كيف مات موسى عليه السلام

السنين الأخيرة لموسى عليه السلام

أمر الله -تعالى- نبيه موسى -عليه السلام- بأن يسير ببني اسرائيل إلى بيت المقدس، ولما كانوا بالقرب منها، اختار موسى -عليه السلام- اثنا عشر رجلاً من أسباطهم؛ ليأتوه بخبر الجبّارين الذين كانوا يسكنون أريحا في بيت المقدس، ولقيهم رجلٌ منهم، فأخذ الإثنا عشر رجلاً إلى امرأته، وأخبرها أنّهم يُريدون قتلهم، وأراد أن يطأهم برجله، فقالت له: أطلق سراحهم؛ ليخبروا قومهم بما رأوا، فاتّفقوا على كتم ذلك عنهم، ونكث عشرة منهم العهد وأخبروا موسى -عليه السلام- بما رأوا، وكتم رجلان منهم الخبر عن بني اسرائيل، واخبروا موسى وهارون -عليهما السلام- فقط، ولما سمع بنو اسرائيل بخبر الجبّارين امتنعوا عن السير معهم؛ فطلب إليهم موسى -عليه السلام- بدخول الأرض المُقدّسة وعدم الخوف من القوم الجبّارين.^[١]

وغضب موسى -عليه السلام- منهم ودعا عليهم؛ فعاقبهم الله -تعالى- بالتيه أربعين سنة، فندم موسى -عليه السلام-؛ لعدم حملهم الطعام معهم، فأنزل الله -تعالى- عليهم المنّ والسلوى، وألتقى موسى -عليه السلام- بعوج بن عناق فقفز إليه موسى -عليه السلام- بمقدار طوله وطول عصاه وهي عشرة أذرع فقتله،^[١] ونقل عُلماء السّير أن موسى -عليه السلام- توفّي بعد أخيه هارون -عليه السلام- بثلاث سنين، وذكر الإمام الطبري أنّه عاش مئة وعشرين سَنَة،^[٢] وسنذكر في هذا المقال كيف مات نبي الله موسى -عليه السلام-.

كيف مات موسى عليه السلام

جاءت العديد من الروايات التي تُبيّن كيفية موت موسى -عليه السلام-، ومنها رواية أبي هُريرة -رضي الله عنه- التي يذكر فيها أن الله -تعالى- أرسل ملك الموت إلى موسى -عليه السلام-، ولمّا جاءه لطمه وفقأ عينه، فرجع ملك الموت إلى الله -تعالى-، وأخبره أنّ نبيّه لا يُريد الموت، فردّ الله -تعالى- إليه بصره وأخبره بأن يرجع إليه ويُخبره بأن يضع يده على ثور، وأنّ له بكل شعرة غطتها يده زيادة سنة في عمره، فقال له: ثُمّ ماذا؟، فقال: الموت، فدعا ربه أن يُقرّبه من الأرض المُقدسة رمية حجر، وذلك لما فيها من الشرف والفضيلة، ولم يسأله القُرب من بيت المقدس؛ مخافة افتتان الناس به، وجاء في الرواية الأُخرى لموته أنّ ملك الموت جاءه وقال له: أجب ربك؛ أي الموت، فلطمه موسى -عليه السلام- على عينه وفقأها له وذلك في حديث النبي -صلى الله عليه وسلّم-: (جاء ملَكُ الموتِ إلى موسى لِيقبِضَ رُوحَه فقال له : أجِبْ ربَّك فلطَم موسى عيْنَ ملَكِ الموتِ ففقَأ عيْنَه)،^[٣][٤] واختلف العُلماء في بيانهم للطم موسى -عليه السلام- لملك الموت على عدّة أقوال، ومنها ما يأتي:^[٥][٦]

