق بأن يُقام عليها الحدّ، فحفر لها حفرةً وأمر النّاس أن يرجموها، فنضح دمُها على وجه خالد بن الوليد رضي الله عنه، فسبّها فنهاه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذلك وأخبره بأنّها تائبة لله -عزّ وجلّ- توبةً نصوحةً لو تابها صاحب مكس لغفر الله له ذنوبه، ثمّ صلّى عليها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ودفنها.[٧]
شروط التّوبة المقبولة
عنما ينوي العاصي والمذنب أن يتوب ويرجع إلى طريق الاستقامة فعليه أن يعلم شروط التوبة الصادقة التي تجعل توبته مقبولةً عند الله تعالى، وفيما يأتي بيان شروط التوبة الواجب على المسلم أن يحقّقها:[٨][٩]
- الإخلاص لله -تعالى- بالتوبة، والعلم بأنّها ليست إلّا لنيل رضى الله تعالى.
- الرجع عن الذنب نهائيّاً وعدم العودة إليه أبداً.
- الشعور بالنّدم على ما قدّم الإنسان من معصية وتقصير بحقّ الله تعالى.
- أن تكون التّوبة قبل الغرغرة؛ أي قبل لحظة الموت.
- أن يشعر التائب بالإنزعاج والضيق إذا تذكّر ذنبه وأخطائه بحقّ الله تعالى، وكذلك على التائب أن يترك أصحاب السوء أو مَن يعينه على إتيان الذنوب والمعاصي.
- إرجاع الحقوق إلى أصحابها إن كانت الذنوب والمعاصي تتعلّق بحقوق العباد، كما أنّ التوبة يجب أن تكون من كلّ الذنوب والمعاصي التي ارتكبها العبد.
- القيام بالأعمال الصالحة وأعمال البرّ والخير والإكثار منها.
المراجع
- ↑ سورة الزمر، آية: 53.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 6438، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 18، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.
- ↑ "توبة الزاني المحصن وهل يشترط لقبولها أن يقام الحد عليه"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-16. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 1695، صحيح.
- ^ أ ب "من قصص التائبين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-15. بتصرّف.
- ↑ "التوبة إلى الله تعالى وشروطها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-16. بتصرّف.
- ↑ "خمسة شروط للتوبة الصادقة"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-16. بتصرّف.