صحابة رسول الله ومكانتهم
يُعدّ صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أفضل البشر بعد الأنبياء والرّسل؛ فلقد اصطفاهم الله تعالى-ليكونوا أصحاب نبيه -عليه السّلام- ومؤيّديه ومعينيه لينشر دعوته الإسلاميّة، وكانوا كما أرادهم الله تعالى مخلصين مؤمنين متفانين في نشر الدّعوة والجهاد في سبيلها، حتّى أثنى الله تعالى عليهم في كتابه الكريم، فقال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)،[١] وإذا عرف المسلم حبّ الله تعالى لهؤلاء الثّلّة المؤمنة، وعلم فضلهم الذي ذكره رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حين امتدحهم، فقد لزمه حبّهم والتأدّب في الحديث عنهم، والرّغبة في معرفة سيرهم؛ لفضلها وعظيم الدّروس والعبر فيها.
إنّ من الآداب الواجب على المسلم التزامها تجاه صحابة رسوله الكريم؛ أن يعتقد عدالتهم وألّا يجرّح فيهم، فإنّهم قد عاشروا خير الخلق وائتمروا بأوامره وانتهوا بنواهيه وعاشوا على ذلك، فلا يجوز لمسلمٍ أن يشكّك في خلق صحابيّ أو صفةٍ فيه رضي الله عنهم جميعاً، وكذلك على المسلم أن يحبهم جميعهم ويترضّى عنهم، كما أحبّهم الله تعالى وترضّى عنهم في كتباه العزيز، ومن حبّهم كذلك: توقيرهم ورفع مكانتهم؛ فإنّ أهل السنّة والجماعة يوقّرون صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- جميعهم ولا يستثنون أحداً منهم، وفي المقابل فإنّ حبّهم وتوقيرهم لا يجوز أن يتعدّى الحدّ المطلوب، فيكون غلوّاً في المحبّة وإعلاءً للشّأن فوق ما يجب، وإنّ من محبّة المسلم للصحابة إنزالهم منازلهم؛ وذلك بأن يعرف قدرهم والصّفات التي حملوها، فيقتدي بهم ويعمل بعملهم، حتّى يفلح كما أفلحوا بإذن الله.[٢]
تعريف الصّحابة رضي الله عنهم
اختلفت تعريفات العلماء للصحابي ومن هو، فعلماء الحديث الشريف لهم تعريفٌ، وعلماء أصول الفقه لهم تعريفٌ آخرٌ، وبيان تعريفاتهم على النحو الآتي:[٣]
- تعريفُ الأصوليون للصحابيّ: هو من طالت مجالسته للنبي صلى لله عليه وسلم، على طريق التبع له والأخذ عنه، بخلاف من وفد عليه وانصرف بلا مصاحبة ولا متابعة.
- تعريف المحدثين للصحابيّ:من لقي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مؤمناً به، ومات على الإسلام؛ فيدخل في من لقيه: من طالت مجالسته له أو قصرت بلا فرقٍ، ومن روى عنه أو لم يرو عنه، ومن غزا معه أيّ من الغزوات أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارضٍ؛ كالعمى، ويخرج بقيد الإيمان: من لقيه كافراً، ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع معه مرة أخرى، وقد شمل التّعريف كذلك من دخل في الإسلام ورأى النبيّ -عليه السّلام- ثمّ ارتدّ عن الدّبن، ثمّ عاد إليه مجدّداً حتى لو لم يلق النبيّ مرّةً أخرى. وهذا التّعريف أصحّ وقد قال به البخاريّ وأحمد بن حنبل -رحمهما الله- وغيرهما.
وذكر العُلماء أنّ عدد الصّحابة الذين توفي عنهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد بلغ مئةً وأربعة عشر ألفاً، وقد نُقل عن الرّافعيّ: أنّه عند وفاة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان الصّحابة ستين ألفاً؛ ثلاثين ألفاً في المدينة المنوّرة، وثلاثين ألفاً في قبائل العرب، وقد قيل إنّ ما صنّفه العُلماء من أسماء وسِير الصّحابة ما يقارب العشرة آلاف.[٤]
فضل الصّحابة الكرام
شهِد الله تعالى بفضل الصّحابة رضوان الله تعالى عليهم، وقد أنزل فيهم آياتٍ قرآنيّةً تُتلى إلى يوم القيامة؛ حيث قال الله تعالى فيهم: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)،[٥] فعن ابن كثير في تفسير الآية الكريم: (فعلم ما في قلوبهم من الصّدق والإيمان والوفاء؛ لذلك كرّمهم ورفع قدرهم)، وفي قوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)،[٦] يقول ابن القيّم: (فالله سبحانه أعلم حيث يجعل رسالاته أصلاً وميراثاً؛ فهو أعلم بمن يصلح لتحمل رسالته فيؤديها إلى عباده بالأمانة والنصيحة، وتعظيم المرسل والقيام بحقه والصبر على أوامره والشكر لنعمه، والتقرب إليه، ومن لا يصلح لذلك، وكذلك هو سبحانه أعلم بمن يصلح من الأمم لوراثة رسله والقيام بخلافتهم، وحمل ما بلغوه عن ربهم).[٧] ولقد أكّد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فضل أصحابه واستحقاقهم لعلوّ الدّرجات، فقال: (خيرُ الناسِ قَرْنِي، ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم، ثم الَّذِينَ يَلُونَهم).[٨]
لقد كان المميّز في الصّحابة -رضوان الله عليهم- والسّبب في تعظيم شأنهم ونيلهم كلّ هذا الفضل من الله تعالى وكلّ هذه المحبّة من رسوله؛ ما وقر في قلوبهم من الإيمان الصّادق وصحّة الاعتقاد، فقد امتلأت قلوبهم بمحبة الله تعالى وتعظيمه والخوف منه، وأحبّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكانت طاعته وإيثاره على أنفسهم علامة هذا الحبّ، حتّى بذلوا في سبيل رضا الله ونبيّه أموالهم وأنفسهم وأوقاتهم وكلّ ما يملكون، ثمّ إنّهم تمّموا إيمانهم بصحّة العبادة وكثرتها، فداوموا على الطّاعات، وحسّنوا أخلاقهم، وتآخوا فيما بينهم، وآثروا إخوانهم على أنفسهم، حتّى جعل الرّسول -عليه السّلام- محبّتهم من الإيمان، وبغضهم علامةٌ من علامات النّفاق؛ لأنّ من عرف سيرتهم، ودرس أخلاقهم وأفضالهم لا يملك إلّا محبّتهم والترضّي عنهم، إلّا إذا مسّ إيمانه شيءٌ من سقمٍ.[٩]
المراجع
- ↑ سورة الفتح، آية: 29.
- ↑ "الأدب مع الصحابة رضي الله عنهم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-14. بتصرّف.
- ↑ "الصحابة .. مكانتهم .. وحكم من سبهم ؟!!"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-15. بتصرّف.
- ↑ "كم عدد الصحابة"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-14. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية: 18.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 124.
- ↑ "فضل الصحابة رضوان الله عليهم"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-14. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 3651 ، صحيح.
- ↑ "من هم المهاجرون والأنصار؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-14. بتصرّف.