تعريف الصّحابة
عرّف البخاريّ الصحابيّ بأنّه مَن صَحِبَ النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو رآهُ مِن المُسلمِين فهو مِن أصحابه، وخُصّ الصحابة بهذا التعميم؛ لأنّ من التقى بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- من المؤمنين قد تشرّف بهذه الصُحبة، فالمرء إن التقى بالصالحين تشرّف بهم وانتفع، فكيف حال من التقى وصحب النبي -صلّى الله عليه وسلّم- سيّد الأولين والآخرين، كان ذلك فضلٌ وشرفٌ لا يطاوله شيءٌ، فالصّحابة لهم فضلٌ عظيمٌ ذُكر شيءٌ منه في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ)،[١] وكذلك فقد أثنى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على أصحابه، وذكّرهم بالخير، والثناء الحسن، فقال: (إنَّ اللهَ اختار أصحابي على العالَمِين سوى النبيينَ والمرسلينَ، واختار لي من أصحابي أربعةً يعني أبا بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليّاً، فجعلهم أصحابي، وقال في أصحابي: كلِّهم خيرٌ)،[٢] وبثناء الله -تعالى- ونبيه الكريم على أصحابه فقد ثبتت عدالتهم جميعهم، لا يُستثنى منهم أحداً، حيث لا أعدل ممّن زكّاه الله -تعالى- واختاره لرفقة نبيه في حياته، ودعوته.[٣]
صفات الصحابيّات
كما أنّ الصحابة ذُكروا بالفضل والثناء الحسن وعلا شأنهم في صُحبتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد ذُكرت النساء الصحابيّات بالفضل والصفات الحسنة، فكُنّ قدوةً للمؤمنات كذلك، فمن الصّفات الجليلة التي اتّصفت بها الصحابيات:
- الجهاد في سبيل الله، فالصّحابيات -رضي الله عنهنّ- قد تعرضن للتعذيب، والأذى البدنيّ والنفسيّ بسبب إسلامهنّ، فإن لم تعذّب المرأة فقد فقدت ابنها، أو أخاها، أو أباها، أو عُذّبوا في سبيل الله، فصبرن على ذلك المُصاب واحتسبن، واضطررن أحياناً إلى ترك بيوتهنّ والتشرّد دون مأوى، وفي أوقاتٍ أخرى قد شاركن في الغزوات مع النبي -عليه السلام- طوعاً ورغبةً منهن، فكُان منهن من تداوي الجرحى وتسقي العطشى، أو تحضّر الطعام، ويحملن السلاح يدافعن عن رسول الله إن احتاج الأمر، ومن الأمثلة على الصحابيات المجاهدات: نسيبة بنت كعب التي شهدت عدّة غزواتٍ مع النبي عليه السلام، وحضرت بيعة العقبة الثانية معه أيضاً، وكانت من بين المصابين يوم أحد باثنتي عشرة ضربةً بين طعنة رمحٍ، وضربة سيفٍ، حتى دعا لها النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولأولادها.[٤]
- العلمُ ورواية الحديث عن النبي عليه الصلاة السلام، حيث كان غالبهنّ من أمهات المؤمنين وبنات النبي رضوان الله عليهنّ، فكان لهنّ دورٌ بارزٌ في رواية الحديث، وتعلّم الاحكام الفقهية، والسنن عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونشرها وتعليمها للمسلمات اللواتي كنّ يجدن حرجاً من سؤال النبي -عليه السلام- عن بعض الأحكام الشرعية وغير ذلك، فكن أمّهات المؤمنين يأخذن العلم عن رسول الله، وينشرنه بين الصحابيات فيفقّهنّه، وأبرز من يُذكر في هذا الباب هي السيدة عائشة رضي الله عنها، فقد رُوي عنها: (كانتْ لا تَسمَعُ شيئاً لا تَعرِفُه، إلا راجَعَتْ فيه حتى تَعرِفَه، وأن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: مَن حُوسِبَ عُذِّبَ قالتْ عائشةُ: فقُلْتُ: أوليس يقولُ اللهُ تعالى: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا قالتْ: فقال: إنما ذلك العَرضُ، ولكن: مَن نُوقِشَ الحِسابَ يَهْلِكْ)،[٥] ومن زوجات النبي -عليه السلام- اللواتي روين الحديث أيضاً أم سلمة رضي الله عنها، فقد روت ثلاثمئةٍ وثمانيةٍ وسبعين حديثاً، وغيرها من زوجات النبي عليه السلام.[٦]