• القول الأول: موسى -عليه السلام- لم يعرف ملك الموت؛ لأنه جاءه على هيئة رجل ودخل بيته من غير إذنه، وأراد الدفاع عن نفسه فقام بلطمه وفقأ عينه، وهذا قول الإمام أبو بكر من خزيمة.
• القول الثاني: موسى -عليه السلام- كان سريع الغضب، وكان إذا غضب رفع شعر بدنه جبته؛ فكان ذلك سبباً لضربه ملك الموت وهذا ما نقله القرطبيّ، وقد بيّن ابن العربي أنّ ذلك لا يصحّ بحقّ الأنبياء.
• القول الثالث: الأنبياء -عليهم السلام- لهم ميزة عن باقي البشر عند الموت؛ فهم يُخيّرون عند موتهم، وملك الموت لما جاءه لم يُخيّره، فلطمه وفقأ عينه؛ اختباراً له، لعدم تخييره له، ومما يدُلّ على صحة هذا القول أنه لما خيره بين الموت والحياة إختار الموت، وقد قال بذلك القرطبيّ.

وقال وهب عن قصة وفاته: إنّ موسى -عليه السلام- خرج ذات يوم فمرّ بجماعة من الملائكة يحفرون قبراً جميلاً؛ لما فيه من الخُضرة والبهجة، فسألهم: لمن تحفرون هذا القبر، فأجابوه: لعبد كريم على ربه، فقال لهم: إنّ هذا العبد بمنزلةٍ عاليةٍ عند ربه، فأخبرته الملائكة بأن يكون هو؛ فوافق موسى -عليه السلام- على ذلك، فاضطجع فيه، ثُمّ مات،^[٧] وقد مات -عليه السلام- في التيه بعد أخيه هارون -عليه السلام- بثلاثِ سنين،^[٨] وله من العُمر مئة وعشرون عاماً، وقيل مئة وثماني عشر.^[٩]

ما بعد وفاة موسى

بعد وفاة موسى -عليه السلام- أقام الله -تعالى- خليفةً عليهم وهو يوشع بن نون فتى موسى -عليه السلام-، وبعد انقضاء مدّة التيه خرج بهم مُتوجّهاً إلى بيت المقدس، وأمرهم الله -تعالى- حين دُخولها بقوله: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)،^[١٠] فقابلوا كرم الله -تعالى- لهم بالجُحود والنُكران، فاستحقوا غضبه، ولمّا دخلوا الأرض المُقدسة بدأ يوشع باستكمال فُتوحاته، وتقسيم الأراضي التي غنمها على جميع أسباط بني إسرائيل الإثني عشر، وبعد وفاته تولّى حُكمهم قُضاتهم،^[١١] فكان عصر العبد الصالح يوشع عصر ازدهار وإيمان، وأقام في الأرض المُقدّسة دولةً إسلاميّة، وبلغت أوجها حين حكم داود وابنه سليمان -عليهما السلام-.^[١٢]

المراجع

1. ^ ^{أ ب} أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري، عز الدين ابن الأثير (1997)، الكامل في التاريخ (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 169-170، جزء 1. بتصرّف.
2. ↑ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (1992)، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 376، جزء 1. بتصرّف.
3. ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6224، صحيح.
4. ↑ أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (الطبعة الثانية)، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، صفحة 127-128، جزء 15. بتصرّف.
5. ↑ "هل فقأ "موسى" عين ملك الموت عندما جاءه يأخذ روحه؟"، www.amrkhaled.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2020. بتصرّف.
6. ↑ "هل صحيح أن موسى لطم ملك الموت عندما أراد أن يقبض روحه"، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
7. ↑ أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، صفحة 37، جزء 2. بتصرّف.
8. ↑ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (1992)، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 373، جزء 1. بتصرّف.
9. ↑ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قِزْأُوغلي بن عبد الله المعروف بـ «سبط ابن الجوزي» (2013)، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الرسالة العالمية، صفحة 103، جزء 2. بتصرّف.
10. ↑ سورة البقرة، آية: 58-59.
11. ↑ الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 142، جزء 39. بتصرّف.
12. ↑ صلاح عبد الفتاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم ، صفحة 137. بتصرّف.