- الحِشمةُ والستر في اللباس، فقد روى ابن تيمية -رحمه الله- أنّ النساء الصحابيات كنّ يلبسن القمُص تصل إلى الكعبين في القدمين، وإلى الكفّين في اليدين، ولقد ورد وصف ما تلبس نساء المؤمنين في الحديث الذي يرويه ابن عمر، فقال: (أن نساءَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ سألْنه عن الذيلِ فقال: اجعلْنَه شبراً، فقلن: إن شبراً لا يسترُ من عورةٍ، فقال: اجعلْنه ذراعاً فكانت إحداهن إذا أرادت أن تتخذَ دِرعاً أرخَت ذراعاً فجعلته ذيلاً).[٧][٨]
- النفقة لوجه الله، ومن ذلك الصحابية الجليلة أمّ كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنهما، إذ وصل لزوجها مالٌ عظيمٌ من حضرموت، قُدّر بسبعمئة ألف درهمٍ، فبات قلقاً كأنّما نزل به بأسٌ شديدٌ، فسألته زوجته أم كلثوم عن حاله، فأخبرها أنّه وجِلٌ من سؤال الله له عن هذا المال كلّه، فأشارت إليه أن ينتظر حتى الصباح فيقسّم المال بين أصحابه، فكان كذلك، فما إن طلع الصباح حتى قسّم زوجها المال في المهاجرين والأنصار، ولم يكد يترك لأهله شيئاً منه، فكانت هي الداعم والمحرّك لكلّ هذا الفضل والأجر.[٩]
صبرُ صحابيّةٍ
كان من صفات الصحابيات كذلك الصبر والاحتساب العظيم عند نزول الشدائد، وفي ذلك يُضرب المثل بالصحابية الجليلة أمّ سُليم التي توفّي ابنها ليلة وصول زوجها من سفرٍ بعيدٍ، فلم تُخبر الزوجة زوجها عن حالها حين وصوله، بل فضّلت أن تتحمّل هي وحدها هذا الهمّ والبلاء؛ حتى لا تزيد من تعبه وقلقه حين وصوله، بل إنّها تزيّنت له، واستقبلته استقبالاً حسناً يليق بقدومه من بعيد، ثمّ انتظرت وقتاً مناسباً حتى بدأت بتهيئته لسماع الخبر، فقالت له: يا أبا طلحة أرأيت لو أنّ قوماً أعاروا قوماً عاريةً لهم، فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوها؟ قال: لا، قال: فإنّ الله -عزّ وجلّ- كان أعارك ابنك عاريةً، ثمّ قبضه إليه، فاحتسب واصبر، فكانت قد ذكّرت زوجها بالصبر والاحتساب، ونالت الفضل في ذلك.[١٠]
المراجع
- ↑ سورة الفتح، آية: 29.
- ↑ رواه القرطبي المفسّر، في تفسير القرطبي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 19/348، صحيح.
- ↑ "الصحابة.. عدالتهم وعلو مكانتهم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-6. بتصرّف.
- ↑ "الصحابيات المجاهدات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-5. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 103، صحيح.
- ↑ "صحابيات من رواة الحديث"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-8. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8/32، إسناده صحيح.
- ↑ "لباس الصحابيات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-8. بتصرّف.
- ↑ "نماذج لنساء السلف"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-8. بتصرّف.
- ↑ "من قصص الصحابيات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-8. بتصرّف.